أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الحريري يرفض «الثلث البلدي المعطل».. وعون ليس «شاهد زور»

الثلاثاء 13 نيسان , 2010 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,056 زائر

الحريري يرفض «الثلث البلدي المعطل».. وعون ليس «شاهد زور»

برغم ان التركيبة الديموغرافية في بيروت تجعل من المسيحيين أقلية ناخبة، لا سيما في ظل الدائرة الواحدة، إلا ان الخصوصية التي تتمتع بها العاصمة حوّلت المناصفة في عضوية المجلس البلدي بين المسلمين والمسيحيين الى عرف عابر للأعداد والأحجام وإن يكن ضمان عدم المساس بهذا العرف يحتاج في كل مرة الى جهد استثنائي، لئلا تطيحه الزوابع الطائفية والمذهبية الساكنة في النصوص.. والنفوس.

ولكن المناصفة وحدها لا تحل كل المشكلة، ذلك ان الحفاظ على التوازنات في التمثيل السياسي داخل الأوعية الطائفية والمذهبية يشكل بحد ذاته تحدياً كبيراً، غير مضمون النتائج. صحيح ان حصة المسيحيين المتمثلة في 12 مقعداً ستكون من حيث المبدأ محفوظة، إلا ان الصحيح ايضاً هو ان كيفية توزيع هذه المقاعد على القوى المسيحية ما زالت تشكل عقدة كبيرة امام التوافق الذي يبدو الجميع راغباً فيه، إنما كلٌ حسب رؤيته وشروطه.

ولعل الرئيس سعد الحريري يجد نفسه في موقع شديد الحراجة وهو يصيغ مسودات المعادلات الحسابية ويضرب أخماساً بأسداس، سعياً الى توزيع عادل للحصص المسيحية في المجلس البلدي على مروحة من الألوان تشمل تكتل التغيير والاصلاح، القوات اللبنانية، حزب الكتائب، المطران الياس عودة، المطران جورج خضر، الوزير الأسبق فؤاد بطرس، الوزير ميشال فرعون، الأرمن، والمستقلين.

يدرك الحريري ان مفاوضات صعبة تنتظره، للتوفيق بين الطلبات المتناقضة لخصومه وحلفائه في آن واحد. هو يعلم ان غياب عون سيكون بمثابة فجوة كبيرة في جدار التمثيل البلدي ولوحة التوافق الوطني، ولكنه يعلم ايضاً انه لا يستطيع ان يعطيه كل ما يريده. ويعرف الحريري ان حلفاءه من مسيحيي 14آذار يريدون ان يحظوا بالأرجحية في المجلس البلدي مستندين الى رصيدهم النيابي في بيروت حيث فازوا على التيار الحر خمسة – صفر، إلا انه يعرف ايضاً ان هناك تلاوين مسيحية أخرى يجب ان تتمثل ولا يجوز تجاهلها.

في كل الحالات، يبدو الحريري صاحب مصلحة حقيقية في التوافق، استناداً الى الاعتبارات الآتية:

- إن موقعه كرئيس للحكومة يتطلب منه ان يظهر في مظهر المتوازن في أدائه وتوجهاته، والابتعاد عن خوض أي معركة بلدية في مواجهة فريق آخر يشكل أحد مكونات حكومته.

- إن التوافق يضمن إنتاج المناصفة بشكل تلقائي وسلس في المجلس البلدي، في حين ان الصدام الانتخابي قد يجعل الامور تخرج عن السيطرة، وربما يلجأ الناخب البيروتي تحت تأثير التعبئة والاحتقان الى تركيبة لائحته الخاصة من دون مراعاة عُرف المناصفة، الأمر الذي سينطوي على انتكاسة للحريري وللتقليد السائد منذ ايام والده رفيق الحريري.

- إن خيار المعركة سيعيد إنتاج التوتر الداخلي وسيهدد الاستقرار الهش الذي تعوم عليه حكومة الحريري، عدا عن ان هذا الخيار سيفرض على رئيس تيار المستقبل تخصيص موازنة مالية كبرى لتمويل متطلبات المواجهة الانتخابية، في وقت يمر التيار في ظروف مادية غير مريحة.

