أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

ملاحقة مرتكبي جريمة شهادة الزور من اختصاص المحكمة الدولية

السبت 17 نيسان , 2010 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,367 زائر

ملاحقة مرتكبي جريمة شهادة الزور من اختصاص المحكمة الدولية

الادعاء العام، قاضي الاجراءات التمهيدية، الدائرة الابتدائية ودائرة الاستئناف، هي المرجع القضائي الصالح لتقرير، استناداً لأحكام نظامها الاساسي والقواعد الاجرائية والقوانين الجنائية الدولية واللبنانية الواجبة التطبيق، ما اذا كانت هذه المحكمة مختصة للنظر في جرائم شهادة الزور واختلاق الجرائم والافتراء المرتكبة امام اللجنة الدولية المستقلة (شهادة محمد زهير الصديق وآخرين) والتي اشار اليها قاضي الاجراءات التمهيدية لهذه المحكمة في قراره تاريخ 29/4/2009 الذي افرج بموجبه عن الضباط الاربعة الذين كانوا محتجزين من قبل القضاء اللبناني في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.

ويقتضي بالتالي التأكيد ان السيدة عاشوري الناطقة باسم المدعي العام الدولي القاضي بلمار غير مختصة للتصريح في مؤتمرها الصحافي بتاريخ 17/7/2009 «بأنه يعود للسلطات اللبنانية صلاحية محاكمة شاهد الزور محمد زهير الصديق لأن نظام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لا ينص على محاكمة شهود الزور»، وبالتالي التأكيد على عدم صحة وعدم قانونية هذا التصريح غير المسند الى اي قرار قضائي صادر عن المحكمة الدولية وفقاً للأصول.

إن موضوع هذا الاختصاص يطرح ثلاث مسائل للبحث وهي:

المسألة الاولى: هل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في ظلّ نظامها الاساسي، والقواعد الاجرائية وقواعد الاثبات التي وضعها قضاتها، وفي ظلّ المبادئ القانونية الجنائية الاجرائية الدولية واللبنانية الواجبة التطبيق، هي مختصة لملاحقة ومعاقبة مرتكبي جرائم شهادة الزور واختلاق الجرائم والافتراء من فاعلين ومحرّضين ومتدخلين في قضية اغتيال الرئيس الحريري، ورفاقه، والتي يشتبه في انها حصلت امام لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بهذه القضية؟

المسألة الثانية: في حال اعتبار المحكمة الدولية الخاصة صاحبة الاختصاص لملاحقة ومعاقبة جرائم شهادة الزور واختلاق الجرائم والافتراء المرتكبة في التحقيقات امام لجنة التحقيق الدولية المستقلة والقضاء اللبناني، ما هو القانون الجزائي الموضوعي الواجب التطبيق على هذه الجرائم على ضوء مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وقاعدة عدم رجعية القانون الموضوعي.

المسألة الثالثة: من هي المرجعية الدولية التي تراقب اعمال لجنة التحقيق الدولية المستقلة في قضية اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وتحاسب رئيسها وأعضاءها في حال ارتكابهم اثناء القيام بأعمال التحقيق افعالاً يجرمها قانون العقوبات اللبناني والقانون الجزائي الدولي؟

المسألة الاولى

I- النصوص والمبادئ والأحكام القانونية والقواعد الاجرائية التي ترعى عمل المحكمة الخاصة بلبنان واختصاصها
نصت المادة الرابعة فقرة (أولى) من نظام المحكمة الخاصة ان للمحكمة الخاصة والمحاكم الوطنية في لبنان اختصاصا مشتركا، وتكون للمحكمة الخاصة ضمن اختصاصها اسبقية على المحاكم الوطنية.

كما نصت المادة الحادية عشر من هذا النظام على انه يتولّى المدعي العام مسؤولية التحقيق مع الاشخاص المسؤولين عن جرائم داخلة في اختصاص المحكمة الخاصة.

ونصت القاعدة (3) من القواعد الاجرائية وقواعد الاثبات التي وضعها قضاة المحكمة في 20/3/2009 انه يتم تفسير هذه القواعد وفقاً لروحية نظام المحكمة والمعايير الدولية لحقوق الانسان والمبادئ العامة للقانون الجنائي الدولي ولقانون الاجراءات الجنائية الدولي ولقانون الاجراءات الجنائية اللبناني.

ونصت القاعدة (61) من القواعد المذكورة اعلاه انه لدى تولّيه اي تحقيق له علاقة بقضية الهجوم على الرئيس الحريري يمكن للمدعي العام دعوة مشتبه فيهم او شهود للاستماع الى افادتهم وجمع الادلة... الخ.

