أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

سوريا بعد الانتخابات العراقيّة: جاء دور لبنان

الخميس 01 نيسان , 2010 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,456 زائر

سوريا بعد الانتخابات العراقيّة: جاء دور لبنان

كانوا يتحدثون عن ملامح أوّلية لأفكار سوريّة تبدأ بتطور سياسي لبناني مفاجئ (ليس اتهام مسؤولين لبنانيين بالعمالة لإسرائيل بعيداً عنه)، وتنتهي بتغيير حكومي يتمثّل في استبدال وزيرَيْ القوات اللبنانية بآخرين للمعارضة السابقة.

لاحقاً، وتزامناً مع التوافق السوري ـــــ السعودي بشأن الانتخابات العراقيّة، تعدّل سيناريو زوّار الشام قليلاً، وباتوا يتحدّثون عن نيّة سوريّة جديّة بضبط إيقاع علاقاتها مع المسؤولين اللبنانيين، الرسميون منهم والأمنيون وغير الرسميين.

التوقّعات التي كانت تبعث على الضحك، سرعان ما تبيّنت صحّتها. فقد بدأت الرسائل السورية الواضحة تصل واحدة تلو الأخرى إلى الرئيسين ميشال سليمان وسعد الحريري ووليد جنبلاط.

خاطبت دمشق الحريري عبر القنوات المعتمدة، السعودية خصوصاً. فبدأ الحريري، الذي فهم جدّية الموقف السوري ـــــ السعودي، باتخاذ خطوات عملية، حكومية وسياسية وإعلامية وحزبية، أولى من نوعها، لتحسين علاقته مع النظام السوري، وذلك بمعزل عن زيارته إلى دمشق. وفي الوقت نفسه، أعاد اللواء رستم غزالي وصل ما انقطع بينه وبين المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي من جهة، وبينه وبين رئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن من جهة أخرى، بما يمثّله هذين الرجلين ضمن تركيبة سعد الحريري. وهنا يمكن التأكيد أن العلاقة السورية ـــــ الحريرية تطوّرت خلال الأسبوع الأخير من عمر حكومة الحريري أكثر مما حصل خلال تسعين يوماً من عمر هذه الحكومة.

أما الرئيس ميشال سليمان، الذي لم يرغب منذ تولّيه الرئاسة في فتح خط عسكري لعلاقته السياسية مع القيادة السورية، فقد أصابته الرسائل الواضحة التي حملها الوزير السابق وئام وهّاب في إطلالاته الإعلامية المكثّفة.

وسرعان ما فهم سليمان، وخصوصاً بعد زيارة السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي إلى قصر بعبدا، جدّية الكلام «الوهّابي»، حتى ولو كان بعض «أهل البيت» بالنسبة إلى وهّاب، قد غسلوا أياديهم بسرعة من كلامه، علماً بأن وهّاب حرص منذ البداية على «إصابة عصفورين بحجر واحد»، فأفهم أيضاً الأمنيين الدائرين في فلك الرئيس اشمئزاز أصدقائهم السابقين من حيادهم المفاجئ ومن تجاوزهم حدود الاستقلالية المتعارف عليها. وهنا يسهل الاكتشاف أن سليمان قال في سوريا والمقاومة في الأيام القليلة الماضية ما لم يقله منذ انسحاب الجيش السوري واستخباراته من لبنان.

وهكذا، يقول مصدر سوري، تجاوزت سوريا الحاجة إلى تغيير حكومي عبر إمساكها جدّياً بمفاتيح كان يفترض أنها تمسك بها منذ فترة، لكنها فوجئت بأن الطرف الآخر في العلاقة الندية المفترضة يفهم الاحترام ضعفاً والعمل المؤسساتي هروباً إلى الأمام.

وبعد تمتين العلاقات الرسمية بين الدولتين وقطع الطريق على التردد السليماني ـــــ الحريري بشأن العلاقة مع سوريا، بغضّ النظر عن موقف الرئيسين من بعض القضايا الداخلية، جاء دور العلاقة السورية ـــــ الجنبلاطية، فوصلت رسالة واضحة إلى زعيم المختارة أن علاقته مع الشام تمرّ بحارة حريك حصراً. وبالتالي، لا يستطيع أن يلعب لعبة تيار المستقبل الذي يفرغ كبته نتيجة الهدنة مع نظام الأسد عبر زكزكة حزب الله. وهكذا اكتشف جنبلاط أن جواز المرور إلى دمشق يحتاج إلى توقيع سكرتاريا خلدة والجاهلية، لكنّ الختم النهائي يملكه حزب الله الذي تحكم علاقته بجنبلاط جغرافيا أمنية تبدأ في الشوف وتذهب أبعد من حاصبيا. وعلى هذا المستوى، لا يمكن جنبلاط أن يستمرّ بالتأرجح، تارةً يريد المقاومة وأخرى يتعبه سلاحها.

لم يتوقّف المايسترو السوري هنا. إذ حلّ فجأة الوئام على العلاقة بين الرئيس عمر كرامي والوزير السابق عبد الرحيم مراد اللذين التقيا متجاوزين الخصام والحساسيات، ليضعا مسوّدة أوليّة تؤسس للقاء يحظى هذه المرّة بدعم سوري واضح. وبسرعة قياسية، عاد الرئيس كرامي إلى الضوء.

وها هو منزله في الرملة البيضاء، أول من أمس، يحتضن الرئيس نبيه بري ومعظم أفراد عائلته، والوزيرين بطرس حرب ومحمد خليفة، علماً بأن ما يحصل في الشمال، سواء بين الرئيس نجيب ميقاتي والنائب سمير الجسر، أو بين الرئيسين كرامي وميقاتي، لا يمكن فصله، بحسب المصادر اللبنانية ـــــ السورية، عن هذا المشهد العام.

وتزامناً مع ذلك، بادر رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية إلى ترميم ما اعترى علاقته بالعماد ميشال عون من شوائب في الفترة الأخيرة، وظهرت للمرّة الأولى بوادر انسجام بين الثلاثي عون، فرنجية والرئيس إميل لحود.

في النتيجة، تعيد سوريا ترتيب أوضاعها، محدّدة بوضوح مَن معها ومَن ضدها، دون إعطاء أي هامش للمناورة. في الصورة اللبنانية، كما ينقل زوار دمشق، ليس هناك نقطة سوداء إلا في معراب. فمهما كان الحديث، يستصعب السوريون سماع كلمة جعجع. وتكاد هذه الكنية تكون عبرية في معجمهم.

لكن لماذا استفاقت سوريا الآن على إعادة ترتيب علاقاتها باللبنانيين؟ بعض زوار دمشق يربط الأمر باحتمالات نشوب حرب إسرائيلية، والبعض الآخر يعدّها فاتورة سورية مستحقة لدى السعوديين بعد الانتخابات العراقية، والبعض الثالث يقول إنها المحكمة الدولية وضرورة تحصين الساحة اللبنانية بوجه ما قد يصدر عنها. مهما تكن الأسباب، تبدو سوريا اليوم أكثر ارتياحاً على الصعيد اللبناني من أي وقت مضى.

Script executed in 0.17235898971558