أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

المسافة بين «الرابية» و«بيت الوسط» تطول أو تقصر تبعاً لتحولات داخلية وإقليمية

الثلاثاء 06 نيسان , 2010 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 11,620 زائر

المسافة بين «الرابية» و«بيت الوسط» تطول أو تقصر تبعاً لتحولات داخلية وإقليمية

في «جعبة» من رصد اللقاء المسائي الذي سبق الإطلالة «المنارية» للأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله بأقل من أربع وعشرين ساعة، والزيارة الجنبلاطية إلى دمشق، كلام يوحي بأن الجلسة كانت أوسع من أن يتم حصرها ببعض الملفات الآنية.

كانت للمحكمة الدولية وتداعياتها، واستدعاءات لجنة التحقيق وانعكاساتها، مكانتها على طاولة الرابية في تلك الليلة، فيما بدا أن ملف الانتخابات البلدية هامشي.. وربما حصل كلام حوله في السيارة التي أقلت رئيس الحكومة والمعاون السياسي للعماد عون الوزير جبران باسيل في طريقهما إلى الرابية..

... يوم كان رئيس الحكومة المكلّف يعدّ انقباضات ولادة حكومته، المتعثّرة، كان نهاره الموصول بليله، يسمح بصولات وجولات من الحوار مع الآتين من خلف متاريس خصومة السنوات الأربع الماضية. جبران باسيل، الوزير «المعطِّل» بفعل مقولة «عدم توزير الراسبين»، يستسهل المشوار بين الرابية و»بيت الوسط»، ذهاباً وإياباً، ليعيد المياه إلى مجاريها بين الخصمين، قبيل لقائهما وجهاً لوجه.

في تلك الفترة، ارتفع منسوب التقاطعات بين الفريقين، حتى ذهب البعض إلى حدّ الترويج لإمكان صياغة ورقة مشتركة بين «تيار المستقبل» و»التيار الحر»، مقدمة لفتح «سوبر ماركت»، تكون بديلة لتلك الدكانة الصغيرة جدا، التي ورثها رئيس الحكومة السابق لمن أتى من بعده إلى السرايا الكبيرة. لا شك في أن من بالغ في الرهان، كان قد رصد دخاناً أبيض يتصاعد من مدخنة العلاقة الناشئة، لكن يبدو أنه لم يحسب حسابا لاعتبارات أخرى، بعضها محلي وبعضها الآخر خارجي، تتصل بالتوازنات والصلاحيات والخيارات الإقليمية، وفي هذا ما يشي بأسئلة حول استمرار وجود حاجة متبادلة للعلاقة بين مسيحيي الأكثرية و»المستقبل» أكثر مما هناك نيات جدية بتطوير العلاقة بين «المستقبل» و»التيار».

في تلك الحقبة «التسووية»، التي سبقت ولادة الحكومة الحالية، فتحت المحادثات الحكومية الباب أمام نقاشات حول العلاقة الثنائية، بكلّ تراكماتها وطموحاتها. وضعت الأوراق على الطاولة، أجريت المراجعة من الجانبين، طغى التوافق على الكثير من العناوين المكوّنة لمربّع الجذب بين المتباعدين. بدت المسافة الفاصلة بينهما، قصيرة، وقابلة للقضم التدريجي.

ورغم ذلك، فمن المسلّم به، أن دوائر التماس الاقتصادية - المالية تشكّل حدّاً فاصلاً في العلاقة، علماً بأن الشعور السائد على الضفّة «البرتقالية»، بأن الغلبة كانت للرهان على «حريرية» جديدة في الرؤية الاقتصادية، تتمايز عن تلك السائدة أيام الرئيس رفيق الحريري، الذي أتى من خارج النادي التقليدي وفرض نفسه بمشروعه وعلاقاته ونفوذه، وكان يستطيع أن يفرض ضرائب مقابل ما كان يفترض أنه يقدمه لجمهوره، فيما العين على «أنسنة» السياسة الاقتصادية لوريثه سعد الحريري الذي لولا الجمهور وعاطفته الجياشة تجاه جريمة استشهاد والده لما كان قد عُقدت له الزعامة، ما يعني أن الفارق كبير بين مسيرتي الأب والابن ولو أنهما تكملان بعضهما البعض في مفاصل شتى.

بين «التيار» و»المستقبل» الكثير من الحواجز المانعة لالتقاء شامل، أولها قضية النظرة الاقتصادية الاجتماعية ومن ضمنها الخصخصة حيث يمثل وزير الاتصالات شربل نحاس الوجهة المناهضة للرؤية «الحريرية»، فضلا عن الكثير من الملفات التي طرحت على طاولة مجلس الوزراء، ومن خلفها تحالفات كلّ فريق واصطفافاته، التي تدفع بكل طرف إلى العدّ للعشرة قبل الإقدام على أي مبادرة تواصلية.

