أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

المخزن العسكري التركي يوفر بدائل للجيش اللبناني

الإثنين 19 نيسان , 2010 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,497 زائر

المخزن العسكري التركي يوفر بدائل للجيش اللبناني

ومع وصول الطائرة، كان في انتظارها عدد من السيارات وبعضها رباعية الدفع، تابعة للسفارة التركية في لبنان، وأقلت الضباط المذكورين وانطلقت بهم مباشرة الى بلدة حلوى في منطقة راشيا، وأرشدها على طول الطريق الى تلك البلدة «دليل تركي» أوكلته السفارة تلك المهمة.

في حلوى، استكشف الضباك الاتراك، المعسكر الذي كان قائماً هناك لحزب العمال الكردستاني المعارض. وبعدما تمّ التأكد من ان ذاك المعسكر قد اُخلي، عاد الوفد العسكري التركي ادراجه الى مطار بيروت مباشرة، وسافر الى تركيا من دون ان يقابل أحداً من المسؤولين في لبنان.

في العام 1996، وبعد مشاورات تركية ـ لبنانية، تقررت زيارة الى انقرة لوزير الدفاع اللبناني آنذاك محسن دلول، على ان يرافقه وفد عسكري رفيع الا ان تلك الزيارة الغيت قبل ساعات قليلة من سفر دلول والوفد المرافق، الذي كان قد أتم كل استعدادته... في ذلك الوقت كانت العلاقة التركية السورية سيئة جداً، وبلغ التوتر حد ارسال حشود عسكرية تركية الى الحدود مع سوريا.

حدود علاقة لبنان بتركيا تاريخياً لم تتجاوز سقف علاقة عادية في المجالات كافة، شأنها كأي علاقة بين دولتين تربطهما علاقات دبلوماسية وتجارية واقتصادية، الا انها تطورت مع حكومة رجب طيب اردوغان، الذي زار بيروت مراراً في ظل حكومة نجيب ميقاتي في العام 2005 وفي ظل حكومة فؤاد السنيورة في العام 2007، ويتردّد أنه سيزور بيروت في ظل حكومة سعد الحريري في تموز المقبل. وذلك في موازاة إطلالات لبنانية الى تركيا عبر الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري وسعد الحريري. وأيضا زيارات وفود عسكرية لبنانية الى تركيا مؤخراً.

وإذا كانت زيارات المسؤولين اللبنانيين قد هدفت الى توسيع مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والبرلماني بين البلدين، فإن الزيارات العسكرية وفي مقدمتها زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي، التي تعتبر أول اتصال عسكري لبناني تركي على هذا المستوى الرفيع في تاريخ العلاقة بين البلدين. وقد صبت، على ما يقول العارفون، في محاولة فتح آفاق تعاون عسكري نوعي يمكن ان تستفيد منه المؤسسة العسكرية في مجال التسلح والتدريب وتعزيز القدرات القتالية للجيش اللبناني الذي يعاني من فقر حقيقي في العتاد الحربي الدفاعي، الذي يمكنه من التصدي للمهام الملقاة على عاتقه سواء في الداخل اللبناني ام في حماية الحدود اللبنانية الجنوبية.
لماذا تركيا؟

في التقييم العام لزيارة قهوجي الاخيرة، والتي احيطت تفاصيلها بكتمان شديد، انها كانت بمثابة «خطوة ذكية وموفقة» على حد توصيف مواكبين عن كثب للزيارة وما دار فيها. ولا سيما أنها تمّت بناء على رغبة مشتركة لبنانية ـ تركية، وفي ظرف سياسي ملائم، وفي ظل تطوّر نوعي في الموقف التركي الذي استطاعت من خلاله انقرة أن تعيد إنتاج دور تركيا كدولة محورية في المنطقة وترجمته بالانفتاح الواسع على العالم العربي وخاصة من البوابتين السورية والفلسطينية.

