أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الطريق إلى اليسار.. ممنوع المرور

الخميس 01 نيسان , 2010 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,214 زائر

الطريق إلى اليسار.. ممنوع المرور

تعرضت مقالتي «أحزاب للإيجار» لتقييم مزدوج.. من خرجوا من وعلى أحزابهم، اتصلوا مرحبين، ومن لم يخرج بعد، فقد اتصل معاتباً وناقداً و... وفي الحالتين، لم تصل المقالة إلى هدفها. لذا، أعيد طرح المسألة، من زاوية مختلفة كلياً. من خلال مساءلة الذات والآخر: أحزاب اليسار والأحزاب العلمانية والتقدمية والأحزاب القومية، هل قطعت علاقاتها مع أحزاب الطوائف والتيارات الطوائفية والمرجعيات الطائفية الدينية والزمنية، أم لا تزال تنسج علاقات سياسية معها، بتبريرات متباينة؟

المقالة، «أحزاب للإيجار»، نظرت إلى تاريخ هذه الأحزاب، فوجدته مذيّلا بالطائفية، أكان في أزمنة الحروب الداخلية، أم في أزمنة السلم الطائفي. وبسبب هذا التذيل، نظّرت للطائفة الطبقية، والطائفة الوطنية، والطائفة القومية، والطائفة التقدمية. وطائفة الحرمان والغلبة، و... أسست لنضالاتها الجدية، بدءا من هذه القاعدة، وباءت نضالاتها بالفشل.

خرجت هذه الأحزاب، من المعارك التي خاضتها، بخسائر مدوية، لكن الطوائفيات لم تخسر شيئاً. خسر الشيوعيون وتيارات اليسار، خسر القوميون (ربحوا موقعاً بحكم التبعية، لا بحكم البرنامج السياسي، بدليل أنهم قدموا مشروعاً لقانون انتخابي لاطائفي، وصوّتوا ضده في المجلس النيابي)، وخسر التقدميون وتبددوا. وللأسف الشديد وجدوا مأوى لهم، في بطانة اليمين الطائفي، أو في بطانة اليمين الرأسمالي، وفي كل الأحوال، وجدوا مكان إقامة جديدا، في الملاجئ الطائفية المنتشرة.

عودة إلى السؤال: هل قطعت هذه الأحزاب علاقاتها السياسية بالطوائفيات المرعية الإجراء والاستبداد، أم ما زالت تجد المبررات لانضمامها المأجور أو المجاني، لمعسكرات الاعتقال الطائفية والمذهبية؟

II ـ وقائع دامغة: سياسة تكديس الخسائر

قليل من الوقائع:

عندما تعرضت الطائفة المسيحية لنكسة، وانهار مشروعها السياسي، وضعفت أحزابها وتياراتها، استاء بعض اليسار، ودافعوا عن «الحضور» المسيحي في السلطة، ولاموا أهل النظام آنذاك، لأنهم استبدلوا «المسيحي الأصيل» (قوات وكتائب وعونيين) بالمسيحي البديل. بعضهم في موقع التبعي لسوريا، وبعضهم في مواقع الصداقة النفعية لسوريا. واعتبر اولئك «الغيارى» على المسيحيين، أن التوازن الوطني قد اختل و... و...

أي توازن وطني؟ عبارة في قمة الكذب.. كل توازن في لبنان، هو توازن غير متزن وطائفي. هناك دائما، غالب ومغلوب. والغلبة تنتقل من فريق طائفي إلى فريق آخر. انتهت غلبة المارونية السياسية، في اتفاق الطائف، وبدأ زمن الغلبة السنية النسبي، بزعامة الحريري، وبمظلة سورية ـ سعودية، ثم انتهت هذه الغلبة في السابع من أيار، وبدأ زمن الغلبة الشيعية.. وستبقى في موقع الغلبة إلى زمن معلوم.

فأي توازن وطني هذا؟ ثم، هل المطلوب من أحزاب وشخصيات قومية ويسارية وتقدمية وعلمانية، خوض معركة، هي في كل المعايير ضدها، ولصالح القوى الطائفية العاتية؟

نريد جواباً؟

نتيجة ذلك النضال من أجل «التوازن الوطني»، عاد ممثلو الطوائف الأقوياء، إلى المشهد السياسي، واحتلوا مواقعهم «الشعبية» الطائفية، وتحصنت حصصهم في السلطة والنظام، وأغلقوا الأبواب كافة، أمام المتسوّلين نيابةً أو وزارة أو بلدية، من أهل اليسار والأحزاب القومية والـ...

