أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

من سيدفع الثمن: أوباما أم نتنياهو؟

الخميس 08 نيسان , 2010 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,626 زائر

من سيدفع الثمن: أوباما أم نتنياهو؟

وبالرغم من أنه في المدى المنظور ـ أقلّه ـ لن تشكّل هذه الأزمة أي تحول استراتيجي في السياسة الخارجية الأميركية، وستبقى في إطار النقاش السياسي والأكاديمي والإعلامي، لكن يمكن الجزم بأن خسائر فادحة قد حلّت بإسرائيل نتيجة الأزمة، ولن تستطيع إسرائيل تحمل كلفتها، حتى لو عادت الأمور الى سابق عهدها بين الدولتين.

لفترة طويلة، عاش السياسيون والإعلاميون والأكاديميون الأميركيون في ظل «إرهاب» محكم وخشية من «عقاب» عسير لكل من تسوّل له نفسه انتقاد إسرائيل وسياساتها في فلسطين المحتلة. ومنذ 1967 يدعم الاميركيون اسرائيل بلا حساب، اقتصاديًا وسياسيًا وتكنولوجيًا وإعلاميًا ومعنويًا.

بالاضافة الى اليهود الأميركيين، يتألف داعمو إسرائيل في أميركا من المحافظين الجدد، وممن يطلق عليهم اسم «الجاكسونيين» المتأثرين بالأساليب العضلية والسريعة للرئيس أندرو جاكسون. هؤلاء هم قوميون متصلبون، مؤيدون لاستعمال القوة ويؤخذون بالانتصارات التامة، لذلك أيدوا إسرائيل بعد انتصارها الكاسح عام 1967. لكن الجاكسونيين أقل نفوذاً من المحافظين الجدد في الأوساط الثقافية والأكاديمية، لكنهم أكثر تمثيلاً للرأي العام الأميركي. 

تسيطر اللوبيات الداعمة لإسرائيل على مفاصل الحياة السياسية والإعلامية ومراكز الأبحاث الأميركية. لكن النفوذ الأكثر فعالية للوبي الإسرائيلي «ايباك» هو في الكونغرس الأميركي، حيث يعترف أحد العاملين السابقين في «ايباك»، بأن عمل اللوبي تحول من مجرد الدعم ومحاولة التأثير على السياسات الى «كتابة خطابات النواب وصياغة مسودات القوانين، وإسداء نصائح حول التكتيكات المستخدمة وتأمين الداعمين ومعاقبة المخالفين».

وقد استخدم اللوبي الإسرائيلي في أميركا لأجل ذلك استراتيجية محكمة تتجلى في:

ـ السيطرة على الإدراك والعقل اللاواعي لأي مشرّع أميركي أو مسؤول في الإدارة الأميركية، بشكل يمنعه من التردد في اتخاذ القرار بل الاعتماد على الخيار البديهي الذي يقول «دعم إسرائيل هو القرار الحكيم والصائب».

ـ السيطرة على عقول العامة من الأميركيين من خلال التسويق والدعاية لإسرائيل كدولة ضعيفة مضطهدة، يحيط بها أعداء إرهابيون يحاولون الفتك بها لأنها تؤمن بالديموقراطية والقيم الليبرالية الغربية، بينما هؤلاء يؤيدون التطرف والإرهاب والأصولية والديكتاتورية.

ـ والأهم من ذلك كله، منع أي نقاش علني للسياسات الإسرائيلية أو أي انتقاد لإسرائيل سواء داخل الكونغرس أو خارجه.

ومن هذه النقطة الأخيرة بالذات، بدأت الخسائر الإسرائيلية تتجلى في الداخل الأميركي، عندما اعترض أوباما وإدارته على مسألة المستوطنات علنًا، وأهم ما شدد عليه أعضاء اللوبي الإسرائيلي في معرض انتقادهم لأوباما هو مسألة «العلنية» هذه.

الخسائر الإسرائيلية بدأت عندما كسر بعض المجتمع الأميركي حاجز الخوف والصمت تجاه إسرائيل وسياساتها التوسعية، أو ببساطة عندما تخطى الأميركيون «المحظور» الذي فرضه اللوبي الإسرائيلي داخل بلادهم، وبدأ النقاش العلني.