ونصت القاعدة (152) على الاجراءات التي ترعى التحقيق وملاحقة مرتكبي جريمة شهادة الزور المعطاة امام المحكمة او شهادة الزور المدلى بها في اي دولة ثالثة في اطار تنفيذ طلب مساعدة قضائية.

أما المبادئ القانونية الدولية العامة المتعلّقة بالإجراءات الجنائية وأحكام قانون اصول المحاكمات الجزائية اللبنانية فإنها تجيز، في حال تَجمع بين الجرائم روابط متداخلة، احالتها معاً امام مرجع جزائي واحد، وإن يكن غير صالح بالنسبة الى بعضها، وغاية ذلك تأمين حسن سير العدالة خلافاً لقواعد الاختصاص، ويكون ذلك في حالتين: حالة
الجرائم غير المجزأة او الجرائم المتحدة، وحالة التلازم بين الجرائم وهذا ما يسمى امتداد الاختصاص الجزائي.

وتعتبر الجرائم متلازمة عندما تكون بينها رابطة معيَّنة تجمع بينها دون ان تؤدي الى امتزاجها بحيث تبقى كل منها جريمة مستقلة، لكن بالنظر الى هذه الرابطة فإنه من الاجدى النظر بها معاً امام محكمة واحدة. ومن امثال الجرائم المصنَّفة متلازمة في القانون الدولي ومعظم القوانين الجنائية الوطنية ومنها اللبناني والفرنسي، الجرائم التي يكون بعضها تهيئة للبعض الاخر، او تمهيداً لوقوعها، او تسهيلاً او تنفيذاً لها، او لإخفاء نتائجها او لإبقاء منفِّذيها دون ملاحقة (المادة 133- قانون اصول محاكمات جزائية لبناني والمادة 203 قانون اصول محاكمات جزائية فرنسي).

II- تطبيق المبادئ والأحكام القانونية والقواعد الاجرائية المبيَّنة اعلاه على جرائم شهادة الزور واختلاق الجرائم والافتراء المرتكبة امام لجنة التحقيق الدولية الخاصة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه
بما ان قاضي الاجراءات التمهيدية السيد فرانسين استند الى طلب المدعي العام الدولي القاضي بلمار في قضية اغتيال الرئيس الحريري، وأصدر قراراًً علنياً بتاريخ 29/4/2009 افرج بموجبه عن الضباط الاربعة المحتجزين من قبل القضاء اللبناني منذ 30/8/2005 استناداً الى توصية رئيس لجنة التحقيق الدولية السيد ميليس، وقد تضمن هذا القرار ما خلاصته ان افادات الاشخاص التي تم توقيف الضباط على اثرها غير صادقة وإن المعلومات الموجودة في ملف التحقيق حول التورط المحتمل لهؤلاء الضباط في الهجوم على الرئيس الحريري غير موثوق بها كفاية لتبرير ايداع قرار اتهام بحق اي منهم.

وبما ان هذا القرار يشير الى ان بعض الاشخاص ارتكبوا احدى الجرائم التالية: الادلاء بشهادة الزور واختلاق جرائم، وإعطاء معلومات كاذبة.

وبالتالي، يستنتج ان تكون هذه الجرائم قد ارتكبت لتضليل التحقيق الجنائي ولإبقاء منفّذي الهجوم الارهابي على الرئيس الحريري ورفاقه بدون ملاحقة.

وبما ان العناصر القانونية للجرائم المتلازمة متوافرة بين هذه الجرائم المرتكبة لتضليل التحقيق ولإبقاء منفذي جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه دون ملاحقة لوجود رابطة وثيقة تجمع بينها، ما يستوجب ايلاء اختصاص المحكمة الدولية الخاصة للنظر بجرائم شهادة الزور واختلاق الجرائم والافتراء لحسن سير العدالة، وعلى ضوء الاحكام والقواعد القانونية المبيَّنة اعلاه.

وما يعزِّز هذا الرأي ان نظام المحكمة الدولية يعطيها الاسبقية لاختصاصها على اختصاص المحاكم اللبنانية وإن للمدعي العام الدولي، استناداً لنظام المحكمة الدولية، الصلاحية الواسعة للتحقيق مع كل الاشخاص المسؤولين عن الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة الخاصة. وقد كرست القواعد الاجرائية المطبقة من قبل المحكمة الصلاحية الشاملة للمدعي العام الدولي لتولّي اي تحقيق له علاقة بقضية اغتيال الرئيس الحريري وفقاً للأصول القانونية الواجبة التطبيق.