نريد جواباً؟

ماذا كانت نتيجة استعادة المسيحيين حضورهم؟ هل اتزن الوطن؟ هل فُتحت الدروب أمام الإصلاح؟ هل هذا اختصاص يساري وطني تقدمي قومي، أم ضيق أفق، وأيديولوجيا مستغباة، وانتهازية مفرطة، وأدوار مجانية (ويا ليت بالإيجار) لصالح الطوائف؟

III ـ بعد العونية، الجنبلاطية مرة أخرى

بعد السابع من أيار، تعرضت الجنبلاطية الدرزية لهزيمة مشروعها السياسي.

(بالمناسبة. مشاريع الطوائف اللبنانية، داخلياً، هي مشاريع محكومة إما بالمحافظة على النفوذ لزعامتها، وإما بالمحافظة على حصصها في النظام).

وبعد هذه الهزيمة، بدأ الكلام عن ترتيب أوضاع «البيت اللبناني» (هو بالحقيقة ليس بيتاً، قد يكون أقرب إلى سوق). وتهافتت المساعي للمصالحة، بهدف اعادة السلم الطائفي بين الشيعة والدروز، (وهذا أمر إنساني بالغ الأهمية)، وبهدف اعادة تموضع الجنبلاطية الدرزية، في اتجاه سياسي اقليمي آخر.

هذا هو السياق الذي تتعامل فيه الطوائف مع بعضها البعض. وهذا السياق، هو الذي يؤمن عودة المهزوم، بمشروعه السياسي، إلى ضخ طائفته، بمنسوب سياسي بديل، لتعاد «الصيغة الوطنية» إلى مستوى «غالب غير منتصر ومغلوب غير مهزوم».

ما هي وظيفة أحزاب التغيير (إذا كانت هذه الأحزاب لا تزال مؤمنة بأن هذا هو عنوانها)؟

الترحيب بالعودة العونية، ذات الخطاب العلماني (بقاعدة مسيحية)، يشبه، لدى احزاب التغيير، عودة الجنبلاطية التقدمية، (بقاعدة درزية). سأحاول ان أفهم، ما مصلحة اليسار والقومي والعلماني في ذلك. لا شيء البتة. لا شيء بالمرة. «فياسكو».

احتكر الجنرال عون التمثيل المسيحي، مناصفة مع خصومه، وباتت علمانيته وإصلاحيته، في مهب المحاصصة لا أكثر (قد يقال محاصصة نظيفة. حسن! لكن، ألم يعرف لبنان وزراء في غاية النظافة؟ هل امرأة قيصر تنام فقط في المخدع العوني؟ لا يجوز هذا التهتك السياسي والاستهتار بأوادم كثر في العهود السابقة).

وكالجنرال المهزوم سابقا، يعود جنبلاط ليحتكر التمثيل الدرزي، من دون مشاركة مع خصومه من طائفته. وسينقل طائفته من.. إلى، مع بلاغ: تسلموا وسلموا. خذوا وأعطونا... ما هو لنا.

ماذا كسبت قوى اليسار والتغيير في تفذلكها وتأييدها زيارته دمشق وعودته سالماً إلى مواقع «تقدمية، قومية» غب الطلب الظرفي.

هل وظيفة أهل اليسار وأشقائهم، مساعدة الطائفة المهزومة، أو الطوائف المأزومة، للخروج من هزيمتها وأزمتها؟ أم أن مهمتها هي في تعميق هذه الأزمات وتفاقمها؟

انني لا أفهم، كيف وبأي منطق يحصل ذلك.

خلاصة: قوة النظام الطائفي في لبنان، متأتية في أحد عناصر قوتها، من تخلي «معارضي النظام الطائفي»، وقوى «التغيير» عن واجبهم، وتفضيلهم نعمة «اللجوء» إلى عباءات الزعامات الطائفية بعد تطريز حواشيها، بفقه العقائد، وفتاوى الايديولوجيات، وما تيسر من انتهازية مفرطة في قبول الهزيمة جائزةً لها.

IV ـ الأحزاب أيتام الطوائف!

لم يعرف لبنان «الطريق الثالث». ظل أسير «الأوتوستراد» الطائفي، ذهاباً وإياباً. لم ينشغل أهل التغيير في البحث عن محرك تاريخي للتغيير.. ظنوا أن الكلام العَقدي يمكن أن يغطي على المواقف الذيلية للطائفيات الناهضة والنشطة. راهنوا على أن وجودهم إلى جانب زعيم طائفي تقدمي، يمكن ان يساهم في التغيير. لقد حصل عكس ذلك. قُتل كمال جنبلاط، وهو يقود معركة تغيير النظام، إلى جانب حلفائه في الحركة الوطنية. وفي النضال، يحدث ان يُقتل عدو من القادة، ولا يتوقف المشروع التغييري بالتمام.

ماذا حصل؟ استمرت الطائفة الدرزية. وجدت زعيمها حاضراً. قادها من.. إلى مراراً. فيما تيتمت الأحزاب الوطنية برمتها، وباتت عاطلة عن العمل، وليس عن النضال فقط. واشتغلت بنفسها، فتبدد أتباعها.

