أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

البروفسور خضر فقيه عضواً في المجلس الأكاديمي الأعلى: حكاية تفوق ونجاح لبناني في بلغاريا

الأربعاء 04 أيار , 2016 12:10 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 22,568 زائر

البروفسور خضر فقيه عضواً في المجلس الأكاديمي الأعلى: حكاية تفوق ونجاح لبناني في بلغاريا

 

إنها الحكاية نفسها تتكرر. هي حكاية هجرة العقول والأدمغة من لبنان او تهجيرها قسراً. ربما كما تهاجر الطيور للمحافظة على وجودها، هكذا هم المغتربون اللبنانيون..
هو واحد من هؤلاء. البروفسور اللبناني خضر فقيه ابن بلدة الريحان في قضاء جزين، ومصدر فخر واعتزاز كل لبناني عابراً ومقيماً في بلغاريا أو ربما في دول أوروبا الشرقية. تسبق الرجل سمعته الطيبة، ليس بين أبناء الجالية اللبنانية في بلغاريا وحسب، إنما في البلد الذي علمه واحتضنه وأهّله لكي يكون واحداً من أمهر الأطباء الأكاديميين وأكثرهم براعة وتفوقاً ونجاحات وإنجازات.
ابن الخامسة والخمسين ربيعاً تخاله قبل أن تلتقيه في السبعين، نظراً لوفرة إنجازاته العلمية والطبية التي يتحدث عنها الجميع في صوفيا. هو البروفسور والأكاديمي والطبيب في مجال جراحة الفك والتقويم والأبحاث العلمية، والذي أُفردت له صفحات في الصحف المكتوبة، حتى أن إحدى المحطات التلفزيونية نقلت له مباشرة على الهواء عملية جراحية معقدة استمرت ساعات لإعادة ترميم هيكل عظمي لوجه مهشم، ما ساهم بتكريس مكانته العلمية المميزة بين أطباء بلغاريا ودول الجوار.
يقول د. فقيه: «كنت أول عربي لا بل أول أجنبي يصوّت له سبعة عشر شخصاً من المجلس العلمي في كلية الطب (وتلك كانت سابقة في تاريخ الكلية) وقد دعوني للتدريس كأستاذ محاضر في ذلك الصرح العلمي والأكاديمي الهام والذي خرّج آلاف الطلاب، تتلمذ عدد كبير منهم على يدي وبإشرافي. حينها ترددت قليلاً لأني كنت راغباً بالعودة إلى الوطن، إلا أن القدر لم يشأ ذلك! كما كنت أول أجنبي وأول عربي يصبح عضواً في المجلس الأكاديمي الأعلى، ومسؤولاً عن قسم الجراحة في الجامعة. شاركت وأشرفت على العديد من الأبحاث كما شاركت في وضع عدد من الكتب الطبية حول جراحة الوجه والفك».
وللدكتور فقيه أيضاً أبحاث في علوم الإنتروبولوجيا مع كل من البروفسور جوردانوف والبروفسور كرونوفا البلغاريين. كما شارك في وضع عدد من الكتب عن جراحة الوجه والفك، وقد عُيّن عضواً في أكاديمية العلوم في نيويورك.

 

