أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

واقعيّة الضرورة ولحظات التركيز

الجمعة 16 نيسان , 2010 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,452 زائر

واقعيّة الضرورة ولحظات التركيز

وعدم البحث في أيّ ملف سياسي أو أمني حساس، حتى ولو كان الأمر هو تدهور الوضع على الحدود مع العدو إلى حدّ استنفار قوات من الجيش اللبناني في وجه فرقة إسرائيلية تجاوزت الأسلاك الفاصلة مع العدو لتعمل في قطعة أرض متنازع على حيازتها بين البلاد وعدونا.

والأسوأ بعد، أن ينعقد مجلس الوزراء فلا يبحث في تردّي العلاقات بين لبنان وسوريا، ورفض سوريا استقبال وفد لبناني، نظراً إلى أنه برئاسة أحد مستشاري رئيس الحكومة، وعضوية مستشارين آخرين ومديرين عامّين بالوكالة وموظفين.

في المعنى العميق لما يجري، فإن مجلس الوزراء يمكنه أن يستكمل أعماله بانتظار أن يحضر رئيس الجمهورية فيترأس الجلسة ويبدأ بالبحث السياسي، وهو ما يمثّل نهاية كل ما كُرّس في اتفاق الطائف من إدارة البلاد عبر مجلس الوزراء مجتمعاً، مع صوت تفضيلي لرئيس مجلس الوزراء تمكّن من انتزاعه رئيس المجلس، والد رئيس الحكومة الحالي.

وفي المعنى العميق، فإن رئاسة الجمهورية استعادت جزءاً رئيسياً من دورها في السلطة، وبقي أن نعيد تعديل الدستور لتعود الأمور إلى مجاريها قبل عام 1975. ولكن ذلك كله بفضل ملل حقيقي يشعر به رئيس الحكومة الحالي من وظيفته التي تبدو من الداخل أقل تسلية مما تبدو عليه حين كان يشغلها من هم قبله.

يروي من يلتقي رئيس حكومتنا أن الرجل يملّ خلال الدقائق الأولى الاجتماعات، وهو يبدأ بالشرود وتغيب عيناه في مكان بعيد ما إن يبدأ الكلام التقني أو البحث الجدّي، حتى علّق أحدهم بأنه «لم يبق إلا أن يسأل عمّا يُعدّ على مائدة الطعام في قصره ونحن نشرح أمور الدولة أمامه».

ومن يزور رئيس البلاد أخيراً ينقل عنه عدم اكتراثه برئيس الحكومة. فلا هو يتحدث عنه ولا يشير إليه، حتى لو كان النقاش في شأن الحكومة. فالأمور في الحكومة تجري بهدوء ووفق إيمان رئيس البلاد، ومن لا يصدق فليراجع مقررات مجلس الوزراء بغياب رئيس الجمهورية، وما يتلوه وزير الإعلام، وليدقّق متى يحصل النقاش في الأمور السياسية المهمّة، ومتى يتحول المجلس إلى صف للتلاميذ الضاجّين بغياب أستاذهم.

رئيس مجلس النواب من ناحيته لا يتحدث كثيراً أمام زواره عن رئيس الحكومة، ولكن من يصرّ على رئيس مجلس النواب لمعرفة رأيه في الأداء الحكومي، ينقل عنه ما يشبه عدم اكتراث بإدارة رئيس الحكومة، وفقدان أي أمل به مستقبلاً.

والأمور المهمة كما يبدو لن تعالج إلا من خارج مجلس الوزراء. فما هو شأن الحكومة بما يجري على مستوى العلاقات بين رئيس الحكومة والجمهورية السورية؟ لا بد أن يرسل إلى سوريا مستشاراً لحل مشكلة تمثيل المستشارين، وميزة المستشار المرسل للحل أنه من آل الحريري، ليوضح لمستشارة الرئيس السوري عفوية الخطأ الذي حصل، وربما طالباً الصفح، علماً بأن تسريب الخبر عن إلغاء الاجتماع اللبناني ـــــ السوري جاء من خلال أقنية سورية في لبنان، كما حصل مثلاً إبداء الاستياء السوري من رئيس الوفد، مستشار رئيس الحكومة مازن حنا، الذي قال أصدقاء سوريا في لبنان عنه إنه من مستشاري «السفيرة الأميركية ميشال سيسون لدى لبنان».

إلا أن واقعية الضرورة لدى فريق المستقبل، التي تقتضي من ناحية الالتزام بالتوجيهات السعودية الجديدة الانفتاح على سوريا، ومن جهة أخرى الخضوع لمتطلبات سوريا الصارمة ببناء علاقة محترمة ومن دون أحابيل وألاعيب مراهقة، فرضت على رئيس الحكومة أن يرسل مدير مكتبه إلى دمشق للملمة العلاقات الثنائية التي يبدو أنها لن تشهد تطوراً كبيراً في مرحلة قريبة.

الواقعية الاضطرارية نفسها تقتضي أن نعترف بأن البلاد بقيادة رئيسها الذي لم يعد حكماً بل حاكماً، وأن لحظات التركيز النادرة لرئيس الحكومة قد تكون على ملاعب كرة القدم، لا في قاعات الاجتماعات ولا في اختيار الوفود لرسم العلاقات المستقبلية للدولة.

Script executed in 0.18571090698242