أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

ليتوانيا وجنوب أفريقيا في 13 نيسان اللبنانيّة

الإثنين 12 نيسان , 2010 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,330 زائر

ليتوانيا وجنوب أفريقيا في 13 نيسان اللبنانيّة

آخر التسالي المتوافرة هي الانتخابات البلدية والاختيارية، التي في زمن الإنترنت والتكنولوجيا ستنتج «مخاتير»، بعضهم «أميّون» يُشغَل المحازبون و«الجماهير»، «والأنصار» و«الأزلام» بهم إلى درجة أنهم يدفعون حتى بقيادة المقاومة إلى البحث في «استراتيجية» الحفاظ على «التوازن بين العائلات»، لكونه «صِمَام الأمان للسلم الاجتماعي». لا أحد دون استثناء في الساحة السياسية، يصرف جزءاً من ديناميته المسخّرة «لانتخابات المخاتير» في البحث عن عُقد الدين العام ومكوّناته، الذي سيطاول يوماً ما ديمومة عيش كل طفل وامرأة ورجل وكهل في هذا البلد «شبه الوطن».

هل من يلتفت إلى أن لبنان أصبح البلد الأسوا في العالم حسب المراجع المصرفية الدولية، (وهذه ليست مبالغة إنشائية) بعد زيمبابوي فقط في تصنيف مديونية الدول، علماً بأنّ التصنيف يفترض أنّ نسبة الدين على الناتج في لبنان هي 181%، بينما الرقم الصحيح يفوق الـ200%.

هل من قرأ الأسبوع الفائت تقريراً في الصحافة العالمية عن دولة بلطيقية اسمها ليتوانيا. عدد سكانها 3.5 ملايين نسمة ونسبة دينها على الناتج 18% فقط، ودخلها الفردي 13.700 دولار (ما يساوي الدين على الفرد في لبنان)، ومع ذلك ظلّت حكومتها قلقة على مستوى دينها. توحّدت السياسة على إجراءات مالية لخفض نسبة عجز الموازنة على الناتج إلى 3% (لبنان 16%)، قررت الحكومة خفض الإنفاق بنسبة 30%، والرواتب بين 20و30% حسب الرتبة، كما خفضت منافع التقاعد 11% . لم تكتفِ الحكومة بذلك بل بادرت إلى رفع الضرائب على كل مرافق الاستهلاك من الأدوية والكحول.

لعلّ الإجراءات التي اتخذتها حكومة ليتوانيا، والتي أجمع البعض على أهدافها لضبط نمو الدين، غير شعبية، ولاقت معارضة نظراً إلى الانكماش الاقتصادي الذي سبّبته والتضييق على العاملين والمتقاعدين. لكن هذه الإجراءات التي جرت دون تدخّل من صندوق النقد الدولي، كما العادة، جعلت ليتوانيا مثالاً للدولة المسؤولة التي تأخذ مصيرها بيدها، بدلاً من الهرب إلى الأمام عبر بعض الشعارات، مثل «ليس المهم حجم الدين»، «بل المهم تكبير حجم الاقتصاد» أو «خفض نسبة الدين على الناتج». ليتوانيا قلقت ونسبتها 18%، ولبنان «المخاتير» الـ200% غير قلق.

ما الذي يميّز ليتوانيا عن لبنان وهما متشابهان في عدد السكان وطبيعة الاقتصاد وحجمه، (بما فيه «الجمال والتجميل» الرأسمال الأهم للبنانيات)؟ ليس في ليتوانيا 18 طائفة وأحزاب وتيارات وعشائر و«مخاتير»، كما في لبنان. تطمح إلى دولة تدخل في «حضارة» الاتحاد الأوروبي والمعايير الأخلاقية والشفافية والمحاسبة في الحكم والسياسة التي لم يعرفها لبنان منذ ولادته.

تأتي هذه المقارنة وغداً ذكرى 13 نيسان الأليمة. شرارة لحرب بشعة نتيجة غياب الأخلاقية في السياسة «المتذاكية» الموصومة بالشوفينية بدءاً من «الفينيقية» إلى العشائر التي ترى نفسها أهمّ من لبنان كله، (جبران خليل جبران في أدبه «ويل لأمة»).

متى يستفيق اللبنانيون من عنجهيتهم وغرورهم. «تحدثوا الفرنسية» قبل أهل المنطقة فعدّوا أنفسهم حضاريين متقدمين على المحيط «المتخلّف»، الذي بمجمله أصبح اليوم ينظر إلى لبنان كمتخلّف، اللهم إلّا في إنجازاته «التلفزيونية» أو نواديه الليلية...

المغتربون إلى أفريقيا أحبّوها واليوم يحترمونها لأن شعوبها تنتخب رؤساءها، أمّا الباقون، فتعالوا عليها كما معظم العرب بعنصرية. بعض هذه «الأفريقيا» أكثر حضارةً وأخلاقاً من لبنان. فجنوب أفريقيا لم تهدأ حتى أنشأت اللجنة الخاصة برئاسة الكاهن ديسموند توتو، ليقف أمامها من مارس العنصرية والإجرام ويستسمح من ضحاياه. أما في لبنان، فما زال من حرم شعبه 150 ألف فلذة كبد وأعاق جسدياً 400 ألف منتج هو الحاكم بأمره، بل يطلب التمجيد له ممّن يجب عليه الانحناء أمامهم.

60 مليار دولار دين، وضمان اجتماعي لمليون و200 ألف نسمة مرهون بالسياسة. رفض للنسبية لكونها «معقّدة» للجاهلين، وتثبيت للكره المذهبي.

مجارير تطوف وأرصفة أصبحت حلماً، هاتف وكهرباء ومياه تستحي بها دول تعالى اللبنانيون عليها، قضاء فاسد، وقوى أمنية أصبحت جزر طوائف، وقادة روحيّون يباركون للسياسيين الذين هم عرّابوهم. لمَ لا وهناك عشائر وأفراد يتحمّلون كل ذلك ثم يعودون ليحملوا «أسيادهم» على الأكتاف ليعودوا بعدها إلى إطلاق صرخات اليأس منهم.

زهق القلم من الكتابة ونفرت النفس من الانتماء، وأصبحنا جميعاً كزوجة النبي إبراهيم بين «الصفا والمروة». وإنّ غداً لناظره قريب.

Script executed in 0.20744895935059