في المقلب «العوني»، الاعتقاد السائد أن دخول الحريري السرايا الحكومية من شأنه أن يحرره ويمنحه هامشاً أوسع للتحرك، مظللاً بدرع التقارب السعودي - السوري الذي سحب فتيل الانفجار من اللعبة الداخلية، ليطلق عجلة الحركة ضمن دائرة أوسع من تلك التي كانت تقيّده كزعيم لقوى الرابع عشر من آذار. كانت المتغيرات في المنطقة، بمثابة كاسحة ألغام، عبدت الطريق بين الخصمين، وأوحت انها قادرة على فتح أبواب «بيت الوسط» الموصدة. ظنّ خصومه أن موقعه الجديد سيدفعه لابتكار مقاربات أكثر شمولية، فالملعب السياسي يتسّع للجميع، واحتمالات التقارب تفوق سيناريوهات الاختلاف.

لكن المساحة المشتركة كانت مقطّعة الأوصال. لم تجد الكيمياء طريقها حتى الآن، بين الفريقين على طاولة مجلس الوزراء، فإذ بالتنسيق أقل من عادي على المستوى التنفيذي. أول شواهدها، تعيينات مجلس القضاء الأعلى، واختبارها الحقيقي في ملف التعيينات الإدارية المنتظرة، بكل دسامته. عين «التيار الوطني الحر» على المواقع المسيحية، وطموحه يلامس حصّة الأسد.

بعد مئة يوم مشتركة

في تجربة المئة يوم من عمر الحكومة، نظرتان «برتقاليتان» حكمتا العلاقة المستجدة مع زعيم «الزرق». نظرة لم تقنعها المبادرات الوافدة من «بيت الوسط»، فإذ بها تطالب بخطوات إضافية تعزز قنوات الاتصال، التي بدت في نظرها خجولة جداً، انطلاقاً من حسابات آذارية أبقت رئيس الحكومة أسير تحالفاته، دون الأخذ بعين الاعتبار التوازنات الطارئة.

نظرة متواضعة، تطلّعت إلى النصف الملآن من الكوب، الذي كان أصلاً فارغاً، تثني على أداء «الشيخ»، وترى فيه «رجل دولة» يسعى إلى إبقاء حبل التواصل متيناً. يتّصل شخصياً بالعماد عون، في حالات الضرورة، أو يرسل من ينوب عنه، للوقوف عند رأيه، لمزيد من التنسيق. وكلّها إشارات جيّدة، لا يفترض إهمالها.

في الحالتين، لا موانع بادية لدى «التيار الحرّ» في إنجاح الحريري في مهمته، ولا اعتبارات «مانعة» تحول دون قيام تفاهمات جديدة تزيد من تحصين الساحة الداخلية. لكن لذلك التفاهم، واجبات، أولها أن يكرّس الحريري فعلاً، لا قولاً، موقعه كرئيس حكومة كلّ لبنان، ليخرج ذاته من الدائرة الآذارية المقفلة. ثانيها أن لا يكرر تجربة والده الاقتصادية ـ الاجتماعية، وأن ينأى بعمله الخاص ومصالحه المالية عن القطاع العام... والأهم من ذلك، أن يحرر نفسه من تراكمات وأحقاد بعض الفريق الذي كان متصلا اتصالا وثيقا بالتجربة الحكومية السابقة، حيث التأثير لهذا الفريق في العديد من المفاصل لا يزال جليا.

بين «البرتقالي» و»الأزرق» «حليف الحليف»، سمير جعجع. فأن يقف نائبان من «تيار المستقبل» على «المنبر القواتي»، في «البيال» وأن يتحدث عاطف مجدلاني عن سجن سمير جعجع الذي سلّم سلاح «القوات»، «من أجل قيام الدولة وليس الدويلة»، وأن يؤكد أحمد فتفت على «إصرار تيار المستقبل» على استمرار 14 آذار، فهذا يعني أن مشاريع التقارب بين الرابية و»بيت الوسط» دونها عقبات. في الوقت نفسه، هناك من يعتقد أن الوقت كفيل بخلط الأوراق، لا سيما أن الحريري يتربّص لحليفه على الكوع، ويترقب أي خطوة ناقصة قد يقوم بها، ليتخلى عنه.. ويبدو هذا التقدير غير مقنع للكثيرين.

لكن للجنرال أيضاً، نظرته «الإيجابية» للتحالف بين «المستقبل» و»القوات». هذا «التلاحم» يمنحه فسحة من التحرّك واسعة، لتصويب قذائفه ناحية «القوى المهمّشة للمسيحيين» و»مؤسساتهم»، وفي طليعتها المؤسسة العسكرية، انطلاقاً من «التجربة الحريرية» مع الوالد، و»القواتية» بتاريخيتها. ولهذا، فإن إبقاء «قديم التحالفات على قدمه»، يقدّم مادة دسمة على المائدة «البرتقالية».

