أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

قنابل موقوتة متنقلة بيننا.. والآتي أعظم!

الأربعاء 21 حزيران , 2017 09:20 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 30,830 زائر

قنابل موقوتة متنقلة بيننا.. والآتي أعظم!

هي العناية الإلهية وحدها التي تحول دون سقوط قتيلين، أو ثلاثة، أو 14 قتيلاً، دفعة واحدة يومياً، في لبنان! ما من تفسير آخر لتدني عدد ضحايا "الباصات"، في ظلّ استفحال جنون سائقيها... إنها العناية الإلهية، لا غير.
على الأرجح، يفهم كلّ من يقود سيارة على طرقات لبنان، هذه المعادلة الصعبة. وفيما يُفترض أن يحمل عدد القتلى المتدني، بعضاً من الإيجابيّة والطمأنينة، فإنه يتحول إلى محفزّ لقلق دائم، ذلك أنه مثل مرآة السيارة، لا يعكس الصورة بأبعادها الحقيقية.

وهذه الصورة، في حقيقتها، بشعة جداً ومحفوفة بالمخاطر المميتة. سائقو "الفانات" في لبنان، في أغلبيتهم، يقودون مركباتهم وكأنهم في حلبة سباق، أو في ساح قتال. قيادة متهوّرة في أقصى تجليّاتها: سرعة كبيرة، تجاوزات غير مبررة، "مطاحشة" متواصلة، استعمال الهاتف أثناء الرحلة... إنه ببساطة استلشاق رهيب بأرواح الركاب والمواطنين.

أمس، سقط 3 ضحايا و12 جريحاً جرّاء حادث سير مروّع حصل على أوتوستراد البترون باتجاه شكا، نتيجة اصطدام فان لنقل الركاب بشاحنة. بأسف، يُقرّ مدير الاكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل إبراهيم بأن "وقوع مثل هذه الحوادث ليس مُستغرباً، وتحديداً على الطريق نحو الشمال". وفي حديث لـ "لبنان 24"، يعتبر إبراهيم أنّ "أغلبية تلك الباصات الصغيرة هي بمثابة كارثة، بل قنابل متنقلة على طرقاتنا، وذلك بسبب قيادة سائقيها المتهوّرة واللامسؤولة، وطبعاً، بسبب غياب الهيبة وقلّة الوعي".

ويشرح إبراهيم انّ هذه الباصات (14 راكباً) مفضلة لدى معظم الركاب لكونها أسرع من الحافلات الكبيرة التي تتسع لـ 24 راكباً. لكن هل يعود لتوفير الوقت من أهمية حينما يتهدد الأمر حياة الإنسان؟! للأسف، لا يبدو المواطنون واعين للمخاطر الجمّة، بدليل امتناعهم عن ممارسة الضغط على السائقين المتهوّرين، وحضّهم على قيادة متأنية. وهذا الأمر لو حصل، فإنه برأي إبراهيم، سوف يدفع أصحاب الفانات إلى إعادة النظر بطريقة قيادتهم كونهم بحاجة إلى الراكب أولاً وأخيراً للاسترزاق.

الهيبة الغائبة، هي بدورها من الأسباب الرئيسية للمشكلة. فعلى رغم الجهود التي تبذلها القوى الأمنية والمعنيين، لا يزال هناك خلل في الرقابة.

برأي إبراهيم، فإن المعضلة الرئيسية والأساسية، تكمن في غياب خطة واضحة وفعالة ومستدامة، تنطلق من القاعدة الذهبية القائلة بأن "سلامة الناس هي الأولوية"، وتصبّ في نهاية المطاف في صالح المواطن ومؤسسات الدولة واقتصاد البلد وسياحته على حدّ سواء.

لطالما كان إبراهيم من المؤمنين بأن قانون السير ليس كافياً، بل إن العبرة في تطبيقه بفعالية. أمرٌ يتطلّب وضع خطّة كاملة ومتكاملة. يقول:"القانون أداة، والخطّة هي الأساس، وبغيابها فإن النتائج التي نراها اليوم، طبيعية".

في لبنان، لا دراسات علمية تلحظ أسباب وقوع هذا الكمّ من الحوادث، حتى أنّ الإحصاءات والأرقام تفقد أهميّتها في ظلّ عدم تحليلها ودراستها بشكل علميّ وبنّاء. باختصار، ما يراه إبراهيم حلّا مثالياً يكمن في تشخيص المشكلة وتحديدها وسبر مسبباتها، رصد الاحتياجات والنواقص، تحديد الأولويات، ومن ثمّ البناء على أسس صلبة وعلمية، ما يخلق حلولاً مستدامة لا آنية وقابلة للتغيير بحسب ظروف متنوّعة. إنها الخطّة التي تصرف الحكومة نظرها عنها، وهي، أي الخطّة، بحاجة إلى إرادة سياسية وقرار واضح.

يقول إبراهيم:" الآلية المتبعة في تنفيذ القانون منذ عشر سنوات وحتى اليوم، أثبتت عدم فعاليتها القصوى، وهذا لا يعني أنها لم تؤد إلى نتائج إيجابية قطعاً. لكننا ما زلنا نعالج أفكاراً، وبطريقة عشوائية أحياناً".

ولعلّ أبسط الأمثلة حول ما يمكن أن تنتجه الخطّة المرجوّة، ما يتعلق تحديداً بالأوتوستراد نحو الشمال. فبحسب إبراهيم، لا مشاكل على تلك الطريق، كحفر أو ما شابه، باستثناء عدم إضاءة نفق شكا. يتابع:"ومع هذا، يقع عدد ملحوظ من حوادث السير قبل وبعد النفق، وعادة ما تكون بسبب السرعة الزائدة".

ومن شأن الخطة في هذه الحال، أن تدرس الأسباب وتحددها، فتعمل على وضع الحلول بناء عليها.

غير أن مدماك الخطة التي يتحدث عنها إبراهيم هو المكننة! "للأسف، عمل الرادارات في الوقت الراهن غير كاف وغير فعّال في ظلّ غياب المكننة".

فمن المعروف أنّ محاضر الضبط تكتبها العناصر الأمنية وهو ما يستغرق وقتاً وجهداً، وما زالت آلية التبليغ "بدائية" وما انفكّ المواطنون يتأخرون في الدفع.

وعليه، يبدو إبراهيم واثقاً إلى ابعد الحدود من أنه متى تمكنن عمل الرادارات، فإن عدد المحاضر اليوميّ سيقفز من ألف محضر في النهار إلى 15000 محضر. ولا شيء يحدّ من الحوادث والمخاطر، سوى قوّة رادعة!

لا يخفي إبراهيم تخوّفه من أنّ استمرار الحال على ما هي عليه سوف يؤدي إلى مزيد من الحوادث اليوميّة. "على الحكومة إعطاء ملف السلامة المرورية أولوية من خلال دعم الإدارات المعنيّة للعمل على وضع خطة مستدامة بحيث نشهد في خلال السنوات العشر الآتية على انخفاض متواصل ودائم في عدد الضحايا. ما عدا ذاك سوف يبقينا مشاريع ضحايا دائمة، ويأسرنا في قبضة الهاجس اليوميّ الذي نعيشه جميعاً كلبنانيين: فهل سنعود اذا ما خرجنا من المنزل؟!
ربيكا سليمان - لبنان 24

Script executed in 0.18344187736511