أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

في ضوء استمرار تمايز الأولويات بين نتنياهو وأوباما.. واقع الكيان الصهيوني اليوم

السبت 27 آذار , 2010 12:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,386 زائر

في ضوء استمرار تمايز الأولويات بين نتنياهو وأوباما.. واقع الكيان الصهيوني اليوم

محاولة اذلال السفير التركي من خلال حادثة الكرسي المنخفض معه، والتي رتبت عن سابق تصور وتصميم، الاعلان عن خطة بناء 1600 وحدة سكنية في القدس إبان زيارة نائب الرئيس الاميركي للكيان الاسرائيلي، والتي أجمع على اعتبارها صفعة كبيرة في وجه واشنطن، ما ظهّر بقوة الى السطح التوتر القائم في العلاقة بين نتنياهو وأوباما منذ مدة، ومن ثم اصرار حكومة نتنياهو على انتهاك حرمة المسجد الأقصى، وتهويد القدس، وصولاً الى ضم بعض المقدسات الاسلامية الى التراث اليهودي.

هذا السلوك السياسي ـ العصياني لحكومة نتنياهو يجد تفسيره في جملة عوامل أساسية، أبرزها:

أولاً: طبيعة الائتلاف اليميني المتشدد الذي يحكم توازنات هذه الحكومة، والتي يجعل من الصعب على نتنياهو ـ مع فرض أنه لا يرغب بكل ما يجري ـ التفلت من هذه الطبيعة، لأنها ستكون على حساب استمرار الحكومة نفسها، ما سيدخل الكيان الاسرائيلي في أزمة سياسية لا نرى مخرجاً لها إلا من خلال اعادة النظر في التحالفات التي تحكم التركيبة الحكومية الجديدة، أو الذهاب الى انتخابات مبكرة، وهذا ما لا يبدو حاضراً في حسابات نتنياهو حتى الآن الذي يشكل الحليف البديل المحتمل له ـ أي حزب كاديما ـ هدفاً للاستحواذ، لا هدفاً للتحالف، وطالما لعب الكيان الاسرائيلي ورقة الحكومة في وجه واشنطن للهروب من الاستحقاقات المطلوبة منه، وللمضي قدماً في سياسات التوسع، والتهويد، وإحياء النسخة الأصلية للمشروع الصهيوني في فلسطين ومحيطها.

ثانياً: يرى نتنياهو أن الكيان الاسرائيلي أمام فرصة أكيدة لإعادة تعويم المشروع الصهيوني بنسخته الأصلية القائمة على التوسع والتهويد، هذه الفرصة تتمثل بالوضع الدولي السائد، والواقع الحالي للإدارة الاميركية والولايات المتحدة عموماً، والواقع الرسمي العربي، والواقع الفلسطيني الخ.. وبالتالي، فإن في آخر حسابات نتنياهو حسم مسألة الصراع العربي الاسرائيلي عموماً، والفلسطيني ـ الاسرائيلي تحديداً.

وليس تسريع عملية الاستيطان وتكثيفها لا سيما في القدس الشرقية والضفة الغربية الا تعبيراً عن واقع هذه القناعات، ومحاولة لاستغلال الفرص، لفرض حقائق نهائية، ترسم على الأرض، التسوية المقبولة صهيونياً للمشكلة الفلسطينية، والتي تتراوح بين حكم ما دون ذاتي على أرض مقطعة، ونظام فصل عنصري.

ثالثاً: يدرك الكيان الاسرائيلي أن الواقع الجيوبوليتيكي، والجيواستراتيجي يتغير من حوله بقوة، وليس لمصلحة أطماعه التوسعية، وطبيعته العدوانية، وهو بالتالي يجد نفسه محاصراً اليوم بجملة تحديات استراتيجية أبرزها.

ـ تحدي الخطر الديموغرافي الفلسطيني.
ـ تضعضع علاقاته مع تركيا.
ـ تغيير الواقع الاقليمي من حوله لجهة التعايش مع حركات مقاومة قوية في لبنان، وفلسطين، ومع دول مواجهة ومساندة متنامية القدرات كسوريا وايران لا سيما بصفتها دولة نووية.

