أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الخواء السياسي في "نظام الاعتلال العربي"!!!

الخميس 15 نيسان , 2010 08:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,949 زائر

الخواء السياسي في "نظام الاعتلال العربي"!!!

لعل كلمة "بعض" هي من باب المبالغات اللفظية، لكن المقصود هنا وبشكل رئيسي القضية الفلسطينية، إنها ثقافةٌ جرى تعميمها تحت مسميات عدة منها "الاطماع الفارسية"، وكانت ترددها بعض (الجوقات) هنا في لبنان، وسمعنا أحدهم – قبل أن يعود عن مواقفه – يردد بأن "راية فلسطين" هي "مطية" لتعبر منها إيران إلى المنطقة.

لسنا في معرض الدفاع عن الجمهورية الإسلامية، ولكن هنالك حقيقتان لا يمكن إنكارهما.

الأولى أن "دينامو" السياسة الإيرانية ما زال ومنذ الثورة الخمينية محكوماً إلى حد بعيد باعتباراتها الايديولوجية – إن لم نقل "بفائضها الإيديولوجي" ـ، وبالمناسبة فإن هذه الإيديولوجيا ليست صناعة "فارسية"، بل هي عربية، أو الأصح بالعربية.

(إن جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون ) ـ الزخرف – 3.

وفيه يقول الحق: (... فإذا جاء وعد الآخرة لِيسُوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبّروا ما علوا تتبيراً ) (الإسراء – 7)، وهذا غيض من فيض، أما المقصود في الآية فهو المسجد الأقصى بالذات "أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين".

ترى من الذين سيدخلون هذا المسجد ويخلصونه من "بني اسرائيل" إنفاذاً لمشيئة الله؟!

هذا هو الفكر الذي جعل الشعوب العربية والإسلامية تقارب القضية الفلسطينية بدرجة عالية من القدسية، وهذا ما أدركته كلينتون حين حذرت في مؤتمر "الأباك" الأخير من ان "الايديولوجيا" هي أحد ثلاثة "مخاطر" تهدد اسرائيل – إلى جانب الديموغرافيا، وتكنولوجيا الصواريخ-.

أما الحقيقة الثانية فهي أن "راية فلسطين" لم تكن يوماً بيد هذا الزعيم أو ذاك من نظام (الاعتدال) العربي – أو بالأحرى الاعتلال – حتى جاء أحمدي نجاد وخطفها منه!!، بل كانت – وما زالت – مرمية منسية، نعاها العرب رسمياً في الدار البيضاء (أيار 1989)، ودفنوها في قمة بيروت 2002 والتي تعكس انقلاباً في عقلهم السياسي حول اسرائيل من (الكيان النقيض) إلى (كيان مجاور)، وأصبح الصراع معها في خانة السياسات الحدودية التي تقوم عادة بين دول التماس الجغرافي!!، وبهذه الآلية انحشر الحق الفلسطيني في دويلة ضبابية المستقبل على ( أجزاء) من أراضي 1967.

ولا شك بأن قعر المذلة كان يومها في تحدي اسرائيل للقمة المذكورة من خلال منعها لعرفات من حضورها، وذلك بمحاصرته في مقره، ما اضطره لمخاطبة القمة تلك بكلمة مسجلة!، ومع ذلك لم يبخل العرب (بمبادرتهم السلمية) التي ما زالوا يتمسكون بها.. ابتذالٌ يخالف أي منطق سياسي.

وللتذكير أيضاً وأيضاً فإن إيران لم تكن خياراً عند "حماس" بل كانت هذه الأخيرة متهمة عند نشأتها بأنها (سعودية الهوى)، وقيل بأنها تحظى بدعم خليجي لموازنة كفة "فتح"، ومع الأيام وعندما تجذرت "حماس" كحالة جهادية حقيقية، ثم كخيار ديمقراطي للشعب الفلسطيني تنكر لها معظم العرب!، إذ جميعنا يذكر وبعد انتخابات المجلس التشريعي مسارعة حكومة حماس لطلب الدعم من الدول العربية الغنية لتجاوز آثار الحصار الذي فرضته اسرائيل على التحويلات المالية إلى السلطة، لكنها لم تحظَ بشيء، فيما سارعت إيران إلى إسعافها بمائة مليون دولار كدفعة أولى آنذاك.

لعل جوهر المشكلة يكمن في هذا الفراغ العربي، وأشد ما يجذب رياح السياسة هي الفراغات!!، لا سيما مع هذه التغيرات الدراماتيكية التي يشهدها عالمنا، سقوط الأمبراطورية "السوفياتية"، انسداد الأفق أمام "أحادية القطب الأمريكي" في قيادة العالم، انه (أطلس سياسي) يشهد إعادة تشكيلٍ جديد، وعندها يصبح من الطبيعي ان تفتش أية دولة تحترم نفسها عن مكانةٍ لها تحت الشمس، وفي عالم لا يقدّر إلا الأقوياء، هذا ما تسعى إليه دول عدّة: إيران – تركيا – فنزويلا، ومن قبلها الهند، البرازيل، ونمور آسيا.

ليس هنالك مشروع عربي لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، وكان آخر عهدنا بالمشاريع الجدية، الحقيقية والمؤثرة هو مشروع "القومية العربية" الذي قاده الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وبعده بدأ التراجع، من "كمب ديفيد"، إلى عجز النظام العربي الرسمي عن المبادرة خلال الأزمة العراقية – الكويتية (1989 – 1990) والتي دشنت سلسلة من المآسي تلتها، كان خلالها النظام المذكور في موقع المنفعل غير الفاعل، ثم تدهور الأمر أكثر فأكثر حتى وصلنا الآن إلى حالةٍ من الاستلاب!!.

نتساءل ترى لو كان عبد الناصر حياً، ماذا سيكون موقفه من إيران الإسلامية؟

المعرفة برؤية الرجل، وأفقه الواسع، فضلاً عن سيرته تقودنا إلى الجزم بأنه كان سيسلك درب التكامل مع إيران، وكذلك الحال مع تركيا اليوم، شيء يحاكي ما تفعله القيادة السورية إلى حدٍ بعيد.

وللتدليل على ما سبق، نعود إلى الوراء قليلاً، عندما خرجت الجماهير الإيرانية في وجه الشاه عام 1956 تأييداً لمصر في حرب السويس، وهنا يسجل التاريخ الخطبة المدوية للإمام الخميني التي كادت أن تقوده إلى المشنقة يومها لولا تدخل المدرسة الصيدية في قم، وتراجع الشاه خوفاً من نفوذها.

وبعد ذلك بسنوات خرجت الجموع في إيران الإسلامية لتحية ياسر عرفات في أول زياراته لها، رافعةً صور جمال عبد الناصر. إشارة لا تخفى دلالاتها، أبرزها أن الإسلام السياسي الجيد، ينجذب إلى العروبة السياسية الجيدة، أي المتصدية لمهام التحرر والتقدم.

Script executed in 0.1741030216217