أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

تاريخ من الليونة الأميركيّة مع الغموض النووي الإسرائيلي

الأربعاء 14 نيسان , 2010 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,853 زائر

تاريخ من الليونة الأميركيّة مع الغموض النووي الإسرائيلي

وبقي السلاح النووي الإسرائيلي السرّ الأكثر انكشافاً في العالم، مع صور قاعدة «سدوت ميخا» بعدسات أقمار التجسّس الأميركيّة.

على أرض الواقع، عارضت واشنطن منذ 1946 انتشار الأسلحة النووية، لكنها حتى ستينيات القرن الماضي لم تترجم هذه المعارضة الى سياسة متماسكة ومحددة لحظر انتشار الأسلحة. فقد وجد الرئيس الأميركي الراحل جون كيندي عندها أن مسألة انتشار الأسلحة النووية تُعدّ مشكلة للسياسة الخارجية، وأقرّ خلفه ليندون جونسون فكرة عقد معاهدة حظر الانتشار كحل لهذه المشكلة.

لكن في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإسرائيلي، كانت الدولة العبرية شاهداً قوياً على فشل حكومة الرئيس الأميركي الأسبق داويت إيزنهاور بالتصدي للانتشار النووي. الإدارة اللاحقة برئاسة كينيدي كانت الأشدّ حزماً في التعامل مع المشكلة الإسرائيلية. ففي الوقت الذي كان فيه كينيدي ملتزماً بأمن إسرائيل، كان قلقاً تجاه انتشار الأسلحة النووية، إلى أن وقع صدام في ربيع وصيف عام 1963.

وفي عهد خلفه جونسون، وُضع ترتيب خاص تعهدت بموجبه إسرائيل بأن لا تكون أول من يدخل الأسلحة النووية الى الشرق الأوسط، في مقابل أسلحة أميركية.

منذ هاري ترومان، عارض كل الرؤساء الأميركيين انتشار الأسلحة النووية. وقد عزز قانون الطاقة الذرية لعام 1946 هذه المعارضة عن طريق حظر نقل أسلحة نووية أو أي تكنولوجيا نووية باعتبارها «معلومات محظورة» الى دول أخرى.

لكن سجل حكومة ايزنهاور يُظهر أن منع انتشار الأسلحة النووية لم يكن أولوية قصوى مثل المشاركة في فوائد الطاقة النووية في الصناعات المدنية في إطار ما سُمّي «الذرة من أجل السلام».

وهذا الافتراض (الاستخدام السلمي للذرة) أصبح جزءاً من القانون التأسيسي لوكالة الطاقة الذرية الدولية (1956)، الذي لم يمنع دولة عضواً من امتلاك الأسلحة النووية. وابتداءً من منتصف الخمسينيات، أصبح واضحاً أن الدول المتقدمة تكنولوجياً كانت قادرة على امتلاك أسلحة نووية بجهودها الخاصة.

وعندما قُدّمت فكرة عقد اتفاقية دولية لمنع المزيد من انتشار الأسلحة النووية في الأمم المتحدة عام 1958 من قبل إيرلندا، أيّد الاتحاد السوفياتي الفكرة، بينما عارضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. ومع تعديل مشروع القرار، أيدته الولايات المتحدة، بينما امتنع الفرنسيون والسوفيات عن التصويت عليه.

وفي 1960، ومع المزيد من التعديلات، صوّت السوفيات لمصلحة المشروع، بينما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت. تغييرات في الموقف تكشف عن صراع واضطراب داخل إدارة إيزنهاور حول جدوى سياسة منع انتشار الأسلحة النووية وأولوية الاستفادة من الطاقة النووية السلمية.

ومثّلت إسرائيل معضلة للسياسة الأميركية. وتعطي الحالة الإسرائيلية صورة دراماتيكية عن عجز سياسات حكومة إيزنهاور في ما يتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية. ففي تقرير تشخيصي لمجلس الاستخبارات عن الوضع النووي الإسرائيلي، تبيّن أن الأمر احتاج الى ثلاث سنوات تقريباً لكي تقرر الولايات المتحدة أن إسرائيل تقوم ببناء تسهيلات نووية رئيسية، لها مضاعفات عسكرية قوية. وهذا التأخير الطويل يعود الى فشل أساسي من الاستخبارات الأميركية.

