أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

التخلي العربي عن الدعم الإيراني

الجمعة 16 نيسان , 2010 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,686 زائر

التخلي العربي عن الدعم الإيراني

لا يكاد يمر يوم من دون ان تسمع تهديدات إسرائيلية بمهاجمة إيران وإبادة المنشآت التي تشكل اسس برنامجها النووي، حتى ليتصور بعضهم انه سيستيقظ في صباح اليوم التالي ليجد تهديدات اسرائيل وقد اصبحت واقعاً حقيقياً تحولت معه إيران الى بلد مدمر.

وصحيح أن إيران لا تفوت مناسبة من مناسبات التهديدات الإسرائيلية إلا وترد عليها بقوة، معلنة عزمها على جعل النتيجة الوحيدة لأي هجوم إسرائيلي على أية أهداف إيرانية هي الندم، وهي إلقاء مستقبل إسرائيل كدولة في نيران المجهول.

إلا أن إسرائيل تستمر في توجيه التهديدات، وتستمر في الوقت نفسه في إثبات عجزها عن تحقيقها وتحويلها الى واقع ملموس لا يعود فيه ملمح واحد من ملامح الخطر الإيراني.

وقد دفع هذا الوضع معلقاً إسرائيلياً مرموقاً هو يوري آفنيري ـ من المنتمين لحركة السلام الاسرائيلية ـ الى وصف اسرائيل قبل ايام في صحيفة هاآرتس المستقلة الاسرائيلية بأنها تسلك كما يفعل صبي يدرك جيداً ضعفه أمام منافس له، لهذا يعمد الى الصياح: «حوشوني عنه حتى لا أقتله». في حين انه يعرف جيداً انه اذا ما ترك لمنازلة هذا الصبي القوي سينال ما لا يتمنى لنفسه.

لماذا تبدو إسرائيل غبية الى هذا الحد، وهي تعرف يقيناً انها لا تملك من القوة ما يمكنها من ضعضعة إيران والقضاء على خطرها؟

تبدو عبارة آفنيري ـ على الرغم من طابعها الفكاهي ـ تصويراً صادقاً للموقف الاسرائيلي، ولكنها لا تنطوي على تفسير واضح لمواصلة اسرائيل الكشف عن ضعفها بالاستمرار في إطلاق تهديدات غير قابلة للتنفيذ.

اسرائيل ليست غبية بدليل أنها لا تقدم على تنفيذ تهديداتها. لكن كل ما يهم آفنيري هو ان يوضح الى اي مدى يصل إدراك اسرائيل لعجزها عن «ضرب ايران» في ضوء عجز الولايات المتحدة نفسها عن تخليص حليفتها إسرائيل من خطر إيران قبل النووي.

اسرائيل ليست غبية لكنها تنتهج اسلوباً غبياً في محاولتها الدؤوبة لتنفيذ استراتيجية هدفها الأساسي هو وضع «الخطر الإيراني» كأولوية تسبق وتزيد اهمية على المشكلة الفلسطينية.

وقد استغرقت ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما وقتاً اطول مما ينبغي لكي تدرك ان اسرائيل لا تريد إلا وقف التقدم نحو تسوية للصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني بحجة أولوية الخطر الإيراني. وهي ـ أي الادارة الاميركية ـ تبدو حتى اللحظة متقبلة لهذه الحيلة الاسرائيلية بدليل سكوتها عن تلك التهديدات اللامجدية من جانب اسرائيل ضد ايران... وسكوتها في الوقت نفسه عن تقديم مبادرة جادة وعاجلة تُلزم إسرائيل بتسوية مع الفلسطينيين.

واذا كانت ادارة اوباما قد تأخرت في إدراك الحيلة الاسرائيلية التي تستخدم خطر إيران ذريعة لوضع الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني على الرف...فإن منظومة الاعتدال العربي لا تبدو عليها اية بوادر لفهم الاستراتيجية الاسرائيلية. بل ان حكام هذه المنظومة يظهرون امتناناً غير خفي بالمرة لاستمرار تهديدات اسرائيل ضد إيران.

والنتيجة ان حكام منظومة الاعتدال العربي يتخذون من السياسات والمواقف العملية ما يؤكد انهم ضالعون مع اسرائيل في هذه الاستراتيجية. فهم ـ عوضاً عن الضغط من اجل استجابة اسرائيلية حقيقية لمقتضيات تسوية الصراع الاسرائيلي/الفلسطيني ـ لا يزالون مستمرين في أداء ادوار تساند ـ من حيث تدري احياناً، ومن حيث لا تدري احياناً أخرى ـ استراتيجية اسرائيل للاستعانة بالعداء الاميركي الاسرائيلي لإيران ذريعة لإهمال هذا الصراع لأطول وقت ممكن..وكأن 43 عاماً انقضت منذ وقوع الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية ـ وبينها الباقي من فلسطين ـ لا تكفي.

