أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

نعوش الشهداء تعبُر القاع... وتروي القصة الأخيرة

الخميس 30 حزيران , 2016 08:28 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 51,591 زائر

نعوش الشهداء تعبُر القاع... وتروي القصة الأخيرة

أثبتت القاع أمس أنّ أبواب الجحيم لم ولن تقوى عليها، زفّت شهداءها في عرس أسطوري، ففي موكب ضخم، دخل الأبطال الى البلدة التي أحبوها، فاستقبلهم أهلها بالأرز والورود والزغاريد، وما إن أُدخلت الجثامين الى صالة كنيسة مار الياس حتى بدأت النسوة بالندب.

"رح تصير الساعة 5، هلأ بيوصل جوزيف"... بهذه الكلمات استقبلت زوجة الشهيد جوزيف ليوس تابوت زوجها، وحضنته، بكت عليه من دون أن يمسح جوزيف دموعها، ندهته مرات عدة من دون أن يجيب، دعته إلى الاهتمام بأولاده كما عوّدها، إلّا أنّ جوزيف بقي ساكتاً.

على بعد أمتار، وقفت زوجة بولس الأحمر، جفّت الدموع من عينيها، اعتقدت أنّ بكاءها قد يحنّن قلب زوجها ويوقظه من النوم الأبدي، إلّا أنّ بولس خذلها للمرة الأولى وبقي راقداً، "قوم احتفل بقربانة ابنك"، لكنه لم يجب.

صالون الكنيسة غصّ بالحاضرين من كلّ الأعمار، فالأبطال ليسوا الشهداء فحسب، بل كلّ مَن تحدّى الأوضاع الأمنية المخيفة وأتى للاحتفال بعرس الشهادة. والدة فيصل عاد لم تفرح بابنها، هو الشاب العازب الذي كان يهتمّ بها ويملأ البيت فرحاً، ودَّعته بدموعها، "ليش تركتني يا ابني"؟

تساؤلات لن تجدَ لها أجوبة، ستعيش بهذه الغصّة كلّ العمر، سائلة فيصل لماذا اختار الشهادة بإرادته؟ لكنّ فيصل سيحرسها من فوق بصمت، تاركاً للقدر مهمة الإجابة على أسئلتها.

فيصل لم يذهب برحلته وحيداً، بل اصطحب معه ماجد وهبي تاركاً خلفه عائلة لم تستوعب هول ما حدث، أخوه رقص حاملاً صورته. بالأمس وعد العائلة بأنه سيبقى عامود المنزل، سيحميهم من كلّ شر، فلم يخل أنّ الشرّ سيطرق بابه ويفجّر نفسه فيه، لم يعتقد أن الشرّ الذي تكلم عنه سيقتل عائلته كلّ يوم ألف مرة، ويبقي قلوبهم مملوءة بحزن أبديّ لن يستطيعوا نزعه أبداً.

اقتنع أهل القاع بأنهم سيكونون ذبيحة الوطن، فتقبلوا قدرهم برحابة صدر وذهبوا بأنفسهم تجاهه، هم أيقنوا بأنّ القاع هي مقبرة الإرهاب، فنكشوا التراب بأيديهم لدفن طالبي الموت وإرسالهم الى الجحيم الذي كُوّن لأمثالهم.

لم تكن زوجة جورج فارس في جنازته، لم تستطع توديع رفيق عمرها فهي ترقد جريحة في المستشفى، غير مدركة أنّ جراحها التي ستطيب قريباً ستوازيها جروحٌ لن تعرف الإندمال، جورج ذهب أمس في غياب زوجته، لم يدرِ بأنها لحقت به يوم "المجزرة"، ولم يعرف بأنها سقطت جريحة لأنها لم تقبل بأن يذهب رفيق عمرها في رحلة لوحده، فهو الذي لم يتركها أبداً كيف له أن يذهب للشهادة وحيداً؟

على وقع التصفيق الحاد دخلت الجثامين الملفوفة بعلم لبنان الكنيسة، لم تتسع المقاعد للحاضرين، فالأبطال في القاع كثر، 5 جثامين تعانقت على مذبح الكنيسة، وعلى وقع ترتيلة "المسيح قام من بين الأموات" استُهلّ القداس الوداعي. جوزيف، بولس، فيصل، ماجد وجورج انطلقوا حاملين معهم خبز الحياة الأبدية، ذهبوا مطمئنّين بأنّ خلفهم أهلاً سيحرسون ترابَ قبورهم بدموع أعينهم، أغلقوا أبواب لبنان أمام الإرهابيين ليفتحوا لهم أبواب الجحيم حيث سيموتون كلّ يوم بعقائدهم الشنيعة، إبتسم الشهداء من فوق، فهناك سيستطيعون كالنسور حراسة القاع.

(الجمهورية)

Script executed in 0.19132399559021