ورجح تقرير مجلس الاستخبارات الأميركي أن يكون الإسرائيليون قد اتخذوا القرار بالمضيّ قدماً في برنامجهم النووي في 1956 وأن التعاون مع فرنسا حول هذا المشروع قد بدأ في موعد أقصاه عام 1957، وأن المعلومات كانت متوافرة لدى بعض عناصر الاستخبارات في نيسان 1958. التخبط والإرباك داخل جهاز الاستخبارات في حكومة إيزنهاور أديا الى أمور أكثر من مجرد عدم المراقبة وسوء التقدير. فسياسات هذه الإدارة في المجال النووي، أوجدت جوّاً قاد الى انهيار الرقابة. واستغلت إسرائيل بصورة متعمدة هذا الجو في جهودها لإخفاء أعمالها.
وأصبحت مهمة حكومة كينيدي التي ستتولى السلطة التأكد من أن مثل هذا التخبط والارتباك الاستخباري لن يحدثا ثانية.

جون كينيدي كان أول رئيس أميركي يقتنع بأن انتشار الأسلحة النووية سيخلق عالماً أكثر خطورة ويقوّض النفوذ العالمي لأميركا. وكما قال رئيس لجنة الطاقة الذرية غلين سيبورغ، كان الانتشار النووي «الكابوس الخاص» لكينيدي.

فقد أيد اتفاقية لحظر إجراء التجارب النووية، وهذا التأييد يعود بصورة جزئية الى رؤيته لهذه الاتفاقية كأداة لمنع انتشار الأسلحة النووية. والمثال الوحيد الذي استخدمه كينيدي لإظهار وجهة نظره كان إسرائيل.

ومشكلة مفاعل ديمونا النووي كانت أبعد من إسرائيل؛ كانت تتناول كيفية محاربة الانتشار النووي بصورة فعالة على مستوى العالم ككل. ومارس كينيدي الضغط على إسرائيل خلال النصف الأول من 1961، وفي أيامه الأولى تلقى تقارير شفوية ومكتوبة تؤكد كلها أنه يجب وضع ديمونا تحت ضمانات دولية أو تضمن على الفور تفتيشاً أميركياً للموقع. وبعد ضغط أميركي مستمر وسلسلة من التأخيرات الإسرائيلية، وافق بن غوريون على قيام فريق أميركي بزيارة ديمونا لكن بصورة سرية. توصل العلماء الأميركيون الى استنتاج بأن المفاعل غير المستكمل «هو من النوع السلمي الذي وصف سابقاً للولايات المتحدة».

وبسبب سيطرة إسرائيل على الزيارة، تشككت «سي آي إيه» بصحة تقرير لجنة الطاقة الذرية الأميركية.

لم يكن هناك مجال لإدارة كينيدي سوى قبول التقرير. ولم يمارس كينيدي أي ضغط جديد. المجابهة التي خشيها بن غوريون مع كينيدي لم تقع «فقد جرى إنقاذ المفاعل»، كما كُتب في سيرة حياة بن غوريون.

أزمة الصواريخ الكوبية في تشرين الأول 1962، كانت تجربة مرهقة وصعبة بالنسبة إلى كينيدي. فقد أكدت القلق بشأن العيش في ظل القنبلة وعززت اقتناعه بأن انتشار الأسلحة النووية يعدّ خطراً عالمياً لا بد من احتوائه.

وفي ربيع عام 1963، كانت الدولة العبرية في مركز جهود كينيدي بعد تقديم دراسة جديدة له قد تنبّأت بامتلاك إسرائيل قنبلة نووية وحذّرت من عواقب ذلك.

وطلب الرئيس الأميركي بعدها من بعض أركان إدارته إعداد «شكل من أشكال» الضمانات الدولية أو الثنائية الأميركية ـــــ السوفياتية للحد من هذه الأخطار. وكانت النتيجة مذكّرة العمل الصادرة عن مجلس الأمن القومي بعنوان «القدرات النووية للشرق الأوسط» التي طلبت «تفتيشاً غير رسمي لمجمع المفاعل الإسرائيلي في الحال ويكون شاملاً الى أقصى قدر ممكن».

واستمرت معركة ديمونا بين كينيدي وبن غوريون ما بين نيسان وحزيران 1963. وبعد أخذ ورد وطلبات بتقديم ضمانات أمنية واستجابات ومماطلات، وافق بن غوريون على مضض على أن تكون هناك زيارات دورية لوفود أميركية لديمونا.

