أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

قراءة سياسية وقانونية في كلام نصر الله

الجمعة 02 نيسان , 2010 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,341 زائر

قراءة سياسية وقانونية في كلام نصر الله

مبتعداً عن النبرة التهديدية التي كان يعوّل عليها البعض لاستكمال مسلسل الاتهام السياسي للحزب في ضوء التسريبات والتخمينات والتكهنات السياسية والاعلامية الصاخبة.

ولكنّه في موازاة هذا الهدوء والكلام الرصين والمسؤول، تحدّث السيد نصر الله، عن ثغرات عدة في الطريقة التي استخدمتها لجنة التحقيق الدولية المستقلّة ويستخدمها مكتب المدعي العام الدولي القاضي الكندي دانيال بيلمار لكشف قتلة الرئيس رفيق الحريري، تقلّل من الثقة بعمله، خصوصاً إذا ما استمرّ الاتهام السياسي متقدّماً على الاتهام المادي الملموس للجناة المتوارين عن الأنظار، وذلك بعد مرور خمس سنوات ونيف على الاغتيال.

وكان واضحاً لكلّ من تابع كلام نصر الله تركيزه على نقطة جوهرية وضعها تحت المجهر أكثر من أيّ وقت مضى، وهي مرتبطة بالاستغلال السياسي لهذا الاغتيال الذي وصفه بالزلزال، لتحقيق مكاسب في السياسة، واستعماله سلاحاً حاداً ضدّ أطراف في الداخل اللبناني وفي طليعتهم حزب الله، وضدّ سوريا، ولذلك بدأ الاتهام السياسي منذ اللحظة الأولى موجّهاً ضد سوريا، واستمر على ذات الوتيرة مدة أربع سنوات إلى حين إعلان براءة الضباط الأربعة وإطلاق سراحهم من الاعتقال التعسفي، ثم تم توجيه البوصلة نحو حزب الله بعد أقل من شهر على الإفراج عن الضباط الأربعة، حيث تولّت صحيفة «دير شبيغل» الألمانية، عشية الانتخابات النيابية في 2009، تطوير رواية «لو فيغارو» في التاسع عشر من آب 2006، أي بعد «حرب تموز» مباشرة، في مشهد أعاد التذكير بما فعلته احدى الصحف الكويتية بعد ثلاثة أيّام من اغتيال الحريري واتهامها ضباطاً سوريين ولبنانيين بالوقوف وراء هذا العمل الإرهابي، وحصل كل ذلك والتحقيق القضائي اللبناني في خطواته الأولى.

ويذكّر أحد المتابعين عن كثب لتفاصيل هذا الملف، بالسيناريو الأول المتعلّق باتهام سوريا والذي قادته الصحيفة الكويتية، ووضع الشاهد السوري محمد زهير الصدّيق في واجهته، وما تخلّله من عرض صفقات مشبوهة على اللواء الركن جميل السيد بواسطة رئيس المحقّقين في فريق القاضي الألماني ديتليف ميليس الشرطي غيرهارد ليمان، لتقديم ضحية ما في سبيل إثبات تحويل الاتهام السياسي لسوريا إلى حقيقة تترتب عليه نتائج وخيمة، ومن ثم اعتقال الضبّاط الأربعة الذين يمثّلون ما سمّي بـ«النظام الأمني اللبناني السوري المشترك»، وذلك في سياق الاتهام السياسي لسوريا وحلفائها في لبنان.

أما السيناريو الثاني، فبدأ مع ما نشرته «الفيغارو» في 24 أيار 2009، وأتبع بمقال «ديرشبيغل» الألمانية، فمقال «لوموند»، ثم كتاب «la liste Hariri» لمؤلّفه الفرنسي جيرارد دوفيليه ، وما تضمّنته كلّها، من اتهام لحزب الله، من دون أن يكشف لغاية الآن، عن شاهد الزور الجديد، فكان أن استدعي عناصر من الحزب إلى التحقيق وبينهم من هو مسؤول عن الاتصال بالفلسطينيين في الأرض المحتلة على غرار الشهيدين حسين صالح وغالب عوالي اللذين اغتالهما «الموساد» الإسرائيلي، وهذا مؤشّر لا يطمئن إلى مسار التحقيق.

