أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«الخطر الشديد» الإسرائيلي

السبت 17 نيسان , 2010 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,877 زائر

«الخطر الشديد» الإسرائيلي

أبلغ الأميركيون سوريا عن قلقهم من تسريب الأسلحة إلى لبنان، وإسرائيل كادت منذ أسبوعين أن تشن هجوماً على قافلة سلاح دخلت لبنان!؟ هذه ليست رواية دبلوماسية، واقعية أو غير واقعية، إنها سيناريو الحرب.

خبراء في السياسة الإسرائيلية يقولون إنها تحضّر الرأي العام عادة لخيارات الحرب. لا تستطيع إسرائيل أن تتعايش مع التحوّلات الاستراتيجية الجارية من حولها. صحيح أن الغرب يضمن أمنها، لكن لا يستطيع حتى الآن أن يضمن تفوّقها على محيطها. بلغ الطموح الإسرائيلي حد البحث عن دور إقليمي يمتد من موريتانيا حتى باكستان والهند، والدول الإسلامية الخارجة من النفوذ الروسي. التحدي الإيراني على هذا الصعيد ليس عسكرياً وإيديولوجياً فقط. إيران منافس أساسي إقليمي، وتركيا تبتعد في نظرتها إلى المنطقة عن إسرائيل. تعظيم خطر إيران «النووي» يهدف أولاً إلى تقديم إسرائيل نفسها «مظلة نووية» لدول الخليج، كما يقول الكاتب الإسرائيلي العقلاني «إسرائيل شاحاك». قد لا نبالغ إذا قلنا إن خطوة كهذه تتقدم وأن جزءاً مهماً من النظام الرسمي العربي يقبل فكرة التوازن الإقليمي هذه.

تحت هذه «المظلة الأمنية» تتوغل إسرائيل في منظومة «الشرق الأوسط الكبير» اقتصادياً وسياسياً. تحييد العرب في الصراع على المنطقة ينطوي أيضاً على خطة تجاوز الحقوق الفلسطينية. في «أوسلو» وضعت إسرائيل خطة مفادها إشراك قطاعات واسعة من الفلسطينيين في إدارة شؤونهم المحلية لمصلحتها هي. تلك كانت الدروس التي استفادتها من الانتفاضة.

فرصة التفاوض المفتوحة مع الفلسطينيين خفضت الضغوط الدولية والعربية والفلسطينية، لكي تستطيع إسرائيل ممارسة سياسة «التطهير العرقي» عبر «الجدار الحديدي» الذي اقترحه (جابوتنسكي في أواسط العشرينيات) أو عبر أشكال من «الأحياء المحاصرة» بالأمن والمستوطنات والطرق الالتفافية، كما فعل شارون، ويتابع نتنياهو لإيجاد «حل لمشكلة كتلة بشرية» موجودة على «أرض يهودية». كانت وظيفة «أوسلو» كما يقول «شاحاك» إظهار الفلسطينيين المعارضين للتمييز العرقي والفصل العنصري «كأعداء للسلام».

إذا كان هدف إسرائيل «الهيمنة على الشرق الأوسط» فهي تشحن الغرب بالخوف من الإسلام السياسي، «المتطرف» و«الإرهابي». وهي على العكس تدعم بقاء أنظمة إسلامية من الصنف الذي يعيق أي تطوّر في عقيدة جيوشها الوطنية أو في حراك شعوبها. نجحت الصهيونية العالمية في أن تحشد القرار الأميركي والغربي خلف فزاعة التحدي «النووي» و«أسلحة الدمار الشامل» كما في العراق، وكما اليوم مع إيران، إما بذريعة أن الأنظمة الدكتاتورية مؤهلة لخوض حروب غير محسوبة، وإما لأنها تدعم «الإرهاب» وقد يتمكّن «شبح القاعدة» من الحصول على أسلحة «نووية».

