أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

هل مَن يعيد إلى وزارة الخارجيّة هيبتها؟

الإثنين 29 آذار , 2010 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,853 زائر

هل مَن يعيد إلى وزارة الخارجيّة هيبتها؟

كان لبنان قبل الحرب الأهلية ملتزماً إلى حد كبير بالاتفاقية، حيث لم يتجاوز ممثلوه في الخارج حدود الدبلوماسية المطلوبة منهم، وحافظوا على التوازن في التمثيل نظراً إلى تعقيدات الواقع الطائفي الداخلي، فاقتصرت المخالفات على مراحل معينة لمدد قصيرة. خلال تلك السنوات لم يسمع الجمهور عن نشاطات السفراء الأجانب المعتمدين في لبنان.

أصبح السياسيون اللبنانيون المسؤولين الأوائل عن إفساد الجسم الدبلوماسي المعتمد في لبنان، وعن الاستخفاف بالسفراء اللبنانيين المعتمدين في الخارج. لم يتوان رئيس حكومة عن تجاهل وزير الخارجية، بل أيضاً قام مقامه.

بدورهم، استهان بعض وزراء الخارجية بسفرائهم. كيف لا، والسفراء كما القضاة ورؤساء الأجهزة الأمنية مضطرون إلى الوقوف على أبواب الزعامات لترقيةٍ أو تعيينٍ في بلد ما، فأصبح معظمهم موالين لزعماء طوائفهم يمثلونهم وخطهم السياسي أكثر مما يمثلون دولتهم. تفاقم الوضع بعد 1996، وبالتحديد بعد مجزرة قانا وتفاهم نيسان. تعاطت أجهزة الدولة كاملة مع سفراء الدول الأجنبية المعتمدين في لبنان من دون إخطار السفراء اللبنانيين في الخارج الموجودين في تلك الدول بحيثيات الأمور.

أصبحت شكاوى السفراء اللبنانيين عادية عند اعتراضهم على عدم معرفتهم بوجهة النظر اللبنانية في قضية ما لها علاقة بالدول الأجنبية الموجودين فيها، إلا من خلال الصحف أو من طريق سفراء هذه الدول الذين يتصلون بهم للتنسيق معهم. هذه الممارسة جعلت إدارات الدول الأجنبية تهمل مراعاة الأصول الدبلوماسية لتصل مواقفها مباشرة إلى الدولة اللبنانية عبر سفرائها المقيمين في لبنان، متخطية السفراء اللبنانيين المعتمدين لديها. في الوقت نفسه، استمرت الإدارة اللبنانية في تهميش دبلوماسييها والتواصل مع الدول الأجنبية عبر سفرائها أيضاً. بكلام آخر، أصبح السفير اللبناني فاقد احترام التعامل من دولته ومن الدولة الأجنبية المعتمد لديها.

أما بعض السفراء الأجانب الذين أصبحوا ملائكة السماء على الأرض والرسل القديسين، فشعروا بنشوة التمثيل في لبنان بما لم يشعروا به في أي بلد آخر، لأن لبنان أفسدهم بالتبجيل والتبخير. أصبحت بعض نشاطات السفراء الأجانب اليومية أخباراً عادية على وسائل الإعلام، روتيناً على المواطنين يجب الاستمتاع بسماعها بعد فراغهم من الاستماع إلى استقبالات الرؤساء الثلاثة والمراجع الروحية. بعض السفراء الأجانب لهم زيارات يومية للوزارات المختلفة والمرجعيات السياسية أكثر من الوزراء أنفسهم، يحصلون على مواعيد في أقل من 24 ساعة، ولو من مواقع الرئاسات الثلاث. وإذا ما اعترض أحد على هذا السفير أو ذاك، يُردّ عليه بعدم انتقاده لسفير من دولة أخرى حليفة لـ«الخط السياسي الآخر».

هذا الواقع المزري للدبلوماسية اللبنانية في الداخل والخارج ما هو إلا نتيجة الواقع المهترئ لكل الإدارة اللبنانية. والسبب هو أن ما من وزير خارجية يجرؤ على استدعاء السفراء الأجانب وتحذيرهم من تخطي الأصول الدبلوماسية، لأن بعض دول هؤلاء السفراء هي المرجعية للمرجعيات السياسية التي لا يجرؤ أيضاً وزير الخارجية على الكتابة إليها وتنبيهها إلى أن أي نشاط دبلوماسي لسفير أجنبي ـــــ بما فيها المواعيد ـــــ يجب أن يمر من طريق وزارة الخارجية. ما من وزير خارجية يجرؤ لخوفه من ردّة فعل توحّد كل المرجعيات السياسية ضده، هازئة منه لكونه يريد أن «يعلّمها مع مَن ستتعاطى وكيفية أصول التعاطي». وبماذا في نظر الطبقة السياسية سيختلف وزير الخارجية عن كل مَن هم عرابوهم وأسياد نعمتهم؟

هذه هي حال الخارجية اللبنانية منذ سنوات، حتى يبدو قصرها كئيباً كالمهجور، فهو عبارة عن بعض الغرف وبهو كبير فيه صدى عالٍ خالٍ من الدينامية.

هل مَن يذكر الحضور الدبلوماسي للبنان في مجلس الأمن خلال حرب تموز، وكيف كان مخزياً في وقت يتعرض فيه لبنان لأبشع الحروب الإسرائيلية، وقد وقف المندوب الإسرائيلي يخطب ببلاغة وزراء الخارجية العرب مجتمعين، لأنه في داخله كان يعرف أن بعضهم ينتظر فوز إسرائيل في تلك الحرب؟

هذا نموذج عن الإدارة اللبنانية التي لم تصل إلى معايير للتعيينات. تصدر الصحف بأخبار عن نقل 1500 سجل قيد لانتخابات «المخاتير». هل من بلد يدّعي الاغتراب العالمي ما زال يعتمد «المختار»، أو الطوابع الأميرية لتحصيل الرسوم ويضطر المواطن إلى الحصول على أربعة عشر توقيعاً لمعاملة بسيطة، فيما تجري أكثر المعاملات في العالم عبر الإنترنت؟ «إخراج قيد»، «سجل عدلي»، «شهادة من المختار» (...)...

ما هي إلا نماذج مشابهة للتمثيل الدبلوماسي في الخارج. هذه دلالات «لبنان أولاً» وحب الحياة. مَن قال إن لبنان غير حضاري؟ إنّه مهد الحضارات!

Script executed in 0.19337391853333