أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

لماذا يغادر العناصر العرب شرطة ديربورن؟

الجمعة 29 نيسان , 2016 11:58 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 36,784 زائر

لماذا يغادر العناصر العرب شرطة ديربورن؟

المهاجرون من أصول شرق أوسطية فـي ديربورن يحلو لهم إطلاق لقب «عاصمة العرب الأميركيين» على مدينتهم. ويستدلون على ذلك بكثافتهم السكانية العالية فـي الأحياء، وباليافطات التجارية التي تملأ الشوارع الرئيسية فـي المدينة.

 

فـي واقع الأمر، ثقافة المدينة وطبيعة الحياة فـيها وحتى مظهرها تغير كثيراً على مدى السنوات الثلاثين الماضية عاكساً التغيير الديمغرافـي الذي طرأ على ثامن أكبر مدن ولاية ميشيغن، غير أن شرطة المدينة تبدو عصية على هذه التغييرات، وكأنها معزولة عن محيطها الاجتماعي الذي يغلب عليه العرب الأميركيون فـيما يبقى عناصر الشرطة بأغلبيتهم الساحقة من الأميركيين البيض، تماماً كأية مدينة من مدن الغرب الأوسط الأميركي. 
فـي العام ٢٠١٤، كشفت صحيفة «صدى الوطن» بأن سبعة فقط من أصل ١٨٤ عنصراً من عناصر الشرطة فـي مدينة ديربورن هم من العرب الأميركيين - أي أقل من أربعة بالمئة من عناصر الدائرة فـي حين أن العرب الأميركيين يشكلون أكثر من ٤٢ بالمئة من سكان المدينة، وفقاً لتقديرات مكتب الإحصاء الوطني. 
ومنذ ذلك الحين، قام رئيس الشرطة رونالد حداد - وهو عربي أميركي - بمحاولات محمودة لتجنيد عناصر شرطة من الجالية العربية لينضموا الى زملائهم فـي شرطة ديربورن. غير أن فترة السنة والنصف الماضية شهدت استقالة ما لا يقل عن أربعة عناصر عرب أميركيين تم تجنيدهم مؤخراً، إثنان منهم عزيا مغادرتهما الدائرة للمواقف العنصرية التي تعرضوا لها خلال خدمتهم.  أحدهما قال لـ«صدى الوطن» إن سبب استقالته «انهم يعاملونك بإهانة وقلة احترام أمام زملائك».
لم ترد دائرة شرطة ديربورن على الطلبات المتكررة من قبل «صدى الوطن» للحصول على تعليق منها حول المزاعم العنصرية.
كذلك قدمت «صدى الوطن» طلباً للبلدية وفق قانون حرية المعلومات (فويا)، للكشف عن عدد ضباط وعناصر الشرطة الذين استقالوا من الدائرة على مدى العامين الماضيين،  وتبين أنهم أربعة فقط وجميعهم من العرب الأميركيين.

 

شرطة تشبه المجتمع
هناك إجماع فـي أوساط الناشطين المدافعين عن الحقوق المدنية بأن قوات الشرطة يجب أن تعكس صورة المجتمعات التي تعمل فـيها وتخدمها. ففـي عام ١٩٦٧، أوصت «لجنة كيرنر» بتعيين وترقية المزيد من ضباط الشرطة الأميركيين الأفارقة للمساعدة فـي تهدئة العلاقة المتوترة بين سلطات إنفاذ القانون والمجتمع المدني، وذلك بعد أحداث الشغب والاضطرابات العنصرية التي وقعت فـي أنحاء متفرقة من البلاد، على رأسها ديترويت، جارة ديربورن الكبرى.
فـي ذلك الوقت، كان يحكم ديربورن رئيس بلديتها الحديدي أورفـيل هابرد، الذي أراد علناً ​إقصاء​ الأميركيين الأفارقة وإبقائهم خارج حدود المدينة. 
المدافعون عن ديربورن يقولون ان المدينة قد قطعت شوطاً طويلاً يفصل عن أيام العنصرية «الهباردية» تلك، وكذلك ديترويت. ولكن فـي حين تم تنويع قوات شرطة ديترويت على مدى السنوات الخمسين الماضية لتعكس نسيج المدينة، ظلَّتْ شرطة ديربورن متخلفة عن الركب ولم تعكس التغييرات الكبيرة التي شهدتها القاعدة السكنية فـي المدينة.
ومما ذكره «تقرير كيرنر» فـي ان الشرطة كانت ترمز لسلطة البيض والعنصرية والقمع. وكأن كيرنر يتطرق الى احداث اليوم. ففـي الآونة الأخيرة، بعد قيام عناصر من شرطة ديربورن بإطلاق النار على اثنين من سكان ديترويت السود وقتلهما فـي غضون ٣٥ يوماً ما بين كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٥، وكانون الثاني (يناير) ٢٠١٦، تجددت الانتقادات تجاه سلوك عناصر الشرطة والمواقف السلبية تجاه المدينة ككل.

