أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

من الفتنة بـ«الهلال الشيعي» إلى الحرب الإسرائيلية في تموز 2006

السبت 10 نيسان , 2010 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,665 زائر

من الفتنة بـ«الهلال الشيعي» إلى الحرب الإسرائيلية في تموز 2006

فلبنان قد دفع ـ وما زال يدفع، وربما أكثر من غيره من الأقطار العربية ـ ضريبة الدم نتيجة «الحرب الصليبية» التي باشرها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ضد ذلك الشعب العربي العظيم، في العشرين من آذار 2003، والتي أوصلت دباباته إلى بغداد في مثل هذا اليوم، بغير مقاومة تُذكر، ولأسباب معروفة أبسطها أن حكم الطغيان كان قد مهّد له وهيّأ له أسباب «النصر المجاني».

لقد كانت تلك الحرب نقطة تحوّل في تاريخ الأمة جميعاً، بحيث أعادتها كلها، تقريباً، إلى حظيرة الهيمنة الأجنبية، الأميركية أساساً ومعها إسرائيل دائماً...

بعد تلك الحرب سيكون ممكناً إشغال العرب بأنفسهم، وتمزيق أواصر القربى بينهم، وتسخيف كل حديث عن وحدة المصير، وإسقاط فلسطين من الذاكرة العربية وتركها لإسرائيل تقرّر محو مشروع «دولتها» العتيدة، واجتياح ما تبقى من أرضها وصولاً إلى القدس بمقدساتها جميعاً، وتدمير غزة بالحرب ثم بحصار مشترك أقسى من أي حرب...
وبعدها سيهرع النظام العربي إلى طلب السلامة بالخضوع للهيمنة وسيرفع كثير من رموزه عقيرتهم مستعطفين الأميركيين أن يجعلوا من عواصمهم قواعد لهم، مسفّهين كل من يلومهم على العودة ببلادهم إلى زمن الاحتلال ليسترهنها مجدداً.

وبعد تلك الحرب سيكون ممكناً لإسرائيل أن تحاول اجتياح لبنان «لاستئصال» المقاومة المجاهدة فيه بعدوان تموز 2006، مطمئنة إلى أن أحداً من أهله لن ينجده، بل وإلى أن أكثريتهم ستكون «معها» عملياً، وتحت ذريعة «مكافحة الإرهاب» الذي رآه بعضهم في «الهلال الشيعي» ولم يره في النجمة السداسية الإسرائيلية ولا في النجوم الأميركية الخمسين...

هي السنة السابعة للاحتلال الأميركي للعراق، إذاً، تمضي وقد تم استيلاد «عراق» آخر غير ما عرفنا وما عرف أهله، عبر تاريخه الطويل.

فهو عراق قد خسر مليوناً من أبنائه، وفيه الآن مليون أرملة، وثمة أربعة ملايين عراقي، على الأقل، مشرّدون خارج وطنهم، ومليونا عراقي مهجّرون في الداخل، وهو عراق يكاد يكون بلا دولة. نهب الاحتلال خيراته ثم أباح ما تبقى لمن تواطأ معه على شعبه، بحيث إن فيه أعلى نسبة فساد في العالم، ورموز سلطته على امتداد السنوات السبع ومن والاهم وساعدهم على نزح الخيرات إلى الخارج أو توظيفها في الداخل، يلعبون بالمليارات لعباً، ولا حسيب أو رقيب، بل لعل المحتل يزداد فرحاً بقدر ما تتزايد أعداد الفاسدين المفسدين من أهل السلطة.

برغم ذلك كله، قرّر العراقيون أن يتناسوا الاحتلال وأن يتجاوزوه، وأن يسقطوا من ذاكرتهم أشباح طائراته ودباباته ومدافعه وهي تدك عاصمتهم ومدنهم وقراهم، وأن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع بافتراض أنها سوف تجسّد إرادتهم باستعادة وطنهم ووحدتهم به وفيه.

نشأت أو أنشئت مئات «الكيانات السياسية»، ونسجت ـ بالأمر أو بالمصلحة ـ تحالفات بعضها طبيعي وبعضها مصطنع، ولأسباب بحت انتخابية، ومعظمها بلا قاعدة شعبية جدية، وهي بلا مناهج أو برامج محددة وواضحة. وفي كل كيان احتشدت دول كثيرة.

