أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

آخر منتجي الملح في لبنان يخشون من اندثار مهنة أعانتهم لعقود

السبت 19 آب , 2017 08:50 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 8,207 زائر

آخر منتجي الملح في لبنان يخشون من اندثار مهنة أعانتهم لعقود

أمضى الرجل التسعيني الياس النجار اكثر من نصف قرن من عمره في استخراج الملح من مياه البحر على شاطئ مدينته في الشمال، لكنه وأقرانه الذين باتوا قلة، يخشون اليوم من اندثار مهنة لم يعرفوا سواها.

وبعدما كان استخراج الملح بالطرق التقليدية رائجاً على السواحل اللبنانية، بات يقتصر حالياً على شاطئ مدينة أنفه، ويخشى العاملون في هذا المجال ان تحرمهم السلطات من الملاحات القليلة المتبقية في انفه لتبني مشاريع استثمارية ضخمة على شواطئ البحر في بلد تكثر فيه التعديات على الاملاك البحرية.

وبنى الياس الملاحات بعدما استأجر الارض في العام 1952، ولم يبق الا القليل منها صالحا للعمل اثر تضررها على مر السنين من دون ان تسمح السلطات بترميمها. ويقول بأسى لوكالة فرانس برس "هذا فقط ما تبقى من الملاحات".

ويضيف "في الخمسينات، كنت انتج وحدي 300 طن من الملح ، اما اليوم فأنتج في احسن الاحوال 30 طناً".

ويشرف الياس الذي وضع قبعة تقيه حرارة الشمس، على قلة من العمال المتبقين معه، يجمعون الملح في أكياس بلاستيكية بيضاء قبل ان يغلقوها بإحكام عبر خياطتها ثم يضعونها جانباً.

"الفترة الذهبية"

وشهد هذا القطاع على مر العقود انتكاسات عدة بدأت بنقص اليد العاملة خلال الحرب الاهلية (1975-1990) وصولا الى إلغاء الرسوم الجمركية عن استيراد الملح من الخارج.

ويقول حافظ جريج (67 عاما) الذي يملك ملاحات خاصة على شاطئ أنفه، إن الملاحات في لبنان كانت تستخرج بين العامين 1955 و1975 حوالى "50 الف طن" سنويا، و"لم يكن لبنان بحاجة للاستيراد، حتى ان الدولة كانت تفرض ضريبة 200 في المئة على استيراد الملح". ويصف الخمسينات بـ"الفترة الذهبية".

لكن الامور تغيرت تماماً في العام 1975 مع اندلاع الحرب الاهلية التي استمرت 15 عاما وكانت احدى نتائجها موجات هجرة من لبنان الى دول العالم. ومن بين الفارين الكثير من اصحاب الملاحات والعاملين فيها.

وبمغادرة هؤلاء بدأ انتاج الملح بالتراجع تدريجياً مقابل ارتفاع الطلب، ما دفع السلطات في العام 1990 الى الغاء الرسوم الجمركية على الملح المستورد من الخارج. ولم يعد المنتجون المحليون قادرين على منافسة المنتجات المستوردة باسعار زهيدة.

في العام 1994، توقفت السلطات عن جمع الضرائب من منتجي الملح. وتوقفت البلديات بعد ذلك عن قبول طلبات الملاحين بالسماح لهم بصيانة الاحواض، ما ساهم في تهميش هذه الصناعة مع تضرر الأحواض تدريجياً. وبحسب جريج، باتت نصف الاحواض في أنفه منذ العام 1994 غير صالحة للاستعمال.

ويعرب عن اعتقاده بأن "الاراضي التي تقع عليها الملاحات ستُسلم للمتمولين".

لكن المتحدثة باسم بلدية أنفه كريستيان نقولا تنفي ذلك بشدة. وتقول "ليس هناك اي اثبات على ان السلطات تريد تسليم الشاطئ الى اصحاب المال". وتوضح "في العام 2010، توقفت الدولة عن استيفاء الرسوم الضريبية على الملاحات لانها اعتبرتها تعدياً على الاملاك البحرية العامة وبات الحصول على تراخيص لاصلاحها وترميمها صعباً".

"نحن الاساس"

وسط هذه الصعوبات، يكد منتجو الملح في أنفه حالياً لمواصلة عملهم. ويتطلب استخراج الملح جهداً كبيراً في فترة زمنية محدودة. إذ لا يمكن القيام بذلك الا خلال أشهر الصيف. وتتجمع المياه في البداية عبر مضخات تتلقى الطاقة من طواحين هوائية صغيرة في مربعات اسمنتية بعمق متر واحد. وتبقى المياه في المربعات التي تصل مساحتها الى 20 مترا مكعباً نحو 20 يوماً، بحسب قوة حرارة الشمس.

وتنقل المياه المركزة لاحقاً الى مربعات اقل عمقاً وتترك عشرة ايام لتتبخر نهائياً وتبقى كتل الملح الابيض تلمع تحت اشعة الشمس الحارقة.

ويعمل منتجو الملح على تصريف انتاجهم لتجار وافراد بقيمة تتراوح بين دولارين واربعة دولارات للكيلوغرام الواحد.

(أ.ف.ب)

Script executed in 0.18461894989014