أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

13 نيسان... كل عام؟

السبت 17 نيسان , 2010 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,838 زائر

13 نيسان... كل عام؟

عمر هذه الذاكرة، 35 عاماً، ولم تنجب غير الاستعادة، والوقوف على الأطلال، وإدانة الأفعال الجرمية، ولعن الميليشيات، و«حروب الآخرين»، وكأن استعادة الذكرى كافية، للتحذير من الوقوع مرة أخرى في الحرب الأهلية.
وسيمتد عمر هذه الذاكرة في الزمن القادم، وسيحتفل بها أبناء وأحفاد، لم يشهدوا هذه الحروب ولم يعرفوها.. وإن استعادتها، لن تكون أداة إدانة للذات الجمعية، بقدر ما ستكون، كما جرت العادة، إدانة للطرف الآخر، المحلي والخارجي.

13 نيسان، ما زال حياً يرزق، ومفاعيله أنتجت روزنامة لبنانية، يحتل فيه تاريخ 13 نيسان، أياماً عديدة منها في كل عام. و13 نيسان، هو هو، لم يتبدل ولم يتغير، وما زال على حاله، كأنه وقع بالأمس.

أجرت مدرسة لبنانية اختباراً على تلامذتها: طلبت منهم وصف ما حدث في 13 نيسان 1975. ولم يكن مفاجئاً، أن وصفهم جاء نسخة طبق الأصل، لما كتبته الصحف آنذاك، عندما انقسمت في تحميل الحدث الدامي.
13 نيسان، ما زال طازجاً.. وإذا طُلب من «مؤرخي اللحظات السياسية» في لبنان، تأريخ ذلك الحدث (الاعتداء على الحافلة)، فسيكتبون ما تم تناقله إعلامياً في ذلك التاريخ..

13 نيسان، ما زال يستمتع بقدرته على فرز اللبنانيين إلى معسكرين أو أكثر، مداوما على الاعتياش السياسي، من الخندقين المتقابلين. والسبب، لا يعود إلى يوم 13 نيسان أبداً، بل إلى كون اللبنانيين كانوا منقسمين، انقساماً حاداً، إزاء العمل الفدائي الفلسطيني. كما هم منقسمون اليوم، انقساما أكثر حدية، إزاء العمل المقاوم، الذي يحتضنه «حزب الله».

بوسطة عين الرمانة نقلت لبنان المنقسم سياسياً وثقافياً وطائفياً، من مقام الخلاف السياسي، إلى خنادق القتال العسكري، التي أفرزت غالباً ومغلوباً، بصيغة موقتة.. غير أن 13 نيسان، أدى إلى تغيير لبنان برمته، وإلى تعديل في صورته، وفي مقومات وجوده «الهش».

لبنان الراهن، هو الوليد الشرعي لحادثة البوسطة: التهجير، النزوح، الكانتونات، التمذهب بعد التطيف، التبلور الطائفي حول زعامات أحادية، الإعلام «المسلح»، «تمليش» السلطة، اتفاق الطائف المجهض... كل ذلك من رحم 13 نيسان.

الوجه القبيح للبنان، هو هذا الذي ورثه جيل من شباب لبنان، فاندفع مؤمنا بالوثن الطائفي يحتمي به، من حرب ستحضر يوما ما، أو انعزل مشحونا بيأس من الوطن والدولة والسياسة، وانصرف إلى معالجة هذا اليأس، بالتبرؤ من لبنان فآمن «بالفيزا» وطنا بديلاً، وجنسية مربحة ومريحة. هذا الانتظار المقيم بين اللبنانيين، هو التطبيق المنطقي لما أفرزته حادثة البوسطة، فإذا كان لبنان يومذاك بصيغة المثنى، فهو اليوم بصيغة التعدد غير الملتئم، التعدد الخائف والمخيف، التعدد المنتظر فرصاً اقليمية ودولية، للانقضاض على «سلام أهلي» هش، بهدف تصويب مسيرة البوسطة، بحيث تصل إلى فلسطين، أو بحيث يمتنع عليها العبور إلى... القضية.

نعم... لم نتعلم شيئا من 13 نيسان. ولو تعلمنا، لأقمنا احتفالا رائعا. لقلنا، بحضور جمهور كبير في مدينة كميل شمعون الرياضية: لقد دفنا الحرب الأهلية، إلى الأبد.

لم نتعلم، ولذلك نحن خائفون. نمارس رياضاتنا السياسية بلا جمهور، مخيف حقا. وقد برهن على شراسته، مراراً، إبان حضوره مهرجانات رياضية بحتة... لولا النقابات الطائفية الخائفة، لتدحرجت كرة الدم وأصابت شباك السلم الأهلي الممزق.

لم نتعلم، لأن القضايا التي أنتجت حادثة البوسطة لا تزال حية ترزق. اللبنانيون، لم يتفقوا على شيء يطمئن بأن السلام الأهلي ممكن. اللبنانيون، متفقون على ان سلمهم الأهلي، لن يكون من صناعة سياساتهم، بل من إرادات سواهم. من انتهاء المعارك العسكرية، والسؤال المتكرر: متى نخرج من الحرب، وكيف نمنع حصولها مرة ثانية؟
الجواب: لا أمل في ذلك. الحرب استأجرت هذا الكيان، وعقدت اتفاقاً مع الطائفية والمذهبية، ومطلوب منها أن تجدد الاقامة، بين أزمة وأخرى.

يستحيل على هذه القوى اللبنانية، اخراج لبنان من ثقافة انتاج الحرب، لازدياد منسوب النتاج الطائفي السياسي، في أكثر مرافق الحياة اللبنانية، من المدرسة إلى البيت إلى الإعلام إلى الإقامة إلى المحاصصة إلى... سلاح المقاومة.
لن يكون لبنان على طريق جنوب أفريقيا. سيدفع أبناؤه أثمانا باهظة.

انما.. انما... انما:

إذا كان النظام بقواه المشلعة، غير قادر على منع العنف، وإذا كانت القوى السياسية، غير قادرة على الاقامة إلا في خنادق الاقتتال السياسي/ الطائفي، وإذا كانت المؤسسات الديموقراطية الكسيحة، عاجزة عن إدارة الاختلاف، فقد يكون من المناسب، حفاظاً على السلم الأهلي، الاتكال، ولو ظرفياً، على قوة المقاومة المتنامية، القادرة على اخافة الجميع من المغامرة بالسلم الأهلي.

حرص المقاومة على مشروعية مقاومتها، يلزمها بالحفاظ على السلم الأهلي، أو، بمنع الآخرين من تهديده، ولو بالقوة.

هل هذا قول مستهجن؟

طبعاً. لكنه نتيجة منطقية لما آلت إليه يوميات اللبنانيين، ما بعد 13 نيسان 1975.

وحدها القوة الساحقة لدى فريق، قادرة على لجم جنون المغامرين...

هل في ذلك خطر؟

طبعا.. وتحديداً إذا ما حاول الطرف الأقوى، صرف قوته، نفوذاً في السلطة، و«محاصصة غير عادلة».

13 نيسان.... هذا ما جناه اللبنانيون... على أنفسهم. 

Script executed in 0.2225170135498