الأمر الذي يفرض حدوداً صارمة للقوة الاسرائيلية لا تحتملها طبيعة الكيان العدوانية والتوسعية ، ولا طبيعة المشروع الصهيوني نفسه، ما يضعها في تناقض ممزق بين طاقة مفرطة، وعدم قدرة على تصريفها سياسياً ومشاريعياً، ما قد يحوّل هذه الطاقة الى عناصر تفجر داخلية ما لم تصرف من خلال حروب خارجية، فالكيان الاسرائيلي لا يحتمل تحوله الى دولة عادية في المنطقة، وهذا أحد أسباب هروبة المستمر من أية تسوية حتى لو كانت تميل الى مصلحته بالكامل.

رابعاً: التمايز العميق في أولويات المصالح بين الكيان الاسرائيلي والولايات المتحدة: فالولايات المتحدة في ظل ادارة أوباما تنظر الى تسوية الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي كمصلحة قومية اميركية لاعتبارات كثيرة ابرزها:

أ ـ الحاجة الاستراتيجية لتعويم خيار التسوية في المنطقة وتحويله الى كابح سياسي في وجه خيار المقاومة الذي يشكل في نظر الولايات المتحدة الرافعة الأساسية لحالات النهوض والتهديد للوجود العسكري الاميركي، وللمصالح الاميركية في المنطقة، كما أنه يشكل أحد عوامل تقويض المشروعية السياسية لحلفائها من الأنظمة في المنطقة، فاذا ما انهارت التسوية نهائياً، وهي أصلاً في حالة كوما سياسية وبحكم الميتة سريرياً منذ مدة، ستصبح الولايات المتحدة وحلفاؤها في العراء السياسي أمام شعوب المنطقة، يتم أن الولايات المتحدة تحتاج الى التسوية لتحسين صورتها المتآكلة في المنطقة عموماً.

ب ـ أن ايجاد حل أو تسوية للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي سيؤدي في نظر الولايات المتحدة الى حرمان حركات المقاومة، ودول المواجهة (ايران وسوريا) من أهم نقاط ارتكاز أدوارها ونفوذها وتأثيره، وبالتالي سيقلب المعطيات الاستراتيجية لغير مصلحة هؤلاء، وسيؤدي الى تزويد محور التسوية بطاقة زخم هجومية في وجه محور المقاومة والممانعة.

ج ـ ان الترابط الاستراتيجي بين ملفات المنطقة يؤكد ضرورة حل الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي للانعكاسات الايجابية التي سيحملها الى باقي الملفات.

د ـ ان حل الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي هو لمصلحة الكيان الاسرائيلي نفسه نظراً لتغير المعطيات الاستراتيجية من حول الكيان الاسرائيلي نفسه، وللاعتبار الخاص بالقنبلة الديموغرافية الفلسطينية، لأن الاستيطان لن يفضي إلا الى وجهة واحدة بالنسبة لهذا الكيان، وهو يحوله الى نظام فصل عنصري وحيد في العالم، وهذا لم يعد مقبولاً للاعتبارات الآنفة ولغيرها.

خامساً: تراجع صورة الكيان الاسرائيلي كقوة ردعية لا سيما في ظل خيبة عدوانه على لبنان عام 2006، وعلى غزة في أواخر 2008 ـ 2009.

سادساً: اهتزاز صورته "الأخلاقية" حتى في الغرب نفسه بدءاً من تقرير غولدستون، ومروراً باغتيال المبحوح في دبي، وليس انتهاء بسلوكه ازاء واشنطن نفسها.
كل هذه العوامل تجعل الحسابات الاسرائيلية مضطربة بفعل تعقيدات حسابات المصالح فيها، فإن أخذ أحدها بالاعتبار دون الأخرى، سيؤدي الى انعكاسات سلبية، في المدى القصير والبعيد معاً.

من هنا، يبدو الكيان الاسرائيلي في ظل حكومة نتنياهو كقنبلة موقوتة يصعب التحكم بها الى وقت طويل، وهي قابلة للانفجار داخلياً، كما قابلة للانفجار خارجياً، وهذا ما يقتضي التنبه الشديد له. 

Script executed in 0.19114279747009