وبدا نصر الله متجاوباً مع فكرة التحقيق مع عناصر الحزب، ولكن المشكلة ليست في التجاوب أو عدمه، وإنما قبل ذلك مع أي محكمة تتعاطى وتاريخها، فكيف ترفض المحكمة مساءلة شهود الزور ومن دعمهم ومولهم ولقنهم شهاداتهم الكاذبة؟ أليس في استجوابهم اختصارا لمعرفة الغاية من تضليل التحقيق وتوجيهه بعكس وجهته الأساسية؟ ولماذا تُجري المحكمة تعديلاً على نظامها لجهة مساءلة الشهود، فتعفو عمن زوّر الحقائق خلال فترة لجنة التحقيق الدولية المستقلّة وتتبرأ منهم، وتعلن أنّ «الحساب» يبدأ بالإدلاء بإفادة كاذبة أمام المحكمة خلال مجريات المحاكمة، مع العلم أن التحقيق حلقة متواصلة، تماماً كما لا انفصال بين التحقيقين اللبناني والدولي؟

وهنا تتقاطع أسئلة نصر الله المشروعة مع كلام وزير العدل في حكومات الرئيس رفيق الحريري الدكتور بهيج طبّارة في مقابلة « السفير» معه (الأربعاء في 31 آذار 2010) لجهة عدم اقتناعه بحجة المحكمة باستبعاد مساءلة شهود الزور لأنّ «التحقيق الدولي منذ انطلاقته والمحكمة الدولية منذ ولادتها، كل متكامل، فعلى سبيل المثال لا الحصر، المدعي العام الحالي القاضي دانيال بيلمار كان سابقاً رئيس لجنة التحقيق وهو يتابع عمله بصفته محقّقاً وكل التحقيقات التي جرت سابقاً وتولّى هو جزءاً منها قد انتقلت بطبيعة الحال إلى المحكمة، وصارت جزءاً لا يتجزأ من أرشيف المحكمة».

وقد أعاد السيّد نصر الله ملابسات شهود الزور وقضية اعتقال الضبّاط الأربعة إلى الواجهة ليؤكد انعدام الثقة بالدور الذي أدّته لجنة التحقيق الدولية، وقد ثبت بأن ما تعهّده اللواء الركن جميل السيّد وجرت محاولات لإجهاضه و«القوطبة» عليه لا يزال في أوجه، وتوّج بالدعوى المقامة منه أمام القضاء السوري.

وخلص السيّد نصر الله في استعراضه لحيثيات فبركة شهود الزور إلى القول، إن كل ما فعلته المحكمة مشكوك فيه ومسيّس وعرضة للتجاوب أو عدم التجاوب بحسب ما ترى قيادة حزب الله من الوجهة السياسية التي يجري التعاطي فيها معها، وسيظلّ الاتهام السياسي قائماً ما دامت الثغرات موجودة، وليس الأمر مرتبطاً بتطوّر التحقيق، على حدّ تعبير المتابع للملف، الذي يضيف أن كل ما قاله فريق لبناني في السابق سقط وما اللجوء إلى الاحتماء تحت سقف المحكمة «إلا للتهرب من المسؤولية والمساءلة».

ووجه نصر الله تحذيراً صارماً من الاستمرار في مسلسل الاتهام السياسي وهو ما سيكون من الممنوعات التي سيواجهها الحزب، لأنها تصب في إطار الهجمة الإسرائيلية عليه.

ويرى أحد المراقبين أنه لا يمكن للمحكمة أن تتسلى بحزب الله كما فعلت مع سوريا والضباط الأربعة، لأن وضعه يختلف كلّياً وهو مستهدف خارجياً ودولياً، وإذا استمرت المحكمة بهذا الأسلوب تكون بوقاً للهجمة الخارجية، وهي لعبة خطرة وممنوع التسلّي بالتحقيق وباستدعاء عناصر الحزب حيث من الممكن أن تستمرّ الاستدعاءات سنتين أو فترة طويلة، ولا أحد يتسلى في معركة، وحزب الله موجود في معركة دائمة مع إسرائيل، ومن هنا كان تذكير نصر الله بفشل كل سيناريوهات استهداف المقاومة وخصوصاً في حرب تموز 2006، واعتباره بأن الاستهداف الجديد للحزب عبر ملف المحكمة هو آخر سلاح ضد المقاومة.

ووضع نصر الله خمسة شروط قاسية لترميم الثقة بالمحكمة، لا يمكن التساهل فيها وهي: سرّية التحقيق التي ظهر بالوقائع، فشل لجنة التحقيق ومكتب بيلمار والمحكمة في المحافظة عليها، وعدم تأدية لجنة التحقيق مهامها بطريقة مهنية بعدما استبعدت فرضية تورط إسرائيل وتنظيم «القاعدة» وغيرها من الاستخبارات الدولية بالاغتيال، وانصباب الاهتمام على اتهام سوريا، ومن ثم حزب الله عبر تسريبات إعلامية، وفشل شهود الزور في القيام بوظيفتهم وتنفيذ وصية موظّفيهم، واعتقال الضبّاط الأربعة وأشخاص آخرين وإيداعهم السجون من أجل تأكيد الاتهام السياسي لسوريا والذي سقط مع مرور الزمن، ليبدأ الاتهام السياسي لحزب الله، ومآله السقوط، لأن ما بني على باطل فهو باطل.

Script executed in 0.19271612167358