أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

وليد جنبلاط: النموذج الأكثر دلالاً في السياسة اللبنانية

الخميس 01 نيسان , 2010 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,300 زائر

وليد جنبلاط: النموذج الأكثر دلالاً في السياسة اللبنانية

بديهي ألا شيء مذهلاً في سياسة لا أبواب لها لتُغلق إلى الأبد في وجه خصم. غير أن جنبلاط أثبت أنه وحده الأقدر، بين الساسة اللبنانيين، على صناعة الصخب.

مذ وُضعت العباءة على كتفيه، قبل 33 عاما، وهو يخوض عمره السياسي كأنما يخوض في تيارات من أقدار تتداخل وتتلاطم، ويرتمي فيها، ملفوفاً بتوّقع الناظرين إليه بغرقه المحتوم، وثقتهم، في الآن نفسه، بأن هذا السباح أكثر مهارة من أن يغرق.

على هذين الوترين يمشي: وتر يقول إن جنبلاط «السياسي المحنك المتبصر يعرف تماماً كل خطوة يخطوها»، وآخر يقول إنه يمارس سياسة تشبه هوايته الأولى، حيث متعة ركوب الدراجة النارية تزداد كلما ازداد الخطر. والوتران مشدودان إلى الأقصى، ومع ذلك لا ينقطعان. ففي الغالب، لا أحد يعرف ما الذي يريده وليد جنبلاط.

حقاً.. ما الذي يريده وليد جنبلاط؟ يظل الرجل في أكثر لحظاته وضوحاً، غامضاً وملتبساً، غالباً ما يلحق كلامه تحليل يشير كبر حجمه وشدة تنوعه إلى المبالغة فيه، وعدم إحاطة أصحابه تماماً بالكلام الأصلي. هذا ما عاشه لبنان، وسوريا معه، مذ قرر الزعيم الاول لقوى 14 آذار أن لا عودة عن قرار العودة إلى دمشق. فإذا طولب بالتفسير، زاد الطين بللاً، وإذا طولب بالتبرير، يمكنه، بشجاعة أنه في ختـــام الأمر، سياسي، بأن يشهر خطأه أو يحمّله محمل انفعال ساقته لحــظة تخلٍ إليه. وهو، إذ يقلب خطاباً كاملاً بناه على مدى سنوات، إلى نقيضه التام، لا يلوذ إلا بالصورة التي رسمها الناس له، فخضعوا لكل مسوغاتها: هذا هو وليد جنبلاط.

على أن الاقتناع بأن «هذا هو وليد جنبلاط»، لا يحد أو يخفف من درجة الانجذاب إلى من بــات عتيقاً في السياسة ولم يتحول إلى «تقليدي» بالمعـــنى اللبناني للكلمة. «ساحر الحياة السياسية اللبنانية وفاتنها» على ما وصفه الكاتب حازم صاغية، يوحي دائماً بأنه يطبق، بالحرف، تعبير «يقول كلمته ويمشي». يرمي مواقفه كلمات صاعقة، من دون أن يحــــدد مسبقاً إلى أين ستؤدي. كأنّ السياسة ضرب من ضروب التجريب. يمشي تحت سقف أنه من عــائلة لا يــــموت أفرادها في سرير النوم، وهو سقف استشهادي، وعلى أرض صلبة من اعتنـــاق واقعية سياسية تذهب عميقاً في الحكمة فتبرر ما لا يبرر. فإذا اجتمع مجدان كهذين في رجل واحد، كان كل ما يفعله مستهجناً ومقبولاً.

هو اسم لا تلحقه عتمة، لأنه مزيج كل التناقضات. نادر السياسي الذي يمكنه أن يقنع بأن فيه جزءاً من كل هذه الصفات: اشتراكي وطائفي. أمير حرب ورجل دولة. ديكتاتور وديموقراطي. اقطاعي محافظ ويساري إلى حد الليبرالية. علماني ومذهبي. قائد جماعة وحاميها ومثقف فرد محبط هارب من كل (وأي) جماعة. واضح وغامض. متطرف في جرأته وقلقٌ حذرٌ. ساقه لا تتوقف عن الاهتزاز وهو يقيس الحروف في كلامه ولا تتوقف يداه وعيناه عن الحركة. غارق في وحل السياسة، و«أرستقراطي» مترفع عنها، يكاد يقف على هامشها بانتظار لحظة مغادرتها ليتفرغ لحياة عادية لمواطن أوروبي يقرأ ويهتم بحديقة البيت ويستمتع بأخذ الكلاب في نزهة يومية.

شعبوي ونخبوي. عروبي «عصري» وعــروبي بخطاب اصطلح على تسميته بالخشبي. عاشق لنيويورك وعاشــــق للشام. وهو، إذ يغلب جزءاً على جزء، فلضرورة المقام الذي يتـــراوح ما بين اللحظوي والاستراتيجي، وهذه مروحة تتسع حتى تشمل كل شيء، ولا تتسع إلا لوليد جنبلاط.

ليس في الأمر تلوّن، بل اعتداد بالنفس من الذي لم تدلل السياسة اللبنانية غيره، بقدر ما دللته. غير أن أحداً لا يفضل خسارة وليد جنبلاط، حتى ولو جاء وحده. وحتى مع الاحتمال القائم بأن الثابت الوحيد عند وليد جنبلاط هو إمكان تحوّله لاحقاً. إن الضوء في صورة لخندق يضم وليد جنبلاط سيكون أكثر سطوعاً من صورة الخندق الآخر.

قدره، وصنعته، أن يكون جاذباً للضوء. فإذا حل صديقاً (أو حليفاً) من جديد على طرف لبناني، تنفس هذا الطرف الصعداء. وفي المقابل، فإن ذهابه إلى دمشق وقع موقع كتم النفس غيظاً عند الطرف اللبناني المقابل. هذا الذي كاد، لولا الحياء، يطرح نصائحه على السوريين في الأسباب المانعة لمثل هذه الزيارة التي لن تكون، في مشهدها، أقل «تاريخية» من زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري.

وعلى الرغم من أن لا مفاجأة فيها، ألا أنها تركت إحباطاً لا لبس عليه، على من أولاهم وليد جنبلاط ظهره بلا أي اكتراث، ومشى بعدما قال كلمته، مسدلاً الستار على مشهد أخير لثورة لا يمكن أن تنتهي على ما انتهت عليه إلا إذا كان وليد جنبلاط نجمها، وأول المتنكرين لدور البطولة فيها.

Script executed in 0.213782787323