أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

غيِّر المسار قبل فوات الأوان

الإثنين 05 نيسان , 2010 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,253 زائر

غيِّر المسار قبل فوات الأوان

ما معنى أن يحدث ذلك المشهد الكارثي لمكانة وسمعة أمريكا بعد احتلال أفغانستان لمدة سبع سنوات عجاف، وبالرغم من وجود عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين المحتلين وإلى جانبهم ألوف الجنود المساندين التابعين لحلف الاطلسي؟

الذي يعنيه كل ذلك هو السقوط المذهل لقوة عسكرية وسياسية استعمارية هائلة، فتاكة بالغة التطور والحداثة، أمام إراده شعب مقاوم، حتى لو نبتت ونمت في بلد فقير بالغ التخلف كأفغانستان.

والمشهد نفسه تكرر في أرض الكرامة والبطولة والإرادة التحررية الصلبة، أرض العراق المقاوم منذ احتلاله قبل سبع سنوات أخر. وقد ثبت أن القضية ليست وجود عساكر الاستعمار في بروج مشيدة معزولة عن محيطها.

القضية هي مدى كسر إرادة الشعوب ومدى النجاح في إخضاع روحها لقبول الذل والتعايش مع املاءات المحتل. ولقد أدركت الدوائر الأمريكية ذلك منذ سنوات، ولكنها كبرياء المكابر الذي لا يريد أن يواجه الواقع ولا يريد أن يستفيد من تاريخه هو نفسه في بلدان من مثل فيتنام وكوبا وكثير من دول أمريكا الجنوبية.

إن أمريكا تعتقد أن رجالاتها من مثل باتريك هنري في القرن الثامن عشر، هم وحدهم قادرون على قول هذه الصيحة المشهورة البليغة: "إذا كانت الحياة غالية بهذا الشكل وكان السلام والأمن جميلين بهذا الشكل، وكان ثمن تلك الحياة وذلك السلام هو الأصفاد والعبودية، فلنرفض ذلك، فبالنسبة لي اعطني حريتي يا الله أو اسقني الموت الزؤام".

لا، إن ذلك القول الساحر البليغ يقوله الملايين من المقاومين في البلدين المنكوبين، العراق وأفغانستان، ويدفعون ثمنه موتاً وتشويهاً وجراحاً وجوعاً وتهجيراً ويتامى وثكالى وفقداناً لرفاهية العيش بكل أنواعها، بينما ينعم المسؤولون الأمريكيون من العساكر والساسة في واشنطن بالولوغ في دم هذه الملايين المظلومة.

بل إن تلك الملايين لا تقول ذلك فقط، بل تحيله إلى فعل في صخرة الواقع بألف شكل وشكل. إنهم يعيشون حتى الثمالة، وبصور مأساوية مقدسة، ما قاله الزعيم الأمريكي توماس جفرسون "إن الله الذي أعطى الحياة، أعطى الحرية في الوقت نفسه". ويرفعون رؤوسهم يومياً أمام الجبروت البربري الأمريكي، ثم يسقطون جرحى أو أمواتاً، وهم يرددون نفس ما قاله الرئيس الأمريكي فرنكلين روزفلت نيابة عن الشعب الأمريكي كله: "إننا نفضل أن نموت وقوفاً على أرجلنا بدلاً من العيش ونحن نحبو على ركبنا".

البروفيسور الرئيس المثقف أوباما، هل توقف عن قراءة تاريخ وثقافة بلاده، حتى يستمر في السير على نهج سلفه الجاهل في التعامل مع المقاومة في هذين البلدين، فيضطر أن يسافر متخفياً بعد ان أقنعنا منذ سنة بأننا أمام رجل شرف وأمانة، يفضل أن يخسر الانتخابات المقبلة ويخرج من سدة الرئاسة على أن يبيع نفسه لمؤسسات البنتاجون العسكرية وال "سي. آي. إي" المخابراتية ولصوص الصناعة الحربية الأمريكية؟ أليس مفجعاً لهذا الرئيس، الذي جاء كفيلسوف وكمثقف ملتزم وكمناضل إنساني، أن ينتهي به الأمر فيقول عنه الصحافي البريطاني روبرت فيسك، الرجل العاقل المتزن، إنه "أي أوباما" أسوأ من سلفه جورج بوش الابن وإن عهده سيكون أفظع من ذلك العهد الأسود في تاريخ البشرية؟

إن قسوتنا في هذا الكلام نابعة من الشعور بفقدان الأمل في الوضع الإنساني برمته. فإذا كان رئيس مثقف حامل لبذرة الأمل، جاءت به جماهير بلده الشابة المملوءة حماسة لبهجة الحياة والفرج، قد غاص في وحل الطمع والقسوة والأنانية التي تميز بلده الاستعماري الجديد، فما الذي يبقى لهذه الإنسانية كلها من أمل في مستقبل أفضل؟

نحن لن نذكّر الرئيس الأسمر هذه المرة بالجوانب المادية، ونذكّره بأن بلاده قد صرفت حتى الآن أكثر من ثلاثة تريليونات من الدولارات "ثلاثة آلاف مليار" على الحربين القذرتين المجنونتين، وأن الغوص في وحول أفغانستان والعراق قد يكون أحد أهم أسباب التراجع الاقتصادي لأمريكا، كما بيّنه أحد أهم كتاب أمريكا في الاقتصاد، جوزف ستيغليتز، وكذلك نذكره بأن يقرأ ما قاله جورج واشنطن، ذلك البطل القائد الأمريكي، من "أن الحرية، عندما تضرب جذورها في الأرض، تصبح شجرة سريعة النمو".

يا أيها الرئيس الأمريكي، إن شجرة الحرية في العراق وأفغانستان قد نمت ولن تقطعها جحافل جيوشكم، فغيِّر المسار قبل فوات الأوان. 

Script executed in 0.18594002723694