أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الخالص وكربلاء.. رسائل مفهومة ومؤشرات غير سارة

السبت 03 نيسان , 2010 09:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,749 زائر

الخالص وكربلاء.. رسائل مفهومة ومؤشرات غير سارة

هزت مدينة الخالص التابعة لمحافظة ديالى (60 كم شرقي العاصمة بغداد) تفجيرات ارهابية وسط جموع من المدنيين في سوق ومطعم شعبي، ادت الى مقتل واصابة العشرات منهم، بينهم زوار من جنسيات اجنبية.

وبأي حال من الاحوال لا يمكن فصل هذا المشهد الدموي المروع عن واقع التفاعلات السياسية التي افرزتها الانتخابات الاخيرة، فالتداخل بين الملفات الامنية والملفات السياسية في العراق كبير للغاية.

ولم تخرج قراءة تفجيرات كربلاء التي جاءت بعد ثلاثة ايام فقط من تفجيرات الخالص عن سياق قراءة الاخيرة، ونفس الشيء بالنسبة لعمليات ارهابية مماثلة نوعا ما حدثت في مناطق من محافظة الانبار في الاونة الاخيرة.

وهذا التصعيد في الاعمال الارهابية، الذي يمكن ان يقرأه البعض على انه يعد نوعا من التراجع في الوضع الامني، جاء في ظل حراك سياسي كبير تشهده الساحة العراقية على خلفية الانتخابات البرلمانية الاخيرة والاستعدادات والتحركات المحمومة من قبل مختلف الاطراف السياسية للشروع بالمرحلة الجديدة واستحقاقاتها، المتمثلة اساسا بالاسراع بالتئام مجلس النواب الجديد، وانتخاب رئيس جديد، ومن ثم تشكيل الحكومة.

ربما يعتقد هذا البعض ان الانشغال والانهماك في الاستحقاقات السياسية كان من بين اسباب التداعي والتراجع في الوضع الامني، وهذا الافتراض او الاعتقاد صحيح في جانب منه، وهو ما يعني ان هناك ـ كما اشرنا ـ تلازما بين الوضع الامني والوضع السياسي، واي تراجع او ارتباك في واحد منها ينعكس تلقائيا على الاخر، والاعوام السبعة الماضية كانت حافلة بمصاديق كثيرة لذلك التلازم.
 
ففي اكثر من منعطف واجهت الدولة العراقية الجديدة تحديات سياسية كبيرة، بسبب تأزم الظروف الامنية لا سيما خلال تصاعد موجة العنف والارهاب الدموي، وهيمنة الجماعات الارهابية المسلحة على مناطق بكاملها، وخصوصا في عامي 2005 و2006.

وواضح ان هناك اطرافا عديدة لا تريد نجاح العملية السياسية ولا تحتمل مشاهدة المزيد من النجاحات السياسية للعراقيين، ولا شك ان اجتياز الاستحقاق الانتخابي بنجاح، بصرف النظر عن تفاصيل وجزئيات النتائج التي انتهى اليها، مثّل نقطة تحول وانعطافة مهمة، ومؤشرا ملموسا على ان هناك تقدما نحو الامام.

والمعطيات الاولية التي توافرت لدى الاجهزة الامنية المختصة اشارت الى ان مخططي ومنفذي تفجيرات الخالص وكربلاء ينتمون الى حزب البعث المنحل وتنظيمات القاعدة، وان القاء القبض على الضالعين بعملية الخالص ساهم في مسك بعض من الخيوط المهمة للجريمة، وكذلك ساهم بمتابعة خلفيات جريمة كربلاء.

وفي الوقت الذي دعا فيه الامين العام لمنظمة بدر ورئيس لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب المنتهية ولايته هادي العامري الى اعتبار الخالص منطقة منكوبة وتعويض المتضررين جراء العملية الارهابية الاخيرة، اقدم مجلس محافظة ديالى على اقالة قائد شرطتها الفريق عبد الحسين الشمري من منصبه.

وتبدو الخطوة الاخيرة معقولة ومبررة، اذا لم تكن محكومة بحسابات واجندات سياسية مسبقة، ولعل تجارب الاعوام القلائل الماضية اثبتت انه متى ما كانت الحكومات المحلية في المحافظات، المتمثلة بالمحافظ وادارة المحافظة ومجلس المحافظة، قوية وفاعلة ومتحركة وحازمة، توافر قدر جيد من الاستقرار الامني، وتحسن الواقع الخدمي والحياتي.

وفي منعطفات التحول واعادة التشكيل، كما هو الحال في المرحلة الراهنة، غالبا ما يحدث نوع من الفراغ والارتباك والتلكؤ في ادارة الحكومة الاتحادية ـ المركزية التي يصبح دورها من الناحية الواقعية تصريف اعمال ليس الا، وهو ما يتطلب رفع مستوى اداء الحكومات المحلية لسد الفراغ، ومعالجة الارتباك والخلل.

وقد لا تخرج عمليات الخالص وكربلاء الارهابية عن سياق استغلال الفرص والظروف ومحاولات خلط الاوراق، لعرقلة انجاز الاستحقاق السياسي المقبل، والمتمثل باختيار رئيس الدولة، ورئيس مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة.
سياسيون ومسؤولون حكوميون اشاروا بوضوح الى الابعاد السياسية وراء تفجيرات الاثنين الماضي، التي اعتبرها متخصصون في الشؤون الامنية بأنها تمثل خرقا كبيرا وخطيرا، لانها وقعت على مسافة قريبة لا تتعدى كيلومترا واحدا عن مرقدي الامامين الحسين والعباس عليهما السلام.

عضو الائتلاف الوطني العراقي الدكتور عبد الهادي الحكيم وصف تفجيرات كربلاء "بأنها تمثل رسالة واضحة المعالم من قبل الجهات الارهابية يجب ان تجابه من خلال الائتلاف الوطني العراقي ودولة القانون وحلفائها، وذلك بالاسراع بتشكيل حكومة سياسية عادلة وخادمة للمواطنين".

واللافت في الاوضاع الامنية هو ان فترة الشهور الثلاثة الاخيرة شهدت، بحسب اوساط رسمية حكومية، تصاعدا في وتيرة عمليات الاختطاف والاغتيالات بالاسلحة الخفيفة الكاتمة للصوت، والعبوات الناسفة واللاصقة، واكثر المستهدفين كانوا من موظفي الدولة في المؤسسات والدوائر الحساسة.

ربما يكون واحدا من الاهداف والدوافع مرتبطا بالانتخابات، أي انه جزء من عملية التنافس الانتخابي في بعدها السلبي، ولكن هناك بعدا اخر في هذا التصعيد، وخصوصا في هذه الايام، يرتبط باستحقاقات ما بعد الانتخابات، وهذا ما ينبغي التنبه والالتفات اليه، حتى لا تخرج الامور عن السيطرة، وتبدأ الحكومة الجديدة عملها وهي مثقلة باستحقاقات امنية، كما بدأت الحكومة الحالية عملها قبل اربعة اعوام، ويضيع ملف الخدمات مرة اخرى في غياهب ومتاهات ملفي الامن والسياسة.

Script executed in 0.18833899497986