 

«بيئة معادية»
فـي العام الماضي غادر أحد العرب الاميركيين شرطة ديربورن مستقيلاً. وقتها سألت «صدى الوطن» مسؤولاً فـي بلدية ديربورن عن أسباب استقالة الشرطي العربي، فقيل إنه غادر للحصول على راتب أعلى ومستحقات أفضل. ولكن الضباط الثلاثة الآخرين استقالوا من دون إعلان السبب، ​​وكانت الفترة الفاصلة بين استقالة اثنين منهما أقل من شهر واحد فـي عام ٢٠١٦.
أحد المستقيلين الأربعة عزا سبب تخليه عن وظيفته بأنه كان يواجه مضايقات يومية وتمييزاً من قبل زملائه ورؤسائه بدائرة الشرطة فـي ديربورن، مؤكداً أنه سمع مراراً تعليقات عنصرية معادية للعرب من قبيل «نحتاج هذا العربي لأن يرحل من هنا».
وقال الشرطي العربي السابق، الذي تحدث لـ«صدى الوطن» طالباً عدم الكشف عن هويته، بسبب التداعيات المهنية والانتقامية المُحتملة، انه كاد يشتبك مع ضابط التدريب بشأن المعاملة المسيئة التي تلقاها.
وأفاد «ان سوء المعاملة تراوحت ما بين التسميات العنصرية إلى التوبيخ العنيف إلى العزل المتعمد» وتابع أن زملاءَه من عناصر الشرطة لم يكونوا يردون على تحياته لهم وأنهم كانوا يتغامزون ويضحكون كلما اقترب منهم.
وقطع شرطي ديربورن السابق، الشك باليقين ردَّاً على سؤال حول ما اذا كانت المعاملة السيئة يمكن أن تكون جزءاً من عملية التدريب، بالقول ان المجندين البيض كانوا يُعَامَلون بكثير من الإحترام. وأضاف متسائلاً «لماذا عندما يتحدث رجل أبيض إلى رجل أبيض آخر تكون المسألة مختلفة؟».
واستطرد بالقول «شعرت وكأني مواطن من الدرجة الخامسة وشعرت وكأني لم أكن أنتمي إليهم». وأردف أنه فـي البداية «تعايشت مع الإساءة حتى وصلت إلى مرحلة لا تطاق. أنا لست شخصاً حساساً لكن أنا لن أتمكن من التعامل مع هذه البيئة المعادية على مدى السنوات الـ٢٥ المقبلة من حياتي».
وفـي حين رفض التعليق نيابةً عن أعضاء الشرطة الآخرين الذين استقالوا، أشار المصدر الى «أن هناك نمطاً من التحيز. فأربعة من الشرطة لا يتركون دائرة كدائرة شرطة ديربورن بلا سبب» مؤكداً عدم نيته بتاتاً العودة للخدمة فـي شرطة ديربورن.
«أريد فقط منهم معاملة المجند العربي المقبل بشكل مختلف عن الطريقة التي تعاملوا فـيها معي» ذكر المصدر، مؤكداً أنه لم يتقدم بشكوى رسمية أو إبلاغ رئيسه لأنه كان يعتقد بوجود مشكلة «عصية على الحل فـي ثقافة الدائرة». وأضاف أنه انضم للدائرة بهدف الخدمة العامة ورد الجميل للمجتمع، «والمحزن هو أنني فعلاً كنت أريد أن أنجح فـي ذلك».
شرطي عربي سابق آخر تحدث لـ«صدى الوطن»، مشترطاً عدم الكشف عن هويته بسبب العواقب المحتملة على عمله فـي المستقبل، تحدث عن شكاوى مماثلة.
قال انه تعرض للإهانة من قبل ضابط التدريب، وعومل بقسوة أشد من غيره، وحتى تعرض للسخرية. لكنه بعكس الشرطي الاول نقل شكواه إلى قائد الشرطة الذي طلب منه التحدث مع ملازمه الأعلى رتبة منه، لكن الأخير لم يعر لشكواه اهتماماً.
«فـي المحصلة أعطوني خياراً وحيداً فقط وهو الرحيل»، قال الشرطي السابق، وتابع أنه يعرف تحديات العمل فـي مجال الشرطة مشيراً الى أن هناك فرقاً كبيراً بين «الجلد السميك» و«اظهار قلة الإحترام كل يوم». وختم متحسراً على وقته الذي قضاه فـي إدارة شرطة ديربورن، قائلاً ان استقالته قد تشكل عقبة أمام فرص العمل المستقبلية.
 
علي حرب - «صدى الوطن»

Script executed in 0.20230793952942