مع ذلك، نجح شعب العراق في التحدي: ذهب إلى الانتخابات باعتبارها وعداً بتقريب موعد جلاء قوات الاحتلال الأميركي، فاقترع للكيانات التي أُنشئت على عجل... وكان العراقيون يعرفون أن هذه الانتخابات التي أُخذوا إليها بالأمر ليست هي الديموقراطية، وأن «الكيانات» ليست تجسيداً للوحدة الوطنية، ولا هي معقد آمالهم في بناء العراق الجديد، عراق ما بعد الاحتلال. لكنهم أقبلوا عليها ليؤكدوا وحدتهم كشعب، وليؤكدوا ارتباطهم بأرضهم كوطن، وليؤكدوا جدارتهم بإقامة دولة كانت ـ باستمرار ـ وعداً عربياً بالنهوض والتقدم على طريق الغد الأفضل.

لقد فرز الاحتلال العراقيين طوائف ومذاهب وعناصر.. وبعثر أرض الرافدين مناطق وجهات شتى تظهرها الصور متباعدة، وكأن لا تاريخ يجمعها ولا حتى جغرافيا...

واجتهد الاحتلال في قطع التواصل التاريخي وفصل الماضي عن المستقبل بمنطقة حرام يصطنعها في غياب الشعب... بل إنه أعاد العراقيين إلى ما قبل ثورة العشرين وفرض عليهم خياراً مراً في المفاضلة بينه وبين الطغيان، حيث لا خيار.

لكن شعب العراق تجاوز لعبة الاحتلال، وحاول أن يتجاوز الواقع المفروض عليه بالأمر: ذهب إلى صناديق الاقتراع، صوّت لكيانات له اعتراض على الكثير من قياداتها، وتجاوز أشكال التحالفات التي لا قواعد واضحة لها، لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الاجتماع. وتناسى أن لفظة «الاحتلال» قد غُيِّبت تماماً عن اللعبة الانتخابية التي أدارتها عن بُعد، دول ومحاور وقوى مؤثرة.

لم يهتم لواقع أن الحــملات الانتخابية قد تكفلت بها فضــائيات وأجهزة في دول لم تعرف الانتــخابات في تاريخها، وما زالت تعتبر «الديموقراطية» رجساً من عمل الشيطان.

كان العراقيون يريدون أن يعيدوا استحضار وطنهم، بقدر ما مكّنتهم ظروف القهر والتخلي، مع وعيهم بأن الانتخابات لا ترسم صورة المستقبل تماماً، ولكنها تؤكّد حضورهم...

كان العراقيون يريدون إثبات كذب المبرّرات التي استخدمها الاحتلال في اجتياحه العراق، فهو لم يأت ليحرّرهم من الطغيان الذي كان معتمده على امتداد عقد من السنين أو يزيد، والذي وفر له المبرّر لاجتياح بلادهم.

وكان العراقيون يريدون إدانة الاحتلال الأميركي بجرم تدمير وطنهم وسحق مستقبلهم كشعب، وبين أبنائه العلماء وأبرع الأطباء وأرقى المهندسين وأعظم الفنانين وأخلد الشعراء وأمجد الكتّاب...

مع الذكرى السابعة للاحتلال الأميركي يتبدى العراقيون وكأنهم انتبهوا إلى أن وحدتهم هي الممر الإجباري إلى التحرّر وإلى «الدولة».

وأن وحدتهم، ونجاحهم في العثور على طريقهم إلى الدولة، مطلب عربي: فوحدة العراق تعني بداية القضاء على الفتنة الطائفية، وتعني عودة «العرب» إلى الحياة. وبهذا المعنى فهي تهم اللبنانيين كثيراً وتهم الفلسطينيين أكثر.

والأمل أن تكون هذه السنة آخر عهد العراق بالاحتلال... والجواب عند العراقيين، عرباً وكرداً وأقليات لا تحميها إلا الوحدة الوطنية... تماماً كما الأمر في لبنان.

Script executed in 0.21308898925781