وفي موازاة الحرص على التوافق، تشدد مصادر في تيار المستقبل على ان الحريري لن يقبل بأن يحول الآخرون هذا الحرص الى نقطة ضعف لديه، توظف ضده. بمعنى آخر، لن يخضع رئيس الحكومة الى الابتزاز ولن يسمح بـ»التشبيح» عليه وزرع «ثلث معطل» في داخل المجلس البلدي، كما تؤكد المصادر التي تلفت الانتباه الى ان العماد عون يجب ان يدرك انه لا يملك اوراقاً رابحة في بيروت، فهو خسر المقاعد النيابية الخمسة في الاشرفية ولا يمثل وزناً سياسياً او ديموغرافياً ذا شأن في العاصمة، وبالتالي فمن الافضل له ان يوافق على صيغة توافقية معقولة لأن موازين القوى ليست في مصلحته، وتنقصه المقومات الضرورية لمعركة متكافئة، ضمن الحدود الدنيا التي تحفظ ماء الوجه.

وفي حين تفيد المعلومات ان الحريري مستعد لمنح تكتل التغيير والاصلاح خمسة مقاعد في المجلس البلدي تتوزع على عضوين أرمنيين وثلاثة آخرين (مسيحيين اثنين + سني، أو ثلاثة مسيحيين) يسعى العماد عون في المقابل الى ان يتمثل التكتل بما بين 6 و 7 أعضاء وذلك على قاعدة النتائج الافتراضية التي كان يمكن ان تفضي اليها الانتخابات لو جرت على قاعدة النسبية.

يعتبر عون انه ما دام الجميع في مجلس الوزراء، بمن فيهم الحريري، قد وافقوا على مبدأ النسبية، وما دام ان الاسباب المعلنة للتراجع عنها في مجلس النواب هي اسباب تقنية فقط، فإنه يمكن الاتفاق على اعتمادها كمعيار تقريبي لتحديد الاحجام في المجلس البلدي لبيروت، انطلاقاً من تجميع الارقام التي حصلت عليها المعارضة خلال الانتخابات النيابية الاخيرة في الدوائر الثلاث للعاصمة، ومن ثم «تقريشها» على مستوى الدائرة الواحدة.

ووفقاً لحسابات التيار الوطني الحر فإن المعارضة تنال على اساس هذه المعادلة ما بين 9 و10 أعضاء، من ضمنهم ما بين 6 و7 أعضاء لتكتل التغيير والاصلاح، علماً ان اوساط التيار تلفت الانتباه الى ان المعارضة السنية اصبح لها حضورها الشعبي ويفترض ان تكون ممثلة بعضو واحد على الاقل في الحصة السنية داخل المجلس البلدي.

وبهذا المعنى، فإن العماد عون لا يبدو مستعداً للمشاركة في مشروع الائتلاف بأي ثمن. بالنسبة اليه لا بد من إعطائه الحجم الذي يستحقه والذي يتيح لحضوره في المجلس البلدي ان يكون منتجاً، لا شاهد زور يغطي قرارات المجلس من دون ان يكون قادراً على التأثير فيها. ويؤكد المحيطون بالجنرال ان طرحه ليس للمناورة او لجس النبض، مشيرين الى ان تجربة التفاوض حول حكومة الوحدة الوطنية هي أكبر دليل على انه في العادة يعني ما يقول.

وإذا وصلت المفاوضات مع الحريري الى حائط مسدود - الامر الذي يستبعده اكثر من مصدر مطلع - سيكون امام العماد عون ان يعتمد واحداً من خيارين: إما مقاطعة الانتخابات البلدية في العاصمة والاكتفاء بالمشاركة في «الاختيارية»، وإما خوض معركة إثبات الوجود برغم معرفته انها ستكون خاسرة على مستوى الأرقام النهائية بفعل الخلل الكبير في موازين القوى الديموغرافية... في ظل أرجحية للخيار الثاني اذا لم يحصل التوافق.

ولعل حزب الله أكثر الراغبين في نجاح فرصة التوافق، لأن اي معركة ستضعه في موقع حرج، فهو لا يستطيع ان يتخلى عن حليفه العماد عون إذا فُرضت المواجهة، ولكنه لا يريد في الوقت ذاته توتير العلاقة مع الحريري وإعادة تحريك أوكار دبابير الفتنة السنية الشيعية على إيقاع انتخابات بلدية لا تحتل الأولوية في حسابات الحزب الاستراتيجية... وهو يأمل بالتوصل الى توافق لا يستثني أحداً ويكرس المعادلة الشيعية التقليدية القاضية بتوزيع المقاعد الشيعية الثلاثة على كل من «حزب الله» (1) و»أمل»(1)، على أن يكون الثالث من نصيب «المستقبل» الذي يجيره منذ عام 1998 لآل بيضون. 

Script executed in 0.17070984840393