أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

بعد مأساة الطائرة... مأساة الأهالي

الثلاثاء 30 آذار , 2010 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,758 زائر

بعد مأساة الطائرة... مأساة الأهالي

منذ اجتماعهم مع كل «الدولة» في السرايا الكبيرة في 2 آذار الجاري، وهم يحاولون عبثاً الاتصال بمسؤول.

يجهدون ـــــ من دون جدوى ـــــ للمتابعة مع ركن من أركان تلك الدولة الحاضرة يومها. حتى حين ينجحون، يسمعون كلاماً «تيئيسيّاً». كما يجمعون: «ما بالكم أنتم؟... ألا تدركون في أي بلد نعيش وتعيشون؟... كل الملفات عندنا تذهب إلى الحفظ...». كليشيهات كثيرة سمعها الأهالي من كل المفترضين مسؤولين عن إعطائهم حقهم، والحقيقة.

على مدى نحو ثلاثة أسابيع، وزّعوا جهودهم في أكثر من مجال: حكومياً، بحثاً عن الرواية الكاملة لما حصل في ذلك اليوم المشؤوم، في 25 كانون الثاني، بعيد منتصف الليل. وقانونياً، بين مكاتب المحاماة الدولية الطافرة حولهم مثل الفطر، وبين الجهات الدولية المعنية بالمأساة.

في الملف الأول، حملوا إلى كل مَن التقاهم سؤالاً واحداً: ماذا حصل؟ من دون جواب. واللاجواب ولّد لديهم أسئلة كثيرة: لماذا لم نطّلع بعد على التقرير الأوّلي الذي وضعته مديرية الطيران المدني عن أسباب سقوط الطائرة، والذي تليت أجزاء منه في اجتماع لجنة الأشغال النيابية؟ لماذا تأخّرتم في العثور على جسم الطائرة؟ لماذا منعتم أصحاب المبادرة الفردية من الغطاسين من المساعدة؟ لماذا أعطيتم المكافآت لبعض الموظفين في مطار بيروت قبل أن تنجلي الحقائق؟

يروون بحسرة كيف أن مسؤولاً كبيراً اتصل بهم ذات يوم، سائلاً عن مطالبهم. قالوا له إن أيّاً من العائلات لم تدفن فقيدها براحة وكرامة. دعونا نكمل البحث على أبعد من نطاق الـ350 متراً من حول جسم الطائرة. تجاوب المسؤول فوراً مع الطلب، قبل أن يبلغهم أنه سيعاود الاتصال بهم لإعطائهم التفاصيل العملانية... ولم يأتِ الاتصال الثاني مذذاك.

مسؤول آخر في الحكومة أصرّوا عليه لمحاولة معرفة أسباب الارتباك القائم حيال القضية، بعد تردّد وحيرة، صارحهم على «مسؤوليته» بأن ثمّة جهة حكومية حاولت ولا تزال «احتكار الإنجازات الممكنة من الحادث». مسؤول حكومي آخر، كلّف وضع تقرير عن الأهالي أنجزته إدارته بسرعة قياسية، قبل أن يكتشف بعض ذوي الضحايا، أن أيّاً من المعنيين بإعداد التقرير لم يتصل بهم...

في الشق القانوني، لا تبدو أوضاع المنكوبين أفضل حالاً. بعض مكاتب المحاماة الدولية، ممّن يوصفون بمطاردي سيارات الإسعاف، أسرعوا إلى بيروت، يتناتشون تكليفاً قانونياً، ولو من عائلة ضحية واحدة، لتبدأ بعدها المعلومات المضخّمة والمضلّلة. أحدهم أعلن رفعه دعوى على شركة «بوينغ» في الولايات المتحدة، فيما المؤكد أن لا إمكانية لفتح أي نزاع قضائي قبل صدور التقرير النهائي عن الجهة الدولية التي كلّفتها الحكومة اللبنانية وضعه، ليتبيّن لاحقاً أن كل ما فعله المكتب المذكور هو إرسال طلب معلومات إلى الشركة المصنّعة للطائرة، عن مواصفاتها... مكتب آخر رمى أمام المعنيين رقماً من مليار دولار، مجموع محتمل لكامل التعويضات... الإثيوبيون كانوا دوماً على الخط. تفاوضوا مع بعض وكلاء الأهالي على دفع 20 ألف دولار بداية عن كل ضحية. وافق الوكلاء، شرط اعتبارها دفعة من خارج أي تعويض، تحت عنوان مصاريف فورية لما تكبّدته العائلات أثناء الحادث. تعثّرت المفاوضات، ثم قيل إن اتفاقاً تمّ، غير أن أي مبلغ لم يُدفع بعد...

السلطات اللبنانية دخلت على الخط أيضاً. أحد الوزراء سمع بالعرض الإثيوبي، فسارع إلى إبلاغ لجنة الأهالي أن «الشيخ سعد الحريري قرّر رصد مبلغ للتعويض على العائلات اللبنانية، يبلغ أضعاف أضعاف ما سيدفعه الإثيوبيون»...

قبل التنفيذ، دخل مرجع كبير آخر على خط الوعود، فأطلق موقفاً يجزم فيه بأن الدولة اللبنانية ستدفع لكل ركاب الطائرة، مهما كانت جنسياتهم. عندها سقط المبلغ الحريري المرصود من «الأضعاف» الموعودة إلى 40 مليون ليرة لكل ضحية، ولم يُصرف قرش بعد...

في هذا الوقت، وفي مجلس الوزراء، سأل أحد الوزراء المتابعين عن الرقم الذي دفعه لبنان، عبر الهيئة العليا للإغاثة، كلفة البواخر التي استُقدمت بلا جدوى، فيما عناصر الجيش الذين أنجزوا المهمة لا يزالون يعانون من الآثار الصحية والنفسية لما قاموا به. لم يسمع الوزير جواباً، لكنه وعد بالتكرار... حتى الجواب.

Script executed in 0.20888113975525