وبالتالي لم يعد غريباً ـ او مثيراً للريبة ـ ان يسمح بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي لنفسه بأن يتحدث باسم هذه المنظومة العربية المعتدلة حينما يقول ويكرر ويؤكد ان الخطر الإيراني لا يهدد اسرائيل وحدها، انما يهدد الدول العربية ايضاً (...) وهو حين يسمح لنفسه بهذا لا يتوقع ـ ومحقٌ في ان لا يتوقع ـ ان ينبري له احد حكام منظومة الاعتدال العربية ليذكره بأنه لا يملك حق الحديث باسمهم، وليؤكد ان الدول العربية تعتبر الخطر الإيراني اكثر اولوية وأشد وطأة على العرب من الاحتلال الاسرائيلي.

حتى الآن آثرت منظومة الاعتدال العربية ان لا تتعامل مع إيران الجمهورية الاسلامية على انها حليف او سند او داعم للقضية العربية. وقد برهنت كلمات مؤتمر القمة العربية الاخير في سرت على ان هذه المنظومة تطمئن الى اسرائيل اكثر مما تطمئن الى إيران على هذا التوجه.

والسؤال الذي يفرضه هذا الواقع ـ بوجهيه الاسرائيلي والعربي ـ هو اذا كانت منظومة الاعتدال العربية تبني موقفها هذا على اساس ان حال الامة العربية يمكن ـ او ربما من المؤكد ـ ان يكون افضل اذا اصبحت إيران في ظل سياسة مماثلة لسياسات هذه المنظومة: مهزومة وخاضعة لنفوذ أميركا وإسرائيل، منفذة لسياساتهما؟

لعل هذا السؤال يفترض مستحيلاً، ولكن هذا لا يقلل من مشروعيته ولا يقلل من اهمية طرحه. وهو يعني ـ بقدر اكثر من الوضوح ـ التساؤل عما اذا كانت منظومة الاعتدال العربية ترقب الصراع القائم بين إيران من ناحية واسرائيل والولايات المتحدة من ناحية اخرى، بانتظار ان تقدم اسرائيل او اميركا او هما معاً على قهر إيران وإجبارها على التخلي عن سياسات معاداة إسرائيل والصهيونية بوجهيها الاسرائيلي والاميركي؟

يميز هذا السؤال نوع من الاستسلام لوهم احتمال تحقيق اسرائيل/ اميركا انتصاراً عسكرياً حاسماً على ايران لا يؤدي الى تدمير ما تم من برنامجها النووي فحسب، بل يؤدي الى تحطيم قوتها الاستراتيجية كقوة اقليمية كبرى، ويؤدي ـ بالتالي ـ الى تحطيم نظامها...وهو ـ بالتأكيد ـ الهدف النهائي الذي ترمي اليه إسرائيل/ أميركا...فيما لو امكن تنفيذ التهديدات المستحيلة.

وعند الوقوف على مضمون هذا السؤال نكتشف ان منظومة الاعتدال العربي تتصرف على اساس قرار ضمني وغير معلن برفض اقوى وأكبر تأييد نالته القضية العربية من طرف غير عربي. ومعنى هذا القرار وانطوائه على رفض صريح وقاطع لتحول تاريخي غير مسبوق لموقف قوة اقليمية كبرى باتجاه دعم قضية فلسطين والتصدي لعدوانية الدولة الصهيونية بغير ما قيود او خطوط حمر. ولعل دخول تركيا مؤخراً على هذا الخط يحتاج الى دراسة توضح مدى تأثره بسياسات ايران.

يتذكر المرء عند هذا الحد ان منظومة الاعتدال العربية - التي تكونت اصلا ابتداء من سياسات مصر الساداتية في سبعينيات القرن الماضي - سبق ان ولت ظهرها للاتحاد السوفياتي واتجهت صوب الولايات المتحدة واسرائيل عندما كان اعتماد العرب الاساسي على التأييد السوفياتي لقضيتهم استراتيجياً وتسليحياً وسياسياً.