عندما استشهد كمال جنبلاط في معركته، لم يكن هناك طريق ثالث أمام قوى التغيير.. جاء قائد آخر، وقاد الطائفة، وتخلى عن الأحزاب.

ماذا فعلت الأحزاب؟ شتمت الآخرين، وبرّأت نفسها من العجز... أليست هذه من سمات عبقرية الفشل؟

V ـ اللحظة حاسمة: الانقضاض على الطوائف

درجت بيانات أحزاب التغيير، على استعمال عبارة «في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ أمتنا»... واستمرت هذه اللحظة زمنا ولم يتغير شيء، إلى أن دخل لبنان، اللحظة الأخرى الحاسمة، عبر تحرير الجنوب. لقد اختارت المقاومة الاسلامية، طريقاً ثالثاً، صعباً داميا، في لحظة شبه ميؤوس منها.

كانت اسرائيل قد دخلت بيروت. وتصدت قوى الحركة الوطنية لمواجهة الاحتلال، ومارست بجدارة فعل التحدي، وألزمت العدو على الانسحاب من بيروت، فالجبل، فالاقليم، فصيدا... ثم انكفأت مقاومة هذه الأحزاب، وزاد انكفاؤها بعد توقف الحروب اللبنانية، ودخول النظام «عصر الطائف الأعرج».

ماذا فعلت أحزاب المقاومة والتغيير؟

لامت سوريا ولامت ايران ولامت «الله»، لأنها أُخرجت من المقاومة.

غريب هذا المنطق!

المقاومة، كفعل، لا تطلب إذنا من نظام. هي خروج على النظام. المقاومة الاسلامية، أصرّت على الطريق الثالث للتحرير. حاول النظام اخراجها من هذا المسار.. حاولت سوريا، وكان رد المقاومة: الاصرار على المزيد من المقاومة، لأنها أهّلت نفسها لسلوك هذا المسار، وأعدت العدة لقتال مديد، يتعين عليه ان يفضي إلى التحرير.
أين الطريق الثالث لإصلاح هذا النظام الخربان؟

هذا الطريق الإصلاحي، ليس من اختصاص المقاومة، بل هو من اختصاص أهل الاصلاح وأحزابه. وأحزاب التغيير، على اختلاف مناهلها الفكرية واجتهاداتها، مؤهلة لتقديم صورة حديثة وآليات حديثة ومبتكرة، للتغيير... غير أنها لم تفعل.

وإذا كانت عاجزة عن الفعل، فأقل الايمان ان تعلن عن انفصالها التام عن أي أمل بالطوائفيين «العلمانيين والتقدميين والقوميين بالمنفعة»، والوقوف ازاء هذه القوى لتعريتها بالكامل.

أقل الإيمان: قطع حبل السرّة الطائفي الذي يربط «أحزاب التغيير»، بالأرحام الطائفية المعتادة على الزنى السياسي.
وظيفة قوى التغيير، الانتقال إلى خندق معادٍ فعلا وقولاً، لقوى الطوائف (كافة قوى الطوائف) المشغولة بالداخل اللبناني وأنفاقه المعتمة. وظيفة قوى التغيير، الفصل بين دعم المقاومة والمساهمة فيها، وبين اصلاح النظام أو تغييره. الاصلاح ليس من مهام المقاومة، ولا «حزب الله»، لأنه، كقوة طائفية، أقصى ما يستطيعه، هو في تبني الديموقراطية التوافقية... بكل مآسيها السياسية.

VI ـ الاحتفال بالخراب

اللحظة الحاسمة حاضرة للانقضاض على الطوائفيين. الموارنة في أزمة ازدواج... يلزم تعميق ذلك، من دون الارتهان لفريق. الدرزية السياسية في قلق. يلزم تعميق ذلك، لاخراج الطائفة من معترك التنقل من مشروع إلى مشروع، وإعادتها إلى جادة الصواب الوطني... عبر استقالتها من السياسة واهتمامها بالروح. السنية في أزمة متعددة الوجوه، قيادة ودار افتاء وهلم جراً، فلتُستكمل هذه الأزمة ولتنكشف، حتى تعود السنية إلى الصراط القومي المستقيم، عبر اقالتها عن تنكّب مشاريع داخلية ـ خارجية ـ مالية.

فلتضعف الطوائف بإنهاكها سياسيا واخلاقيا وثقافيا. يلزم اظهارها كعار وطني ورجيم سياسي.

إذا لم تقطع احزاب التغيير حبل السرّة، مع أهل النظام الطائفي وطوائفه... فعبثا يتعب البناؤون. ويصح عندها نقل لعنة المسيح عليهم: «هوذا بيتكم يُترك لكم خراباً».

فاحتفلوا بالخراب. 

Script executed in 0.24248385429382