أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

العراق إلى حكومة الشراكة الوطنية بعد لبنان

الأحد 04 نيسان , 2010 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,806 زائر

العراق إلى حكومة الشراكة الوطنية بعد لبنان

ومعادلتها أن المهم هو قناعة جميع الأطراف اللبنانيين بأن التوزع السياسي على خطوط طائفية يجعل لعبة حكم الأغلبية ومعارضة الأقلية مدخلا إلى اهتزاز الاستقرار اللبناني، الذي يعني سورية في المقام الأول، وبالتالي السعي مع الجهات الإقليمية والدولية الساعية للحوار مع سورية حول لبنان، إلى توفير شبكة أمان لما بعد الانتخابات مهما كانت نتائجها.. مضمونها حكومة شراكة وطنية.

الانتخابات النيابية العراقية استحقاق أكثر أهمية وخطورة لارتباطه بمجموعة استحقاقات تقع على خطوط تماس دولية وإقليمية، سبق أن حسمت مثيلاتها لبنانياً قبل الانتخابات لجهة الهوية والموقع من الصراعات الكبرى في المنطقة، عندما تكفّل انتصار المقاومة في حرب تموز 2006 بإنتاج توازن جديد حسم موقع لبنان في خريطة المنطقة، بمعزل عن نتائج الانتخابات النيابية، بينما في العراق ستلعب نتائج الانتخابات دوراً مهماً في تحديد وجهة موقع العراق في هذه الخريطة. ‏

رغم هذا الفارق بدا التعامل السوري مع الانتخابات العراقية مشابها لتعاملها مع الاستحقاق اللبناني، خصوصا لجهة تشجيع الأطراف الإقليمية والدولية الساعية للحوار مع سورية حول الملف العراقي، وللتعاون في بناء شبكة أمان لما بعد الانتخابات تنطلق من كون التموضع السياسي على خطوط طائفية وعرقية يجعل حكم الأغلبية ومعارضة الأقلية مصدراً لاهتزاز الاستقرار العراقي، الذي يشكّل مصدر اهتمام وعناية سورية. ‏

الخصوصية الإضافية في المشهد العراقي هي أن الطرف المؤثر إقليمياً الذي تتقاسم معه سورية الشراكة الرئيسية في الحوار، هو الحليف الإستراتيجي الذي تمثله إيران، وليس الخصم الإقليمي الواقف على ضفة أخرى من قضايا الصراع الكبرى في المنطقة. ‏

نتائج الانتخابات العراقية تكفلت بإنهاء جولة النقاش الصعب والمضني حول جدوى أو ضرر حكومة أغلبية نيابية في العراق، عندما لم يتمكن أي فريق من الفائزين من تكوين أغلبية متحالفة قادرة على تشكيل حكومة، حيث بات واضحاً أن ائتلاف دولة القانون الذي تصرف كأن تفاهمه مع الائتلاف الوطني العراقي أمر محسوم لتكوين الأغلبية، لن يتمكن من بلوغ هذا الهدف، الذي وصفه السيد عمار الحكيم، أحد أركان الائتلاف الوطني، بمشروع إقصاء لمكون رئيسي في النسيج العراقي، مؤكداً السير نحو حكومة الشراكة الوطنية، بينما تصرف السيد مقتدى الصدر الركن الأبرز في المعادلة الجماهيرية العراقية، بما يجعل التفاهم على شخص رئيس الحكومة أمراً مرهوناً بما بعد حسم صيغة حكومة الشراكة، وهذا معنى طرح أسماء المرشحين لرئاسة الحكومة على الاستفتاء. ‏

تفاهم سورية وإيران وتكامل أدائهما على الساحة العراقية بما يضمن حماية مشروع استقرار ووحدة العراق، لم يعد في دائرة السؤال بعدما بات واضحاً أن خيار حكومة الشراكة الوطنية يتقدم على الخيارات الأخرى، لأن الكتلتين المرشحتين لقيادة أغلبية نيابية وهما القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون، لن تتمكنا من بلوغ الأغلبية اللازمة دون الشراكة مع الائتلاف الوطني، الذي يقوده السيدان مقتدى الصدر وعمار الحكيم، غير المرشحين أساسا لأي منصب حكومي، والمتمسكان بخيار حكومة الشراكة الوطنية. ‏

ظن البعض للوهلة الأولى أن تنافس كتلتي دولة القانون والعراقية على المنصب الأول في الانتخابات، ولكل منهما أهواء إقليمية تجعله على خصومة مع أحد طرفي الشراكة السورية ـ الإيرانية، يعني تراجع مكانة هذا الحلف الإستراتيجي على الساحة العراقية، واتجاهه نحو الخلاف في تبني كل من طرفيه لمرشح مرفوض من الطرف الآخر لتشكيل الحكومة الجديدة، فجاءت الوقائع لتقول: إن المشترك في التحالف السوري ـ الإيراني بين مكونات العملية السياسية هو الصداقة والثقة اللتان تجمعهما مع قادة وقوى الائتلاف الوطني بزعامة السيدين الصدر والحكيم، وإن نتائج الانتخابات منحت هذا الثنائي المكانة الفاصلة في تشكيل الحكومة وتحديد هويتها وشخص رئيسها، وبهذا تكون تفاهمات سورية وإيران شبكة أمان حاسمة خلافا لرغبات وتنبؤات البعض. ‏

حكومة الشراكة المقبلة للعراق ستكون تأكيداً لحقيقة أولوية الاستقرار على التنافسات الانتخابية في ساحات العبث الأميركي ـ الإسرائيلي، من لبنان إلى العراق وفلسطين، حيث بريق الحديث عن الديمقراطية لن يحجب حقيقة أن النسيج الوطني الممزق لا يتحمل لعبة أحادية تضع أولوية التنافس على السلطة فوق الاستقرار الوطني، بينما لا تتمكن أي أغلبية من عبور المناطق والطوائف دون الشراكة مع الأقلية، وهذا هو الواقع اللبناني وها هو الواقع العراقي، ولبعد غد سيكون مثال الواقع الفلسطيني، عندما يقتنع من يجب أن يقتنع بأن الوحدة الوطنية شبكة أمان تتقدم على رهانات عقيمة ووعود كاذبة، وأن هذه الوحدة شبكة أمان في التفاوض كما هي شبكة أمان في المواجهة. 

Script executed in 0.19339084625244