أما لجهة الاجراءات التي ترعى التحقيق وملاحقة هذه الافعال الجرمية المتلازمة مع جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وفي حال عدم وجود نص صريح يتعلق بالإجراءات الواجب اتباعها في القواعد الاجرائية وقواعد الاثبات الموضوعة للمحكمة، فإنه من الممكن اضافة نص بهذا الخصوص من قبل قضاة المحكمة الدولية الى القاعدة 152 المشار اليها اعلاه والمتعلقة بإجراءات التحقيق وملاحقة مرتكبي شهادة الزور اثناء المحاكمة امام دائرة المحكمة او اثناء التحقيق لدى دولة ثالثة ضمن اطار تنفيذ مساعدة قضائية، خاصة وأن هؤلاء القضاة قد اجروا عدة تعديلات في القواعد المذكورة بعد تاريخ وضعها في 20/3/2009 وفقاً لما اقتضته الحاجة، او تطبيق القواعد والإجراءات الموضوعة من قبل قضاة المحكمة الدولية بملاحقة جرائم شهود الزور المرتكبة بعد تاريخ وضع هذه القواعد.

المسألة الثانية

حصلت مداولات اعلامية في الفترة الاخيرة حول التعديلات المتعلّقة بقواعد الاجراءات والإثبات التي اجراها قضاة المحكمة الدولية الخاصة والتي اصبحت حيِّز التنفيذ منذ 17/11/2009 لجهة القاعدة 134 المتعلّقة «بتحقير المحكمة» والتي تتناول «الحالة التي يدلي فيها شخص عن وعي وإرادة خلال خضوعه للاستجواب بإفادة يعلم انها كاذبة وأنها قد تُستعمل دليلاً في الاجراءات امام المحكمة».

ان هذا التعديل ينطوي على حرص القضاة على معالجة ثغرة قانونية تتعلّق بشهود الزور ومرتكبي جرائم الافتراء. وقد صاغ قضاة المحكمة الخاصة هذا التعديل المتعلّق بالإفادات الكاذبة التي سيُدلى بها بصورة عمدية اثناء المحاكمة عملاً بالمبدأ القانوني الدولي القائل «بأن لا جرم بدون نص»، ولم يتطرَّق هؤلاء القضاة الى موضوع الافادات الكاذبة التي ادلى بها بعض الشهود امام لجنة التحقيق الدولية المستقلة وساهموا بإفادتهم هذه بتضليل التحقيق وتأخير ولادة المحكمة الدولية الخاصة نحو اربع سنوات، واللافت في هذا الصدد ان مديرة مكتب التواصل في بيروت العائد للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان ارسلت كتاباً الى جريدة السفير بتاريخ 2/12/2009 توضح فيه:

«إن المحكمة قد لا تقاضي الاشخاص الذين قدَّموا معلومات مزيَّفة خلال مرحلة التحقيق التي قامت بها لجنة التحقيق الدولية المستقلَّة التابعة للأمم المتحدة وذلك نظراً لمبدأ الشرعية الذي يقول انه لا يجوز تطبيق قانون جنائي على افعال ارتكبت قبل اقرار القانون وإن ذلك حق اساسي راسخ في قانون حقوق الانسان الدولي (Nullum Crimen sine lege) وبالتالي فيما يتعلّق بالأشخاص المشار اليهم كشهود زور فإن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قادرة فقط على التعاطي مع الاحداث التي تطرأ بعد اعتماد التعديلات في القواعد الاجرائية، اما في ما يخص الاعمال التي حصلت قبل ذلك فإن المحكمة الدولية المذكورة غير مخوَّلة تحديد الجهة الصالحة للتعامل مع هؤلاء الاشخاص».

يفهم ويستنتج من هذا التصريح الذي ادلت به مديرة مكتب التواصل للمحكمة الدولية الخاصة في بيروت ان المحكمة قد لا تستطيع مقاضاة الشهود السابقين الذين ادلوا بأكاذيب امام لجنة التحقيق الدولية المستقلة وذلك عملاً بمبدأ شرعية القوانين.

إن الاخذ بهذا الاستنتاج الذي توصلت اليه مديرة مكتب التواصل للمحكمة في بيروت يؤدي الى اعتبار ان الافعال الجرمية السابقة لتاريخ وضع القواعد الاجرائية (وخاصة القاعدتين 135 و 152) كانت مباحة عند ارتكابها لعدم وجود قانون موضوعي يعاقب عليها، وإنه لا يجوز في هذه الحالة ان يضع قضاة المحكمة الان قواعد تجرِّم افعالاً ارتكبت قبل العمل بنص هذه القواعد.

