أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

هل حقاً للعبة GTA الدور الرئيس في جريمة زقاق البلاط؟

الجمعة 20 تشرين الأول , 2017 05:03 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 60,895 زائر

هل حقاً للعبة GTA الدور الرئيس في جريمة زقاق البلاط؟

المؤكّد في جريمة زقاق البلاط أنّ القاصر علي ي. (15 عاماً) أطلق النار على والده من بندقية صيد "أوتوماتيك" فأرداه، ومن ثمّ استكمل عملية القتل العشوائي. قتل الناطور وأصاب زوجته. صوّب سلاحه صوب رجل صودف في المكان وضغط على الزناد. خرقت رصاصات بندقيته ثلاثة شبان من الجيران كانوا على الشرفة.

المؤكّد أيضاً أنّ علي، القاتل الصغير القاصر، لم يُكمل تعليمه. وأنّه كان يعيش ضمن عائلة ذات دخل محدود. والحتميّ في هذا الموضوع، أنّ الفقراء ليسوا بالضرورة مجرمين، ولا سكان زقاق البلاط كذلك.

وبعد مرور أيّام على وقوع هذه الجريمة، بل المذبحة، لا تزال الحقيقة بجوانبها كاملة غائبة. لم يصدر أي بيان رسميّ بعد عن دوافع الجريمة، وتفاصيلها وحيثياتها، ولم يعرف الرأي العام حتى الساعة ما هي حال الفتى النفسية والعقلية.

المؤكّد ايضاً وايضاً أنّ تكهنات وفرضيات وتحليلات كثيرة صدرت فور وقوع الجريمة. قيل في الإعلام إن علي قتل والده نتيجة تعنيف الأخير لزوجته (أي والدة القاتل القاصر). وقيل كذلك انه يعاني مرضاً عقلياً ولم يكن بمقدور عائلته تطبيبه نظراً إلى ظروفها المادية الصعبة. وقيل، إن علي أدمن لعبة Grand Theft Auto – GTA المعروف أنها من فصيلة الألعاب العنيفة، فتماهى معها حدّ أن تلبّس شخصية "البطل" القاتل.

ولأن ليس من معطيات كاملة عن هذه الجريمة وعن القاصر علي الذي نفذ جريمة القتل الجماعية، يصعب، بل يستحيل بالتالي معرفة الدوافع والأسباب من منظور علم النفس. على هذا النحو، يُفضّل الطبيب والمعالج النفسي مرام الحكيم عدم التكلم في هذه القضية راهناً. لكنه انطلاقاً من شيوع فرضية تأثر القاتل باللعبة العنفية، يستطيع أن يتحدث في العموم عن هذه "النظرية"، ليخلص في حديث لموقع "لبنان24" أنها، وسواها من الألعاب العنفية أو الميديا التي يتخللها عنف، ليست السبب الرئيس في ارتكاب الجريمة!

وبخلاف ما يظنّ البعض أو ما يتبناه بعض علماء النفس والاختصاصيين، يشير د. الحكيم إلى أنّ "الألعاب العنفية تلعب دوراً ثانوياً في الجرائم، لكنها حتماً ليست الدافع أو المحرّك الأساسي". يتابع:" هذه الألعاب متوفّرة أمام الجميع وفي كلّ البلدان. وليس لأنّ عدداً من هواتها يرتكب جرائم يعني أنها السبب، بل على العكس تماماً، يتبيّن لنا أن توافرها في متناول الجميع وأغلبيتهم لا يرتكبون الجرائم، يُثبت عدم "توّرطها"، معقباً:"الناس بتحب تحط اللوم على الألعاب كي تتنصل من مسؤوليتها في التربية"!

ويلاحظ د. الحكيم أنّ "الجرائم تزداد في بلدان أو مناطق معيّنة تزخر بعوامل أكثر دفعاً نحو ارتكاب الجريمة، بما فيها العوامل المادية والبيئية والعائلية.."، مشيراً إلى أنّ "الميل الإجرامي يتوّلد من ظروف معيّنة وحالات محددة، على سبيل المثال تعرّض الطفل أو المراهق إلى عنف أو حرمان أو أسى، علماً أن ليس كل "تروما" (صدمة نفسية" توصل حكماً إلى الإجرام".

وعلى رغم تأكيده انعدام المسؤولية المباشرة للألعاب العنفية (أو الأفلام العنفية) في ارتكاب الجرائم، لا ينف د. الحكيم وجود تأثير ثانويّ لها على مستخدميها. فمن المعروف أنّه كلما تعرّض الشخص إلى مشاهد عنفيّة، كّلما خفّ منسوب تأثره بالعنف وبمشاهد الدماء. لكن أيضاً، الـ Desensitization أو "إزالة التحسس" لا تعني تحوّل الشخص حكماً مجرماً!

باختصار، فإن ما يدفع بالفرد إلى ارتكاب جريمة هو عامل مختلف، لكن قد تدخل الألعاب العنفية على الخطّ وتجعله أكثر تقبلاً للمشاهد الدموية، وبالتالي من الضروري النظر في الأسباب الحقيقة والرئيسية وعدم التذرع فقط بالألعاب والميديا، بحسب الطبيب.

وعن القتل الجماعي، أي الاستمرار في قتل أكثر من شخص، يلفت د. الحكيم إلى أنّ هذا مردّه عادة إلى الغضب الفائض الذي يكون متلبساً القاتل. " ما من قاعدة تقول إن الشخص حينما يقتل شخصاً واحداً فإنه سيتوقف فوراً عن القتل تحت وقع الصدمة. هذا الموضوع يعتمد على حالة "القاتل" وكمية الغضب في داخله. في أحيان كثيرة، يكون العامل العنفي موّجهاً ضدّ شخص معيّن هو برأي القاتل "المسيء"، ولكن في أحيان أخرى لا يستهدف القاتل شخصاً معيّناً فنراه يقتل عشوائياً كما يحدث مثلاً في أميركا عندما يدخل تلميذ إلى الصف ويقتل رفاقه، وهذا بطبيعة الحال تفريغٌ للغضب الفائض الناتج من تراكمات في الماضي أو الحاضر أو الاثنين معاً".

وبالعودة إلى الألعاب العنفية وحتى "الكرتون" الذي يشاهده الأطفال، فإن د. الحكيم يقرّ بأنه "ضدّ هذه الألعاب، أولاً لأنها مضيعة للوقت وخالية من الإفادة، وثانياً لأنها تسرق الطفل من أنشطة اجتماعية وترفيهية صحيّة في مراحل حياته، وثالثاً والأهم لكونها تصيب بالإدمان".

أما بالنسبة إلى "الكرتون"، وهو في أغلب الأحيان خال من العنف الفاقع، فبدوره قد يؤثر في طريقة تفكير الطفل، علماً أنّ الأطفال الصغار في السنّ قد يخلطون ما بين الواقع والخيال ويلجأون إلى تقليد "أبطال" الأفلام، وهنا يأتي دور الأهل في التوعية والتربية. أمّا من تخطى السابعة من العمر، فسوف يكون قادراً على التمييز بين الحقيقة والخيال، ولذلك لن يلجأ إلى التقليد.

في المحصلة، يلعب الأهل دائماً الدور الأساس في حيوات أبنائهم. المجتمع بدوره مؤثرٌ أساسيّ، فمثلاً ثقافة استخدام السلاح واستسهال اقتنائه، بل ربط الرجولة بالقدرة على إطلاق الرصاص، كلّها عوامل مساعدة في وقوع الجريمة.
المصدر: للكاتبة ربيكا سليمان/ لبنان 24

Script executed in 0.19750499725342