ويقول بعض المطلعين إن الزيارة من وجهة نظر قائد الجيش قد نجحت، ولم تكن «زيارة تعارفية» بالمعنى العسكري بل انها كانت ركيزة تأسيسية لفتح باب تعاون واسع في المجال العسكري التسليحي للمؤسسة العسكرية في لبنان، ولا سيما ان هناك مشتركات كثيرة بين نوعية السلاح التركي والسلاح اللبناني. وقد قطع الاتراك شوطاً مهماً في اعادة تطوير الأسلحة القديمة التي يمتلكها الجيش التركي، والكثير منها من ذات فئة ونوعية ومصدر السلاح الذي يمتلكه الجيش اللبناني.

وفرصة الاستفادة من مخزن السلاح التركي ممكنة بالنظر الى ما لمسه قائد الجيش من كبار الضباط في الجيش التركي، بما يجعل من المخزن التركي السوق البديل للجيش اللبناني ليستفيد مما هو متوافر فيه من صناعات عسكرية عالية الجودة، كالرادارات وغير ذلك من القدرات الهائلة للتدريب والتسليح. والتي يمكن أن تتوفر بنوعية افضل وباسعار اقل من الاسواق الاخرى في اوروبا وغيرها.

هذا مع العلم أن سوريا ما تزال تشكل مصدر التسليح الاساسي للجيش، بحيث تؤمن ما يزيد عن ثمانين في المئة من آليات القتال والاسلحة النارية ومدفعية الميدان ومدافع الدبابات والذخائر وقطع الغيار التابعة لها. بالاضافة الى صيانتها واصلاحها. حتى ان المحروقات للجيش والبنزين تم تأمينها من سوريا بعدما تعذّر تأمينها في اوقات معينة من السوق اللبناني. ولم يتأثر ذلك بالتبدلات السياسية التي شهدها لبنان خلال السنوات الاخيرة. ومعلوم الدور الذي لعبته خلال حرب نهر البارد حيث كان لها دورها الاساسي في رفد الجيش بما طلبه خلال تلك الحرب فيما انكفأ الآخرون برغم السيمفونيات المتواصلة عن تعزيز الجيش ودعمه.

واذا كانت عملية اعادة بناء القدرات القتالية للجيش اللبناني وتجهيزه وتطويره تندرج في رأس اولويات القيادة، فان المحاولات لتحقيق هذه الغاية لم تتوقف منذ حرب نهر البارد، ولكتها اصطدمت بأسقف وموانع منها ما هو داخلي ـ مالي، وعدم قدرة الخزينة اللبنانية على تلبية احتياجات الجيش الحقيقية، ومنها ما هو خارجي يمنع على الجيش التزوّد ولو بالحد الأدنى من السلاح المطلوب والفعال برغم الوعود التي يتلقاها الجيش وتبقى كلها بلا ترجمة حقيقية. وحتى وان تمت الموافقة على تزويد الجيش بالسلاح فإنها تقترن بعروض اسعار عالية جداً (من فرنسا او بريطانيا مثلاً) لا قدرة للخزينة اللبنانية على تحملها.

علما ان ما تقدمه الولايات المتحدة الاميركية ينحصر بالعتاد العسكري غير الحربي على شاكلة سيارات وآليات وناقلات مسـتعملة. (يذكر أن وفداً عسكرياً وصل الى دولة الامارات العربية المتحدة السبت على ان يعود في الساعات المقبلة على متن ثماني طائرات بوما مباشرة من الإمارات الى بيروت).

وفي موازاة الوجه التسليحي للزيارات العسكرية الى تركيا، يبرز الوجه الأمني المشترك. ويقول المطلعون، إن التنسيق الأمني التركي السوري، من الطبيعي ان يكون لبنان عنصراً مكملاً له، فثمة ملفات مشتركة في الامن، من الملف الكردي، الى ملف المخيمات الفلسطينية، الى ملف الصراع العربي الإسرائيلي وموقع المقاومة ودورها. كل تلك العناوين أدرجت على بساط البحث الى جانب مواضيع أمنية أساسية موجودة على ساحة لبنان.

وأما الملاحظة التي عاد بها الوفد اللبناني فمفادها «ان موقف اردوغان المدوّي من الصراع العربي الإسرائيلي ومن الملف النووي الايراني، والمكانة التي احتلها في الوجدان العربي العام، سهل علينا ان نطرح امام الاتراك ما نريد وان نلقى تجاوباً مع ما طرحناه». 

Script executed in 0.17830991744995