والموقف الراهن لهذه المنظومة من التأييد الايراني للقضية العربية ينطوي على خطورة اكبر... لأنه يتخلى عن دعم يستند الى عوامل اكثر قوة وفاعلية من تلك التي كان يستند اليها الدعم السوفياتي السابق. فهو يستند الى عوامل الاقتناع الديني والعقائدي بوحدة المصالح ووحدة المواقف ووحدة المواجهة للتحديات الخارجية.

اما وان التخلي «العربي» عن الدعم الايراني، وتفضيل السير في اتجاه إرضاء اميركا/ اسرائيل، يأتي في ظروف تتأكد فيها استحالة هدم النظام الإيراني وعناصر قوته المادية والعقائدية، فإن الوضع العربي يصبح في مواجهة خطرة مع الذات. نعني بهذا المواجهة الخطرة التي لا بد ان تترتب على الفشل الاسرائيلي والاميركي في القضاء على ما يسمونه «الخطر الإيراني» وما ينتج عن ذلك من انتصار مواقف الجماهير العربية التي تعي جيداً معنى الدعم الإيراني للقضية العربية.

لم يؤد التخلي عن الدعم السوفياتي في حينه من جانب سادات مصر الى هبة جماهيرية عربية او حتى مصرية، لأن العلاقات مع الاتحاد السوفياتي ـ على الرغم من كل ايجابياتها ـ لم تكن وثيقة جغرافياً وتاريخياً وعقائدياً كما هي العلاقات مع ايران... بصرف النظر عن مواقف الحكومات العربية في المنظومة المعتدلة. ولهذا فإن الموقف العدائي من هذه المنظومة تجاه ايران مشحون ـ بالمقابل ـ بعناصر الرفض والمقاومة من الجماهير في أرجاء الوطن العربي وبلا استثناء. مشحون بكل احتمالات التفجر التي يمكن تصورها ضد سياسات التخلي عن الدعم الإيراني وبالتالي عن دعم إيران كواجب قومي عربي.

وليس خافياً على أحد أن إيران تنتهج سياسة الصبر والاحتمال تجاه حكومات منظومة الاعتدال العربية على الرغم من كل ما تبديه من تفضيل لإسرائيل/ اميركا على الجمهورية الإسلامية.

وهذه سياسة تتسم بالحكمة والعقلانية، وتتضح في استمرار العلاقات والاتصالات والحرص من جانب طهران على تأكيد سياساتها تجاه العرب، وإدراكها لضرورة الحفاظ على علاقات ايجابية في مواجهة الخطر المشترك المتمثل في الدولة الصهيونية بالدرجة الاولى. لهذا لا يمكن النظر بعين الشك الى أهداف إيران تجاه العرب، بما في ذلك مجموعة الخليج على الجانب الآخر من الخليج ومن مضيق هرمز. وفي هذا الصدد لا بد من الاهتمام بتوجه ايران بردودها على التهديدات الاسرائيلية/ الاميركية بتهديدات مضادة موجهة ضد تل ابيب وضد اية قوات اميركية تجرؤ على محاولة الاعتداء على ايران. وتخلو التهديدات الإيرانية المضادة من اي اشارة الى الجانب العربي.. النفطي او غير النفطي.. وهذا قصد واضح يبرئ ذمة ايران من دعاوى تل ابيب وواشنطن الزاعمة بأن إيران تهدد منشآت النفط العربية اذا ما تعرضت لهجمات اسرائيلية او اميركية.

يبقى ان اغرب ملامح هذه الصورة يتمثل في حقيقة ان اسرائيل وأميركا تدركان بوضوح وبلا محاولة لخداع الذات ان هجوماً تتعرض له ايران سيكون عاملاً لا يمكن الوقوف بوجهه لتكتل العالم الاسلامي كله وراء إيران بالدعم والتأييد وبمعاقبة المعتدين ومؤيديهم. اما حكومات منظومة الاعتدال العربية فإنها لا تبدو مدركة، إنما اكثر ميلاً لخداع الذات، فيما يتعلق برد الفعل الجماهيري في العالم الاسلامي في حالة تعرض ايران لهجوم.. وفيما يتعلق ـ بنوع خاص ـ بطبيعة رد الفعل تجاه القطاع العربي من العالم الإسلامي.

ولن يفيد العرب المعتدلين أن يدسوا رؤوسهم في الرمال كي لا يروا مدى تأييد القوى السياسية الإيرانية كلها لأهداف النظام الإيراني التي تلخصها عبارة «الملف النووي الإيراني».

فلننتظر لنرى. وكل غد لناظره قريب. 

Script executed in 0.17302989959717