متخرجو صوفيا سفراؤها في العالم
هو ابن الحرب اللبنانية. ذاق مرّها كسائر أبناء الجنوب وعاش بسببها هجرات متتالية داخل الوطن، قبل أن يتركه ويغادر العام 1986 بحثاً عن طرق أفضل للعيش، في وطن كانت ألسنة اللهب فيه قد بدأت تأكل الأخضر واليابس، وهو ابن الجنوب المقاوم. هناك عاش ردحاً من حياته، ومن هناك اكتسب العديد من صفاته وميزات ابن الجنوب المثقف والطيب وصاحب المواقف الحازمة في الوقت نفسه
يقول د. فقيه: « نشأت في بيئة متواضعة لم يورثنا أبي سوى العلم والدراسة. هي زوادة حملتها مثل بقية إخوتي ومضيت إلى قدري هنا في بلغاريا التي قضيت فيها 36 عاماً. تخصصت خلالها وحصلت على شهادة في طب الأسنان ومن ثم في جراحة الفم إلى أن حصلت على الدكتوراه في الجراحة التقويمية، وهي بمجملها اختصاصات تدور في مجال جراحة الفك التجميلية. أسست عائلة وتزوجت وأنجبت. لقد أحببت هذا البلد لطبيعته وتواضع أهله وأُدين له بالوفاء دائماً وأعتبر أن متخرجي معاهد وجامعات صوفيا، وأنا منهم، سفراء حقيقيون لهذا البلد الذي تربوا وعاشوا فيه ونضجت أفكارهم وتبلورت شخصيتهم».
يعرف د. فقيه جيداً المزج بين الكفاءة والفعالية، وفي هذا الإطار يوظف كفاءاته بشكل فعال لخدمة مهنته كما أبناء وطنه، ذلك أنه واحد من قلة ناجحة ومعروفة ومحترمة على المستوى الرسمي. لذا كانت له العديد من المحطات والمواقف لمصلحة الجالية اللبنانية. ترأس لسنوات «جمعية اللبنانيين في بلغاريا»، ويعتبره الكثيرون مرجعاً عن تاريخ ووجود الجالية اللبنانية في صوفيا. وقد ساهم مع عدد من الشخصيات اللبنانية النافذة بتحسين وضعها، مكّنه في ذلك سمعته ومصداقيته وثقافته العالية. ويذكر له اللبنانيون كيف انبرى خلال الاعتداء الغاشم على الجنوب إبان حرب تموز للإطلالة عبر وسائل الإعلام المختلفة للدفاع عن وجهة نظر لبنان أمام الرأي العام البلغاري، مختتماً صولاته الإعلامية بزيارة لرئيس الجمهورية البلغاري مع وفد كبير من أبناء الجالية: «أفنينا عمرنا في سبيل وحدة الجالية ومصالحها. كي تعكس الصورة الإيجابية عن الوطن الذي ما زلنا نحلم به موئلاً للمواطنية الحقة».
هو واحد من قلة قليلة تخصص في الطب وبقي يعمل في المهنة التي تخصص بها، أعطاها وأعطته. يقول: «لم أترك مهنتي يوماً واحداً. لطالما انكببت على عملي حتى أنني لم أجنح إلى التجارة كما فعل الكثيرون بحكم الظروف المؤاتية خلال فترة التحول، برغم كل الإغراءات وبرغم صعوبة الحياة أحياناً. في النهاية من يزرع بإخلاص سيحصد حتماً!
للدكتور فقيه جوانب أخرى وهوايات، أبرزها الرغبة بالمعرفة وحب الاطلاع. غالباً ما ينشر تحليلات ومقالات نقدية في السياسة والمجتمع، وقد قدم فيما مضى برنامجاً تلفزيونياً ثقافياً على إحدى المحطات التلفزيونية البلغارية.
أنصفه القدر مهنياً، إلا أنه عاد وفجعه مؤخراً برحيل ابنه في حادث سير أليم، جعله ينكفأ عن المشاركة في الكثير من الأنشطة.
يختصر فقيه المشهد فيقول: «أتأمل حالياً في مسألة الموت، ويؤلمني الفقدان وأشعرني كالطير الذي فقد أحد جناحيه وبات غير قادر على الطيران».
...ومع هذا حلّق د. فقيه وما زال في فضاء الإنسانية الواسع بإنجازاته العلمية، وبأبحاثه. وقد خصص مؤخراً منحة دراسية سنوية في كلية الطب لأحد الطلاب المعوزين باسم ابنه الراحل كريم، ذلك أنه يعلم وكما قال جبران في كتابه «النبي»: إن الضباب ينقشع مع الفجر تاركاً الندى في الحقول، وينهض ويتجمع غيمة ثم يسقط مطراً!!.
 
ريميال نعمة - السفير 
http://assafir.com/Article/123/490800

Script executed in 0.18501996994019