منذ زيارة نتنياهو الى واشنطن ولقائه الفاشل مع أوباما، عجّت مواقع الانترنت ومراكز الأبحاث الأميركية بمقالات صهيونية منتقدة ومهددة أوباما، متهمة إياه بتغذية التطرف ومعاداة السامية، ومطلقة عليه صفات أقلها نعته بـ«الغباء» و«الرئيس الخطر»، ويبدو الأبلغ على الإطلاق الصورة التي يروّجها الإسرائيليون وهي صورة الرئيس الأميركي باراك أوباما ولديه شاربا هتلر. وبالرغم من أن اللوبي الإسرائيلي يثق بدعم مؤيديه من الأميركيين، إلا أنه غاب عنه أن مؤيديه الجاكسونيين هم قوميون متعصبون، ولن يقبلوا بإذلال رئيس بلادهم أو إهانته، وهنا الخسارة الإضافية التي قد تظهر بعد حين.

وفي ظل احتدام النقاش السياسي والإعلامي، استعاد مؤيدو أوباما التاريخ الأميركي فاستذكروا اعتراض الجنرال مارشال وانقسام الإدارة الأميركية حين تأسيس إسرائيل عام 1948، وكان تركيز على «المصلحة القومية الأميركية مقابل المصلحة الإسرائيلية»، مكتشفين أن سياسيين ونواباً داخل الإدارة هم «مزدوجو الولاء»، ما اعتبروه «خيانة وتفريطاً بمصالح الوطن لمصلحة دولة اخرى»، وهنا تتجلى الخسارة الإسرائيلية، وبعدما اكتشف الأميركيون أن أشخاصًا كدينيس روس مثلاً «يهمه المصلحة الإسرائيلية أكثر مما تهمه مصلحة أميركا وهيبتها»، وتساءلوا عن مدى موضوعية الاستشارات التي يقدمها في موضوع الصراع في الشرق الأوسط.

هكذا إذًا، كسر أوباما حاجز الخوف وفتح باب «النقاش المحرّم»، وأيقظ العقول الأميركية النائمة، أو بالأحرى المنومة، للتساؤل عن جدوى هذا الدعم المفرط لإسرائيل، وأين تكمن المصلحة الأميركية في كل ذلك؟

وبالرغم من عدم دخول الاتحاد الأوروبي بقوة على خط الأزمة الناشبة مباشرة بعد، إلا أنه من الملاحظ خفوت الأصوات المؤيدة لإسرائيل في الأطر الرسمية الأوروبية، فليس من مصلحة هؤلاء إغضاب الرئيس الأميركي أو إضعافه في مواجهته مع إسرائيل، ولا تأليب الرأي العام العربي والإسلامي ضدهم، ولا المساس بشعور الجاليات المسلمة التي تعيش في أوروبا، لذلك سيقفون الى جانب أوباما في معركته فيما لو طلب منهم ذلك، وهذا يعني عزلة دولية كاملة لإسرائيل وهنا خسارتها المؤكدة.

بلا شك، للسياسة المحلية الأميركية تأثير كبير على خيارات السياسة الخارجية التي تتخذها الإدارة، ولم يكن أوباما ليواجه نتنياهو بهذه القوة، لو لم يكن قد حقق لتوّه انتصارًا داخليًا بالتصويت على قانون الرعاية الصحية، ولكن الانتخابات النصفية الأميركية قادمة في شهر تشرين الثاني، وتتعالى الأصوات الصهيونية منذ الآن، مهددة الرئيس ومن يحالفه في هذه الانتخابات. وهنا التساؤل: ما الذي يمكن أن تسفر عنه هذه المواجهة بين أوباما ونتنياهو في الداخل الأميركي وماذا يحتاج كل منهما؟

يحتاج نتنياهو لصواريخ تطلق من غزة أو عملية ما تعيد خلط الأوراق، بينما يحتاج أوباما الى تحقيق انتصار ما في الملف النووي الإيراني كاستصدار قرار جديد بفرض عقوبات على إيران ولو فارغة المضمون. وفي هذه المواجهة، من سيدفع الثمن الأكبر؟ 

Script executed in 0.18818998336792