أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

بعد ثورة الورود وثورة البرتقال... انهارت ثورة الأقحوان !

السبت 10 نيسان , 2010 09:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,240 زائر

بعد ثورة الورود وثورة البرتقال... انهارت ثورة الأقحوان !

كل هذه الثورات اندلعت في بلدان سوفياتية سابقة استفادت من انهيار الاتحاد السوفياتي ومن وهن الحكم الروسي في ظل بوريس يلتسين، واعلنت التحاقها بالمعسكر الأميركي وطموحها إلى الإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي... أسوة بالأكثرية الساحقة من بلدان أوروبا الشرقية والوسطى التي كانت تدور في الفلك السوفياتي. 

وبعد سنوات قليلة، تضعضعت ثورة الورود بفعل التدخل العسكري الروسي وخسرت جورجيا مقاطعتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. ثم اجتثت ثورة البرتقال من جذورها عن طريق الانتخابات الديموقراطية، وخطت أوكرانيا نتيجة ذلك خطوات واسعة على طريق العودة إلى حضن الشقيق الروسي. ثم سقطت ثورة الأقحوان، وعلى الفور أكد الحكم الجديد في قيرغيزيا عن الطبيعة "الاستراتيجية" للعلاقة بين قيرغيزيا وروسيا. 

لا شك بأن سوء الأوضاع الداخلية في البلدان الثلاثة قد لعب دوراً في الدفع باتجاه هذه التحولات. فساد حكومي ومحسوبية وانهيار اقتصادي وبطالة وفقر يضرب أكثرية الشرائح السكانية. 

لكن أثر هذا العامل الداخلي يظل جانبياً بالقياس إلى العامل الخارجي المحكوم بالتدافع الأميركي الروسي. وإذا كانت أميركا قد تمكنت، مع حلفائها الغربيين، من احتواء بلدان أوروبا الشرقية والوسطي بما فيها البلقان والبلطيق لأسباب منها تواطؤات روسيا يلتسين، وربما "حكمة" روسيا بوتين، أو خشيتها، من دفع المواجهة في أوروبا إلى حدودها القصوى، فإن روسيا بوتين تشددت إلى أبعد الحدود في الدفاع عن مواقعها في القفقاس وفي أوكرانيا، منفذها الوحيد على البحر الأسود، في وقت بدت فيه مطمئنة إلى حسن تطور الأوضاع، وإن بشكل بطيء، لمصلحتها في آسيا الوسطى. 

ويبدو أن تطور الأحداث يدلل على صحة الاستراتيجية الروسية في هذا الملف الثالث من ملفات الصراع بين أميركا وروسيا في مناطق نفوذ الاتحاد السوفياتي السابق. فبعد أوزبكستان التي أعلنت عن قوة علاقتها الاستراتيجية بروسيا، تأتي الأحداث الحالية في قيرغيزيا لتذهب في الاتجاه نفسه. 

فالمعروف أن قيرغيزيا قد حافظت، رغم تغير نظام الحكم فيها لمرتين منذ ثورة الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي، على علاقات متوازنة بين روسيا وأميركا وحققت فوائد سياسية واقتصادية بفضل هذا التوازن. 

لكن هذا التوازن تعرض للاختلال لصالح أميركا في ظل كرمان باكاييف الذي وصل إلى الحكم قبل خمس سنوات، بعد تحرك شعبي مشابه للتحرك الذي أطاح به قبل أيام.

فقد تخلى باكاييف عن التزامات تجاه روسيا، وعمد  إلى التضييق على الشركات ووسائل الإعلام الروسية، وباع الوقود المستورد من روسيا بأسعار تفضيلية إلى "ماناس" القاعدة الجوية الأميركية الضخمة القائمة على الأراضي القرغيزية، وأساء، بحسب الروس، استخدام المساعدات الروسية المقدمة إلى بلاده.

وقد رد الروس، منذ ستة أشهر بإجراءات تصعيدية منها إلغاء المعاملة التفضيلية التي تستفيد منها قرغيزيا في مجال الطاقة.

إلا أن المشكلة تفاقمت خصوصاً من خلال التجاذبات المحيطة بقاعدة "ماناس" ذات الأهمية الحيوية بالنسبة للحرب الأميركية في أفغانستان. فالروس نظروا بعين الاستياء إلى هذه القاعدة منذ إنشائها وقدموا لقرغيزيا مبلغ ملياري دولار لقاء وعد من باكاييف بالعمل على تفكيكها.

وبدلاً من الوفاء بوعده، لجأ باكاييف إلى المساومة، وأبقى على القاعدة الأميركية لقاء رفع قيمة تأجيرها من 17 مليون دولار سنوياً إلى خمسين مليون دولار. 

كل هذه الوقائع تشير، إضافة إلى تأكيد الحكومة المؤقتة الحالية على متانة العلاقة مع روسيا، إلى أن انتكاسة قد أحاقت بالنفوذ الأميركي في قيرغيزيا. مع نذر انتكاسات مماثلة في سائر آسيا الوسطى. 

وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الأميركيين عاجزين عن فهم ما يجري في قيرغيزيا، وعن اتخاذ قرار بشأن شرعية النظام الجديد، أعلن رئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين، عن مباركته للنظام الجديد، واعترفت روسيا بهذا النظام، وأرسلت جنوداً إلى قواعدها العسكرية في قيرغيزيا في خطوة ذات دلالة على حرصها على مساعدة الحكومة المؤقتة على نشر الأمن في البلاد. 

والأهم من كل ذلك أن روسيا قد سارعت إلى المطالبة بإقفال قاعدة "ماناس"، الأمر الذي لن تجد الحكومة المؤقتة مناصاً من الإقدام عليه في ظل حاجتها الملحة إلى الدعم الروسي. 

والظاهر أن باكاييف الذي هرب من العاصمة القرغيزية، بشكيك، يمد بصره نحو الأميركيين الذين لا يملكون، في ظل هزائمهم وتورطاتهم المركبة في أكثر من مكان ومجال، غير خذلانه شأن ما فعلوه مع ساكاشفيلي جورجيا وغيره، وشأن ما هم على كامل الاستعداد لفعله تجاه كل المرتبطين بهم من حكام يستمدون من أميركا وحلفائها كامل شرعيتهم و"سيادتهم" المهزوزة. 

Script executed in 0.19484210014343