وتعليقاً على موقف مديرة مكتب التواصل للمحكمة بهذا الخصوص نورد ان مهام لجنة التحقيق الدولية المستقلة وعملاً بمذكرة التفاهم الموقعة بتاريخ 13/6/2005 بين رئيسها ووزير العدل اللبناني آنذاك كانت تقديم المساعدة للسلطات القضائية اللبنانية في التحقيق ومشاركة قاضي التحقيق العدلي في اجراءات التحقيق مع مراعاة القانون اللبناني والإجراءات القضائية المعمول بها في لبنان، وهذا الامر يؤدي الى اعتبار ان التحقيقات التي قامت بها اللجنة المذكورة والقضاء اللبناني وحدة لا تتجزأ، وبالفعل فقد اودعت هذه التحقيقات برمَّتها جانب المحكمة الدولية الخاصة عندما انتقل الاختصاص الى هذه المحكمة بموجب احكام نظامها.

إن الافعال الجرمية المشتبه ارتكابها من قبل اشخاص ادلوا بإفادات كاذبة وإختلقوا جرائم وضلّلوا التحقيق امام لجنة التحقيق الدولية والقضاء اللبناني قد حصلت على الاراضي اللبنانية. وقد استندت هذه اللجنة الى هذه الافادات لإصدار توصية الى القضاء اللبناني لتوقيف الضباط الاربعة احتياطياً وإعتبارهم مشتبها فيهم بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري، كما استند القضاء اللبناني الى هذه الافادات لإصدار مذكرات توقيف بحقهم. ان هذه الافعال الجرمية المرتكبة من قبل الشهود الزور كانت بتاريخ ارتكابها مجرَّمة في قانون العقوبات اللبناني وفي القانون الدولي الواجب التطبيق على هذه الافعال (المواد 402 و 403 و 407 من قانون العقوبات اللبناني تنص على معاقبة افعال اختلاق الجرائم والإفتراء وشهادة الزور).

لذلك ووفقاً للمبادئ العامة التي ترعى القواعد الجنائية الدولية ولأحكام النظام الاساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي اعتمدت تطبيق قانون العقوبات اللبناني لملاحقة ومعاقبة الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص هذه المحكمة فإنه، وأمام هذا الوضع القانوني، لا يجوز للمحكمة التذرُّع بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وعدم رجعية القوانين الموضوعية للامتناع عن ملاحقة ومعاقبة الاشخاص المشتبهين بإرتكاب افعال جرمية سابقاً اثناء التحقيقات امام لجنة التحقيق الدولية المستقلة والقضاء اللبناني كشهادة الزور واختلاق الجرائم والافتراء لتضليل التحقيق وأنها ملزمة بتطبيق احكام قانون العقوبات اللبناني والقواعد الجنائية الدولية على الجرائم المشار اليها اعلاه والتي تدخل حتماً ضمن اختصاصها باعتبارها جرائم متلازمة مع جريمة اغتيال الرئيس الحريري كما سبق وبيَّنا اعلاه وذلك بصرف النظر عن كون هذه الجرائم قد ارتكبت قبل وضع القواعد الاجرائية من قبل قضاة المحكمة.

وفي كل الاحوال، ان قضاة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لا صلاحية لهم لوضع نصوص تجرِّم وتعاقب افعال يمكن ان تُرتكب اثناء اجراءات التحقيق الدولي وإجراءات المحاكمة الدولية او قبلها لأن نظام هذه المحكمة الاساسي (المادة 28) اعطى لهؤلاء القضاة فقط صلاحية وضع قواعد اجرائية وقواعد اثبات في مسائل محددة ولم يولهم السلطة لوضع قاعدة او نص يجرِّم او يعاقب افعالاً ما باعتبار ان هذا الامر يعود للسلطة التشريعية حصراً عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية المكرَّس في الدستور اللبناني والقانون الدولي والذي يحول دون ذلك. ويقتضي بالتالي اعتبار ان القواعد التي وضعها قضاة المحكمة والتي تجرِّم وتعاقب افعال تحت عنوان تحقير المحكمة وشهادة الزور (المادتين 134 و 152) هي مخالفة للدستور اللبناني وللمبادئ القانونية الدولية.

وتقتضي الاشارة هنا الى ان هذه القواعد التجريمية التي وضعها قضاة المحكمة الخاصة مأخوذة من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية الذي تضمن مواد تجرِّم وتعاقب الجرائم المخلّة بإقامة العدالة (المادتين 70 و71) ومنها شهادة الزور وتهديد الشهود والرشوة.

