أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

على هذه الأرض ما يستحق الحياة

الأربعاء 18 تشرين الأول , 2017 11:43 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 47,818 زائر

على هذه الأرض ما يستحق الحياة

جريمة زقاق البلاط التي هزّت لبنان، أمس، وراح ضحيتها 3 قتلى وعدد من الجرحى على يد مراهق أقدم على إطلاق النار على والده، ثم صُدمَ بمشهد الجريمة والدماء وبدأ بإطلاق النار عشوائياً على كل من صادفه في الحي!! لا ينفصل عن ما تردد أنه يعاني متلازمة نفسية بسبب إدمانه على لعبة الكترونية دفعته لمحاكاة عنفها.

أمس أيضاً، صدمت مدينة الميناء في الشمال بانتحار مراهقة رمت بنفسها من الطابق السابع منهية حياتها، تاركة رسالة مؤثرة تودع فيها العالم وتشتكي بلغة سوداوية ضيق الكون في عينها.. على رحابته.

المراهق القاتل والصبية المنتحرة ليسا أول اثنين في سلسلة القتل العشوائي وأو عبثية إنهاء الحياة.. ولن يكونا. قبلهم أسماء عديدة كتبت في السجل الأسود رقماً إضافياً ننتظر أن يكون الأخير لكن من دون جدوى. من يذكر ريم شاكر (18 عاماً) التي خطف رصاص الابتهاج روحها (12 أيلول)، روي حاموش الذي قتل على أيدي عصابة مستهترة في حزيران الماضي، وهناء حمود ضحية رصاص الابتهاج في آب الماضي، وكل من خليل القطان وطلال حميد ضحايا فنجان نسكافيه في نيسان الماضي، وسارة سليمان ضحية الخلاف على أفضلية المرور في أيار الماضي، وجورج الريف وقصته المؤثرة في تموز 2015، والشاب ايف نوفل في كانون الثاني 2015 وغيرهم؟!

إنهم ضحايا فوضى السلاح، وثقافة اليأس، ودوامة الإدمان على أنواعه. ضحايا الاستهتار والخفّة والعبثية والطيش والتفلت من كل الضوابط والقيم الأخلاقية والإنسانية، وكل ذلك يضعنا أمام ظاهرة تستحق التأمل والمبادرة للعلاج على أكثر من مستوى.

في لبنان لا تربية وطنية علمية ومنهجية وخلاقة في المناهج، ولا اهتمام رسمياً بالأمن الاجتماعي، وثمة تقصير من الجهات الدينية في تعزيز سلوكيات السكينة ومنطق التعايش بين الناس لانشغالها بأمور أخرى.. ولا مجتمع مدنياً يعمل لهذه الأهداف بمعزل عن معزوفات التغيير والجندرية وسواها.. المجتمع في أزمة حقيقية وينتظر من يبادر للملمة المشهد. التربية، رفقاء السوء، الإدمان على أنواعه، تفشي السلاح واستسهال اقتنائه واستخدامه، تساهل القضاء وطول فترات المحاكمات، التفلت الأمني، تفشي مجتمع رديف إلى جانب المجتمع اللبناني بعادات وسلوكيات مختلفة، ضغوطات الحياة المعاصرة ولامبالاة السلطات السياسية الحاكمة في لبنان بمسألة الأمن الاجتماعي.. كل ذلك يجعلنا أمام أزمة مكتملة العناصر والأسباب والتداعيات وتحتاج تأملاً دقيقاً ونقاشاً علمياً ونفسياً وصحياً وسياسات تطبيقية للحل، وكل ذلك يقتضي مسارعة من قبل الجهات المعنية من وزارات وأجهزة أمنية، ثم من القطاعات المدنية والدينية والخبراء، لبحث أسباب ما يجري، للوصول إلى خلاصات يجري تحويلها إلى برامج وسياسات عامة تعيد للمجتمع أمنه المفقود.

أمام الواقع الصعب، لا يجوز التنكر لهذه المسؤوليات بادّعاء الانشغال بأمور وقضايا أخرى مهما كانت، مع أن بلداً عجز عن حلّ أزمة نفاياته وازدحام شوارعه، وتكفي عشر دقائق من الأمطار لتحويل مدنه إلى معتقلات كبيرة.. لا يدعو للتفاؤل.

لا يخلو مجتمع من جرائم ومآسي وتجاوزات، لكن المجتمع اللبناني صاحب التجربة التاريخية الخاصة، عاش لسنين عديدة مستقر متفائل ومتماسك، رغم التعثرات الاقتصادية والأزمات الحياتية وضيق الأحوال، حتى في فترات الحرب، حافظ على تماسكه وتقاليده وقيمه الروحية، لكن اللافت أنه بعد مضي عقود على الانتهاء النظري للحرب تعود ظواهر مقلقة لتهدد أمنه الاجتماعي وتحتقر قيمة الإنسان فيه. أجمعت الأديان على اعتبار حق الحياة وصيانة الأنفس والعقول قيماً كبرى لا يجوز بأي حال المساس بها أو انتهاكها أو التقليل من شأنها في أي مجتمع يريد الاستمرار والبقاء. لأجل ذلك لا يمكن القبول بواقع أن من لم يمت برصاص طائش تكفّل يأسُهُ بدفعه لإنهاء حياته!! لأن – كما يقول الكبير محمود درويش – "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، وعلينا العمل لتكون حياة أفضل.

أحمد الزعبي - لبنان24

Script executed in 0.19636011123657