وبعد ذلك بوقت قصير، استقال بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل وانتقلت مهمة حل المجابهة مع كينيدي الى خليفته ليفي أشكول. وفي رسالة شديدة اللهجة الى أشكول، حذر كينيدي من أقوى العقوبات الأميركية ضد إسرائيل. وهدد بأنه إذا لم تسمح الدولة العبرية بزيارات أميركية لديمونا، بموجب شروطه القاسية، فإنه سيحرمها من التزام أميركي بأمنها. ودخلت العلاقات الأميركية ـــــ الإسرائيلية في أزمة.

في ذلك الوقت، كان كينيدي مشغولاً بجدول أعمال معقد يتعلق بالإشراف العالمي على الأسلحة النووية، وخصوصاً الربط بين قضايا معاهدة حظر التجارب النووية وقضايا انتشار الأسلحة. وكان يبدو أن مشكلة إسرائيل جزء لا يتجزأ من برنامجه النووي العالمي.

وفي نيسان عام 1963 قدمت الولايات المتحدة للاتحاد السوفياتي مسودة إعلان بمنع نقل الأسلحة النووية، على اعتبار أنه أول مسودة معاهدة أميركية لمنع انتشار الأسلحة. وفي إطار المفاوضات مع الاتحاد السوفياتي، كانت إسرائيل وألمانيا الدولتين الوحيدتين اللتين رغبت واشنطن في تحمل بعض المسؤولية تجاه عدم امتلاكهما الأسلحة النووية.

إلا أن مهمة المندوب الأميركي في موسكو لم تأت ثمارها. وحتى من دون إحراز تقدم مع السوفيات، واصل كينيدي انتهاج سياسته الحازمة والهجومية بشأن حظر انتشار الأسلحة النووية، مركزاً بصورة أولية على المسألة الإسرائيلية. ورأت واشنطن أن إسرائيل هي الأكثر تصميماً بعد الصين على إنتاج ونشر الأسلحة النووية والأكثر خطورة في هذا المجال من كل الدول الغربية.

أدّت ضغوط كيندي إلى بعض النتائج الملموسة، ووافق أشكول على زيارة وفد علماء أميركي لديمونا، لكنه ترك جوابه غامضاً بشأن عدد هذه الزيارات.

اغتيل كينيدي (1963) وأقسم ليندون جونسون اليمين القانونية رئيساً للولايات المتحدة. وبالنسبة إلى الأخير، فإن الانتشار النووي لم يكن مسألة مهمة كما كانت بالنسبة إلى كينيدي. كما لم يكن لديه تصور كبير خاص به عن انتشار الأسلحة النووية، إلا بعدما أُجبر على التعامل مع تقرير «غلباتريك» الخاص بتأليف قوة عمل خاصة. أما في ما يتعلق بديمونا، فقد اتبع جونسون ترتيبات كينيدي من خلال مساعديه، لكن من دون أن يكون لديه الاهتمام الشخصي الذي كان يعلّقه كينيدي على ديمونا.

وخلال فترة قصيرة، كان هناك شعور بأن بالإمكان كبح الحالة النووية الإسرائيلية من خلال الوسائل الثنائية. وكان قرب حدوث التجربة النووية الصينية هو الذي نقل قضية الانتشار النووي الى مقدمة البرنامج السياسي لجونسون في 1964. ففي أواخر هذا العام، وطبقاً لما تنبأت به الاستخبارات الأميركية، فجرت الصين أول قنبلة نووية، وهو ما أثار إمكان حدوث سلسلة من ردود الفعل بشأن الانتشار النووي، وخصوصاً من جانب الهند واليابان وباكستان.
وبالنسبة إلى إسرائيل، كان هناك شعور في واشنطن بأن مشكلتها النووية قد تجرى احتواءها، على الأقل سياسياً. وأن هذا الأمر قد يظل قائماً طالما أن الولايات المتحدة تلبي احتياجات إسرائيل من الأسلحة التقليدية.

وبعد شهر من التفجير الصيني، عين الرئيس جونسون قوة عمل خاصة برئاسة وكيل وزارة الدفاع السابق روسويل غلباتريك لدراسة مشكلة الانتشار النووي وكيفية قيام الولايات المتحدة بمحاربته.

وأعطى تقرير «غيلباتريك» توصيات سياسية تتعلق بدول غير نووية محددة. وكانت إسرائيل واحدة من هذه الحالات. وجاء في التقرير أنه «إذا ما ظلت إسرائيل دولة غير نووية، فإن علينا أن نواصل إعطاءها ضمانات ضد القضاء عليها، وأن نوضح لإسرائيل أن هذه الضمانات ستسحب إذا طورت قدراتها النووية العسكرية».