القراءة «المستقبلية»

على الطاولة «الزرقاء»، تتبوأ جدّية رئيس الحكومة في مدّ يده لـ»البرتقاليين»، القراءة. لتأتي من بعدها، الصواريخ المطلقة من الرابية، الموجّهة نحو «بيت الوسط»، بمثابة رسائل مفخخة، تضمر غير ما يقول مطلقوها. في منظار «بيت الوسط»، يبدو الفتور ظاهراً على الرابية، لأسباب لا تتصل بالرئيس الحريري، وإنما لاعتبارات تتعلّق بالعماد عون.

بالمبدأ، لا يعاني الحريري من مشكلة الانفتاح على أي من القوى اللبنانية، لكنه لا يحبّذ سياسة التفاهمات الثنائية، لأنها مهما قدّمت لطرفيها، فإنها ستنتج حكماً خصومة مع الآخرين، في حين أن المطلوب هو التفاهم العام.
في اعتقاد هذا الفريق أن الحديث عن «سقوف» مرسومة بأقلام إقليمية لا يمكن تخطّيها، لا صحّة له، أقله من جانبه.

وينقل هؤلاء كلاماً عن مسؤولين سعوديين، يعبّرون فيه عن دعمهم لكلّ الخطوات الانفتاحية التي يشهدها الداخل اللبناني. فالرياض بنظر هؤلاء، تقود وساطات تقريبية، ولا تضع «فيتو» على أي طرف، لا بل ترى في لبنان مختبر تعايش يدعّم نهجها في حوار الحضارات. ويدعو المسؤولون السعوديين حلفاءهم اللبنانيين، إلى مراعاة الخصوصية الداخلية، والحفاظ على الوحدة الوطنية، وتنوّع مكوناتها، بما في ذلك الشريك المسيحي.

وبعد فلفشة الأوراق، يتضّح من ثنايا الحديث، أن العقدة الأصعب على الحّل، التي تجعل من علاقة رئيس الحكومة بـ»سلَفه العسكري»، «عادية، وليس أكثر»، هي طموحات الأخير، الذي يريد أن يكون «سوبر شريك»، بديلاً عن حلفاء الحريري، في حين أن رئيس الحكومة لن يتخلى عن حلفائه. أضف إلى هذا الاعتبار، شبكة الأمان التي يشكلّها «تيار المستقبل» خلف رئاسة الجمهورية، الأمر الذي يثير حساسية مسيحية - مسيحية، تترجم من خلال تخفيف الاندفاعة «البرتقالية» تجاه «الفريق الأزرق».

في ميزان الفريق «المستقبلي»، أن الملف الاقتصادي لا يشكّل مساحة اختلاف، ذلك لأن العماد عون أبلغ الرئيس الحريري خلال لقاءاتهما السابقة، أنهما يلتقيان حول الرؤية الاقتصادية، ولو اختلفا على التسمية. بنظر هذا الفريق، أن السياسة الحريرية هي موضع انتقاد، لكن ما من بديل لها. وبتقديره أن الخلاف هو حول دور ووظيفة لبنان: هل هو ساحة حرب أم ساحة تأهيل للتسوية؟

... وعلى وقع العلاقة «المدوزنة» التي تصل «بيت الوسط» بالرابية، تتقد النار تحت «طبخة» الانتخابات البلدية، بكلّ احتمالاتها، تقسيمات القانون القديم، أو إصلاحات المشروع الجديد. في الحالتين، التلاقي في العاصمة شرّ لا مفر منه. وفي «المناخ البرتقالي»، قناعة مفادها أنه لا يمكن للحريري الابن ان يشذّ عن «عرف» الأب، علماً بأن «الجنرال» لن يرضى باستبدال تقسيم بيروت إلى دوائر، «والسما زرقا» إلا بقوننة المناصفة نصاً وليس قولاً، لأن النص يعطي أصحاب الحق حقّهم، أما العرف فيحوّلهم إلى «أهل ذمة». لذا، فإن التعاون العابر للاصطفافات بين «المستقبل» و»التيار الوطني الحر»، وارد، لأن «الأخ الأزرق مجبر وليس بطلاً». أما «المستقبل»، فلن يقبل «والسما زرقا» أيضا، بتقسيم العاصمة في البلديات، كما حصل في الانتخابات النيابية، ولا يفضل تثبيت المناصفة بالنص علما بأن النائب أحمد فتفت رد في يوم من الأيام على طرح الرئيس نبيه بري تشكيل الهيئة الوطنية العليا لالغاء الطائفية السياسية بالدعوة الى تثبيتها دستوريا!

Script executed in 0.17285084724426