أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مأساة اللاجئ فوز بحثاً عن لقمة العيش: لبنان أفضل من الدنمارك

الجمعة 29 نيسان , 2016 09:12 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 53,689 زائر

مأساة اللاجئ فوز بحثاً عن لقمة العيش: لبنان أفضل من الدنمارك

«أنا اسمي فوز» يقول. وفوز لاجئ سوري إلى الدنمارك، هذا هو المفروض لكنّه يصرّ على أنه «سوري مشتت في الدانمارك». غادر لبنان قبل أكثر من سنة مستفيداً من فرصة العمر التي حسده عليها رفاقه الشباب. ولفوز قصّة لا تشبه أي قصة من قصص غيره من اللاجئين، لكّنها تتشابك معها.
عمل ابن الثلاثين بعد توقّفه عن الدراسة في معمل للحياكة في سوريا، وقد لفت نظر صاحب العمل فحوّله مصمماً للأزياء النسائية. خضع لدورة في الرسم وانطلق في المجال، حالماً بأن يتحوّل مصمماً مشهوراً. ثم اندلعت الحرب «انتهزتها فرصة للاقامة في لبنان حيث دور الأزياء الأشهر في العالم العربي. طرقت أبواباً كثيرة لكن أياً من المصممين الكبار لم يستقبلني حتى بوظيفة خيّاط... ثم تسلمت معملاً صغيراً لحياكة فساتين السهرة والأعراس في البوشرية. كنت أجري تعديلات كثيرة على التصاميم التي كانت تردني، وكان صاحب العمل مسروراً بالنتائج لكنّه لم يقدّم لي أي علاوة في المقابل... وقد أعاد الأمر إلى عدم امتلاكي شهادة في التصميم». لم يكن يكفي فوز ما كان يتقاضاه وهو أب لولد، وزوج لمعلمة باتت عاطلة عن العمل، فقرر الهرب إلى بلد أوروبي. يروي أنه حفظ عن ظهر قلب تاريخ وجغرافية أوروبا، ووجد أن الدنمارك أفضلها، فتقدّم بطلب إعادة توطين إليها عبر «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين». انتظر طويلاً، «لأكثر من سنة، من دون أن نعرف ما إذا قبل طلبنا أم لا. وفي أحد الأيام حصلت مشادة كلامية بين صاحب العمل وبيني وطردني... فكانت الحادثة التي دفعتني إلى التواصل مع مهرّبين غير شرعيين لترك لبنان».
ترك فوز زوجته وابنه في لبنان في عهدة صديق وعائلته، على أساس أن يغادرا الاثنان لبنان ما أن تنتهي إجراءات سفرهم إلى الدنمارك. دفع الكثير للوصول إلى الأراضي الدنماركية، ومكث ستة أشهر قبل أن تصل إليه عائلته. يقول «صرّحت زوجتي أنني فُقدت خلال زيارة إلى سوريا، وأنها من دون معيل فسرّعوا بسفرها».
استقبلت الزوجة كغيرها من اللاجئين الشرعيين، وكان من الصعب أن ينتقل فوز للعيش معها على الفور على أساس أنه مفقود، وقد تواصل مع مَن يمكن أن يوصله إلى كوبنهاغن العاصمة حيث العائلة. يروي أن أحد اللاجئين السوريين عرّفه إلى رجل إيرلندي يمكن أن يساعده في ترحاله «حدّدوا لي نقطة الانطلاق وشكل ولون السّيارة التي ستقلّني. أتوا على الموعد وكانوا ثلاثة الايرلندي والسوري ورجل آخر لم أعرف تحديد هويته في الظلام. أدخلوني إلى الشاحنة الصغيرة، فوجد فيها سريراً وعدّة طبيب من إبر وعقاقير ومقص... وغيرها. سألت عن سبب وجودها فلم يُجبني الرجل المجهول، وكان الايرلندي والسوري في المقطورة الأمامية للشاحنة.
كان الرجل ينظر إلى ساعته بين الحين والآخر، وبعد مرور ساعة ترجّل الايرلندي وتحدث معه بالانكليزية، ثم أغلق الباب. مرّت ساعة أخرى وتكرّر الموضوع وبعد الثالثة، تجادل الرجلان، وعندما عاد الايرلندي وأقفل باب الشاحنة، حضّر الرجل المجهول إحدى الأبر وقفز صوبي في غضون دقيقة محاولاً وخزها في جسمي. تعاركنا وضربته ضرباً مبرحاً، إلى أن خارت قواه فقفزت من الشاحنة هارباً».
مكث فوز في العراء مدة ستة أيام في منطقة، عرف فيما بعد أن اسمها فيليسا وهي تبعد كثيراً عن كوبنهاغن العاصمة. مشى طويلاً إلى أن سمع أحدهم يتحدث بالعربية مع صديق له، فعرّفهما بنفسه وكانا شابين فلسطينيين يعملان في الدنمارك. أخبراه أين هو فعلياً وطريق الوصول إلى العاصمة التي كانت بعيدة جدّاً، وساعداه في الانتقال إليها. يقول إنه عانى من الجوع والبرد ومن الخوف إذ أدرك أنه وقع في براثن عصابة لتجارة الأعضاء.
حاول فوز التواصل مع زوجته، لكنّه علم أنه تم نقلها وابنها إلى مجمع جديد. فقصده، أيضاً بمساعدة الشابين. يقول إن زوجته ظّنت أنه مات لأن التواصل بينهما انقطع فور وصولها إلى كوبنهاغن، وأنها اتصلت بمن «كان صديقه» السوري فأخبرها بأنه تخلّف عن الموعد ولم يركب الشاحنة...
يعتبر فوز أن ما شهده في الدنمارك ليس أفضل مما خبره في لبنان، «فهنا أخذوا ذهب زوجتي وتركوا لها خاتم زواجها بموجب قرار حكومي، كما بات معروفاً. ونحن نعاني كثيراً من النظرة الدونية ومن الحديث المتكرّر عن أن السلطات الدنماركية لم تحسم أمرها بعد في ما ستكون إقامتنا دائمة أم مؤقتة». هكذا يعبّر فوز أن اللاجئين هناك باتوا يُستخدمون كوقود للتخفيف من هجرتهم إلى أوروبا، وأن الخطاب الذي يؤكد على التضييق عليهم وتركهم أمام مصير مجهول، لا يخجل منه أصحابه بل يؤكدون عليه خوفاً من ضيوف جدد.
ويروي أنهم يعيشون في منطقة نائية، ويقدّم لهم القليل بالمقارنة مع ما كان يقدّم في السابق. ويقول: «حتى الساعة أنا لا أعمل ومجهول المصير. لم يختلف وضعي عما كان في لبنان، لا بل ربما هناك فرص عمل أفضل». ويضيف أنه إن خُيّر بين العودة إلى لبنان أو البقاء في الدنمارك فهو سيعود، «طالما أن فرص الحياة الكريمة في بلد أوروبي باتت تشبه فرص الحياة في بلد عربي».