لجنة «غيلباتريك» كانت حجر الزاوية في إظهار أهمية عقد معاهدة لمنع انتشار الأسلحة النووية على أهداف السياسة الخارجية الأميركية. لكن إدارة جونسون واجهت معضلة بين التزامها بقضية حظر انتشار الأسلحة النووية ومتطلبات مستقبل الترتيبات النووية الأميركية مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا.

وبالنسبة إلى إسرائيل، فقد أصبح واضحاً في 1966 بأن الترتيب النووي الذي تم الاتفاق عليه بين كينيدي وأشكول قد أصبح موضع خلاف. فتلك التفاهمات كانت غامضة جداً. والقضايا الرئيسية كانت موضع تفسيرات مختلفة. ومن الناحية العملية فإن التفسيرات الإسرائيلية هي التي سادت.

وفيما استمرت إسرائيل بتدمير الشروط التي أصر عليها كينيدي، فإن الزيارات الدورية لديمونا «أصبحت تثير غثياناً سياسياً للطرفين». وفي منتصف 1965، أرسل جونسون رسالة الى أشكول طلب فيها بأن توافق إسرائيل على وضع مفاعل ديمونا تحت ضمانات لجنة الطاقة الذرية الدولية. ولم يُجب أشكول.

أقرّت بعدها الاستخبارات الأميركيّة أن هذا الترتيب الثنائي قد فشل في وقف الجهود الإسرائيلية وأن البرنامج الإسرائيلي لن يتوقف.

وعندما قام هريمان وكومر بزيارة إسرائيل في آذار 1965، كان أحد الأهداف إقناع الإسرائيليين باستبدال الترتيب الخاص بالزيارات لديمونا باتفاقية ضمانات رسمية مع وكالة الطاقة الذرية الدولية. وبعد ذلك بعام كانت الولايات المتحدة مستعدة لتزويد إسرائيل بمصنع نووي لتحلية مياه البحر، في مقابل موافقة إسرائيل على قبول الضمانات، لكن الأخيرة رفضت.

وأثناء المفاوضات حول معاهدة حظر انتشار الأسلحة، اعتقد المسؤولون الأميركيون بأن هناك فرصة معقولة لإقناع إسرائيل بتوقيع المعاهدة إذا انتُهجت سياسة العصا والجزرة.

لكن في صيف عام 1967، لم يكن لدى حكومة جونسون أي فرصة حقيقية للبدء في محادثات مع إسرائيل بشأن المعاهدة. فالأزمة والحرب وما تلاها غيرت الوضع في الشرق الأوسط على نحو عميق.

وفي بداية 1968، قدمت الدولتان العظميان نسخ مسودة معاهدة متماثلة الى مؤتمر نزع السلاح. وفي نهاية العام، وبعد صدام آخر مع الولايات المتحدة، ظلت إسرائيل عنيدة في رفضها توقيع المعاهدة. ومن الناحية السياسية الرسمية، فإن المعاهدة «تحت الدراسة»، وأما من الناحية غير الرسمية فإن الولايات المتحدة فهمت أن إسرائيل «لن توقّع».

«سدوت ميخا»

في أيار 2000 نشرت منظمة العلماء الأميركيين على موقعها الإلكتروني صوراً هي الأولى من نوعها، من حيث الجودة، لقاعدة «سدوت ميخا» في «كفار زخاريا» المقامة على أراضي قرية زكريا العربية.

ونشرت المنظمة الأميركية أيضاً صوراً قديمة للمفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا. وأشارت نبذة قصيرة في الموقع الى أن سلاح الجو الإسرائيلي يحتفظ بثلاث بطاريات صواريخ متوسطة المدى من طراز «أريحا» تحمل رؤوساً حربية نووية. وللمرة الأولى يتم كشف النقاب عن الأرقام الكودية لهذه البطاريات وهي 199، 150 و248.
وتتحدث التقارير الاستخبارية الغربية عن أن التقديرات العامة بخصوص ترسانة إسرائيل النووية تتراوح ما بين 200 و500 رأس حربي نووي.

وشددت المنظمة على أن الصور القديمة لمفاعل ديمونا تظهر أنه يحتوي على منشآت لمعالجة المياه الثقيلة، ولإنتاج البلوتونيوم لأغراض عسكرية. وقالت إن إسرائيل استخدمت مفاعل ديمونا لإنتاج «آيزوتوب تريتيوم وليثيوم» وهي المواد الضرورية لإنتاج قنابل هيدروجينية.

Script executed in 0.18520402908325