وإن ايراد مثل هذه النصوص في نظام المحكمة الجنائية الدولية هو قانوني لأن هذا النظام انجز بموجب اتفاقية دولية اصبحت بحكم القانون الموضوعي الوطني بالنسبة لكل دولة طرف وقعت وأبرمت هذه الاتفاقية، وقد تم بالتالي مراعاة مبدأ السيادة الوطنية وفصل السلطات، في حين ان هذه المبادئ لم تراع من قبل قضاة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الذين حلّوا محل السلطة التشريعية ووضعوا قواعد التجريم كما اشرنا اعلاه.

المسألة الثالثة

إذا اعتبر كل من القضاء اللبناني والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان انه غير مختصّ للنظر في جرائم شهادة الزور واختلاق الجرائم والافتراء المشتبه في ارتكابها امام لجنة التحقيق الدولية والقضاء اللبناني، فمن هو المرجع المختصّ لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وهل يجوز ان تبقى هذه الجريمة المتلازمة مع جريمة اغتيال الرئيس الحريري كما سبق وأوضحنا دون عقاب؟ وفي مثل هذه الحالة، الا يفترض ان يكون هناك مرجعاً دولياً يحدِّد هوية القضاء المختصّ للنظر في مثل هذه الجرائم؟ أوليس هذا مسؤولية مجلس الامن، والأمين العام للأمم المتحدة؟

إن اللجنة المستقلة الدولية للتحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه انشئت بموجب القرار الرقم 1595/2005 الذي صدر عن مجلس الامن الدولي تحت الفصل السابع. وقد كلَّف هذا المجلس الامين العام للأمم المتحدة لاتخاذ الاجراءات اللازمة لإنشاء هذه اللجنة وقيامها بعملها على نحو تام بما في ذلك تعيين موظفين حياديين يملكون المهارات والخبرات المناسبة.

كما اعطى بموجب هذا القرار توجيهاته الى اللجنة بالقيام بإجراءات التحقيق مع مراعاة القانون اللبناني والإجراءات القضائية اللبنانية. وطلب القرار المذكور من اللجنة المستقلة انهاء اعمالها بمهلة ثلاثة اشهر وأذن للأمين العام بتمديد عمل اللجنة فترة اخرى لا تتعدى ثلاثة اشهر على ان يبلغ مجلس الامن بذلك. كما طلب منها ان تقدّم له تقريراً عن نتائج تحقيقاتها وتمنّى على جميع الدول الاعضاء والأطراف التعاون مع هذه اللجنة.

تم تعيين اول رئيس للجنة السيد ميليس والرئيسين التاليين من قبل الامين العام للأمم المتحدة بعد اخذ موافقة مجلس الامن، اما تمويل اللجنة فهو على عاتق الامم المتحدة.

قامت اللجنة المستقلة الدولية للتحقيق برفع تقارير متتالية الى الامين العام للأمم المتحدة الذي كان يحيلها الى مجلس الامن لعرضها على اعضائه. وبعد استلامه كل من هذه التقارير، كان مجلس الامن يقوم بدراسته، ومن ثم يعقد جلسة علنية يستمع فيها الى رئيس اللجنة الذي يلخِّص مضمون التقرير وإلى ملاحظات ممثلي الدول الاعضاء، وبالنتيجة يصدر المجلس قراراً تحت الفصل السابع يقيِّم اعمال اللجنة ويعطيها ملاحظات وتوجيهات ويقرِّر الاجراءات اللازمة لمساعدة اللجنة في انجاز عملها.

يتبيَّن من الاصول القانونية التي رعت انشاء وعمل اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه انها هيئة فرعية للأمم المتحدة Organe Subsidiaire وفقاً للمادة 29 من ميثاق الامم المتحدة التي اجازت لمجلس الامن انشاء هيئات فرعية اذا وجد ذلك لازماً لممارسة مهامه.

لذلك، فإن اعمال هذه اللجنة المستقلة تخضع لمراقبة مجلس الامن والأمين العام للأمم المتحدة، وفي حال ارتكاب رئيسها او اي من اعضائها اثناء القيام بأعمال التحقيق خطأ مسلكياً او مهنياً يجرِّمه القانون الجزائي الدولي، فعلى مجلس الامن والأمين العام اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بحق المرتكب لينال عقابه، وفقاً للقواعد الدولية المعتمدة لأنه لا يجوز ابقاء هؤلاء الاشخاص بدون محاسبة وعقاب.

ألا يعود بالتالي لمجلس الامن تحديد المرجع القضائي الصالح ومطالبته بملاحقة ومعاقبة المشتبه فيهم وفقاً للقانون الدولي في حال اعتبرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان انها غير مختصَّة للنظر بمثل هذه الجرائم؟

([) وزير عدل والمدعي العام التمييزي سابقاً 

Script executed in 0.19071793556213