بلاد غير مرحّبة
لم يعد مخفياً القرار الذي أصدرته الدنمارك، والذي يقضي باحتجاز الذهب والممتلكات الثمينة (باستثناء خاتم الزواج) التي ينقلها معه اللاجئ إليها، كنوع من المساهمة في إقامته فيها. وقد تصدّر القرار عناوين الصحف والمجلات، لا سيما أن الدنمارك هي من أولى الدول الموقّعة على اتفاقية اللجوء عام 1951.
هكذا عنونت «ذي اتلانتك»: «كيف لا نرحّب باللاجئين»، وبرهنت أن الدولة قامت بتخفيض التقديمات الاجتماعية بنسبة 45 في المئة. بينما عنونت «نيويورك تايمز»: قسوة الدنمارك تجاه اللاجئين»، وتحدّثت فيه عن عدم تطبيق سياسة لمّ الشمل إلا بعد سنة إلى ثلاث سنوات على وصول أي عائلة لاجئة.
ويروي عامل في إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة في الدنمارك أن «اللاجئين هنا لا يتنعمون أبداً في مستوى المعيشة العالي في الدنمارك، لا بل كانت من أولى الدول التي تفرض قوانين مجحفة بحقهم كقانون المقتنيات الثمينة ومسألة لمّ الشمل». وأوضح أنه من خلال تواصله مع اللاجئين السوريين، اكتشف أن بعضهم يفضل العودة إلى الدول المجاورة لسوريا، «لأن العنصرية باتت تزداد» كما يعبّر أكثر من واحد منهم. ويلفت العامل الى أن قرار العودة إلى لبنان أو غيره من دول الجوار قد يشوبه الكثير من العراقيل إذ قد ترفضه تلك الدول، و «بالتالي يشعر اللاجئ نفسه عالقاً في دولة لا يحبّها وهي غير مرحبّة به».
مادونا سمعان  
السفير بتاريخ 2016-04-29 على الصفحة رقم 4 – محليّات
http://assafir.com/Article/490680

Script executed in 0.16970705986023