انتكاسة المشروع الغربي في تطويع المنطقة كلها، وزيادة منسوب الكراهية والحقد لدى شعوب المنطقة من الويلات والمآسي وافتضاح «الحداثة الأميركية»، تستثمره إسرائيل لكي تجدّد وظيفتها ودورها في المنظومة الإمبريالية.
في الصراع بين نتنياهو وأوباما يترجّح منطق نتنياهو تدريجياً حتى على جنرالات أميركا الذين لا يرغبون في توسيع نطاق الحرب. فإذا كان «أمن إسرائيل المقدّس» لاعتبارات استراتيجية أميركية حيث تتقاطع المصالح والإيديولوجيا، مهدداً فعلاً من «أذرع إيران» أو من إيران نفسها، أو بواسطة سوريا، فلا تعدم إسرائيل وسيلة لإقناع أميركا بشكل من أشكال الحرب أو الفتنة لوقف هذا التهديد، أو لإبعاده عن حدودها. عندما يحذر الروس والأتراك من مخاطر الحرب المحتملة، فهــم يعرفون المدى الذي قدتذهب إليه إسرائيل حتى استخدام السلاح النووي، أو «خيار اللحظة الأخيرة».

تقول التقارير الإسرائيلية عن حرب تشرين 1973، إن موشي دايان وضع في الاحتمالات القيام برد نووي لتدمير السد العالي والمدن السورية. لكن غولدا مائير وهنري كيسنجر أوقفا ذلك، حسب كتاب «شاحاك».

حين يكرّر ليبرمان، الذي احتجب مؤخراً عن التصريحات، تهديد مصر وسوريا، لا يفعل إلا أن يعبّر عن العنصرية الإسرائيلية التي تبرّر نفسها بأفعال «الديموقراطيات الغربية الكبرى» أي أميركا، عندما استخدمت القنبلة النووية على اليابان. يعرف الغرب أن الفوسفور والنابالم يستخدم في الحروب الإسرائيلية، وأن أميركا استخدمت «اليورانيوم المخضّب» في العراق.

وبالفعل ليس هناك ما يلجم إسرائيل عن الذهاب إلى الحرب إلا إحساسها بالخطر الحقيقي على وجودها، وربما بشكل خاص، افتراضها أن «مفاعل ديمونا» أو ترسانتها النووية قد تتعرض بفعل سلاح تدميري لما يشبه كارثة «تشيرنوبيل» في أوكرانيا السوفياتية، التسرّب النووي أو الانفجار.

نحن اليوم في وسط الطريق أو النفق، في سباق مع الزمن، في لبنان والمنطقة بين توفير مقوّمات الردع الذي يعقلن سياسات الغرب، (وقد لا يعقلن إسرائيل) وبين شعور قادة الدولة الصهيونية أن الزمن لم يعد في مصلحتها فتذهب إلى المغامرة أو الحرب الاستباقية. إذا كانت «صواريخ سكود» تقلق إسرائيل وأميركا إلى هذا الحد فيجب أن تكون لدينا القدرة على المناورة بها في لبنان وسوريا وأن نحيطها بالرعاية التي تستحق من إرادة المواجهة، لا لشن حرب تدميرية بل لاستبعادها...

لكن هل يمكن التفاؤل في عالم تتصاعد فيه الأيديولوجيات الخلاصية مدعومة هذه المرة بقدرات تقنية تنتجها الرأسمالية المعاصرة بهدف استهلاكها في خدمة الإله الأكبر والأكثر انتشاراً في العالم «إله الربح والمال»، وهناك حلف مقدس بين إله المال وإله الحرب. الغرب الذي أنتج الصهيونية وصدّرها لنا، كما أنتج الرأسمالية ويصدّر مشكلاتها وحروبها، هل يمكن أن يكبح سباق التسلح ويحاصر أسلحة الدمار الشامل بالبحث عن وسائل للأمن تستبعد على الأقل الإفناء المتبادل!؟ هل يحفز تشاؤم العقل الإرادة لوقف هذا المسار الدولي المشبع بالأخطار!؟ 

Script executed in 0.17445993423462