أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

آخر الرهانات قبيل الاستسلام للأمر الواقع

الإثنين 19 نيسان , 2010 10:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,516 زائر

آخر الرهانات قبيل الاستسلام للأمر الواقع

وفي أحسن الأحوال، لن تكون هذه الانتخابات إلا مجرد محاولة لإثبات الذات، وتأكيد الحضور، وإضافة بعض النقاط، أو تسجيل بعض الأهداف في هذا المرمى أو ذاك.

اللعبة الحقيقية والأساسية هي اليوم في مكانٍ آخر، ويمكن تلمس معالمها العامة من خلال تطورات بارزة تسجل هنا أو هناك، أبرزها:

أولاً: انعاش لعبة المحكمة ذات الطابع الدولي وفق سيناريو مكرر في مضمونه، مع تغيير لطيف في أدواته، فها هو ملك شهود الزور يعود الى الواجهة، وعلى لسانه المدمن على الكذب اتهام هذه المرة لحزب الله بعد أن كان اتهامه الأول لسوريا، هذا الاتهام الذي وجد بصماته قبلاً في فبركات اعلامية فرنسية (الفيغارو) والمانية (دير شبيغل) وعربية (السياسة الكويتية) والشراع اللبنانية، يضاف اليها الجوقة السياسية اللبنانية المعروفة الانتماء والأدوار.

ثانياً: صدور مواقف اميركية حديثة بالغة الخطورة في دلالاتها ومراميها: الأول، يعلن صراحة أن الهدف من الاهتمام بالأجهزة الأمنية اللبنانية هو لتقويتها في وجه ما أسمته عملاء ايران في لبنان، أما الثاني، فهو يوجه اتهاماً واضحاً الى لبنان بأنه سيكون عرضة لخطر شديد في حال ثبت وصول أسلحة الى المقاومة كاسرة للتوازن، وسمى تحديداً صواريخ سكود، داعيا في نهاية المطاف الدولة اللبنانية الى العمل على تقويض سلاح المقاومة.

ثالثاً: اصرار جوقة معروفة في الداخل على جعل سلاح المقاومة مادة انقسام داخلي، وعلى تحريف مهام جلسات طاولة الحوار الوطني من بحث الاستراتيجية الدفاعية، الى البحث في سلاح المقاومة، خدمة للهدف الآنف.

رابعاً: حدوث إشكال أمني في موقع كفرزبد التابع للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة في ظروف مريبة، وقبيل انعقاد جلسات طاولة الحوار الوطني، والمسارعة الى فتح ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات على نحوٍ استفزازي يعاكس التوجه الحواري.

خامساً: الكلام عما يشبه الانذار الى سوريا في حال لم تتوقف عن تسهيل مرور السلاح الى المقاومة في لبنان، رافق ذلك اشارات بأن الكونغرس الاميركي قد لا يسهّل اقرار ارسال سفير اميركي جديد الى دمشق، هذا الى جانب عدم تخصيص سوريا بدعوة للمشاركة في المؤتمر الدولي للأمن الوطني.

سادساً: اعلان واشنطن عن سياستها النووية الجديدة ، التي احتفظت فيها بحق استخدام السلاح النووي ضد ايران وكوريا الشمالية اضافة الى القاعدة، في محاولة واضحة لوضع ايران تحت أعلى درجات الضغط والتهديد، ولإبقاء الملف النووي على الطاولة، وبالاتجاه الذي يدفع الدول المترددة او الرافضة حتى الآن لفرض عقوبات جديدة على ايران للتعديل في مواقفها هذه، وإلا ستتحمل مسؤولية في اللجوء الى الخيارات الجدية.

سابعاً: في هذا المناخ العام، بدأنا نشهد التعثر في تطوير مسار العلاقة بين رئيس الوزراء سعد الحريري ودمشق.

ثامناً: في هذا المناخ العام أيضاً "نسجل تطورات مهمة أبرزها:

أ ـ استمرار التجاذب الدولي حول الملف النووي الايراني.
ب ـ استمرار التجاذب الاميركي ـ الايراني حول العديد من الملفات أبرزها الملف النووي، والمشهد السياسي الذي سيتبلور في العراق عقب الانتخابات الأخيرة.
ج ـ الخلاف أو التمايز الاميركي ـ الاسرائيلي حول كيفية مقاربات الملفات الأساسية في المنطقة.
د ـ استمرار تعثر التسوية وسط اصرار اسرائيلي على المضي قدماً في عملية تهويد الأراضي المحتلة، والقيام بعملية ترانسفير جديدة من الضفة الغربية الى خارجها.

تكشف مجمل هذه التطورات عن تشابك عملية الصراع في المنطقة، وعن مدى تداخل ملفاتها، وعن انفتاح هذه العملية على احتمالات متنوعة، سيعمل كل طرف على استخدام كل ما يملك من أدوات ضغط للوصول الى تحقيق أهدافه، كمحاولة ربما تكون الأخيرة قبيل وصول الأمور الى لحظة الانفجار الكبير، قد تبدأ في منطقة ما لتمتد فتشمل المنطقة بأسرها:

وفي هذا الإطار، تتبدى الاستهدافات الرئيسية وفق التالي:

لبنانياً: ان القطبة المخفية تتمثل في رفع وتوزيع درجة التهديد والضغط على الساحة اللبنانية باتجاه الدائرة العامة، أي على امتداد الساحة الوطنية لايجاد بيئة عامة ضاغطة على المقاومة، وعلى امتداد الساحة المذهبية وتحديداً السنية ـ الشيعية، وهنا يكمن مغزى لعبة استخدام المحكمة الدولية باتجاه حزب الله، وذلك للضغط على سلاح المقاومة من النقطة الأخطر، اي نقاط الفتنة الداخلية. ومن الواضح، ان اقفال بوابات هذه الأخطار، لا يتأتى إلا من خلال موقف وطني جامع يحتضن المقاومة، ولا يتجاوب مع متطلبات المؤامرة الاميركية ـ الاسرائيلية، حيث لا يمكن لأي مواقف تثير الانقسام الداخلي الا ان تخدم هذه التوجهات، ومن يصر على مواقف كهذه انما يعمل عن وعي أو من دون وعي على ايجاد البيئة الملائمة لنفاذ هذا المخطط الخطير.

ولا يمكن النظر الى هذه الاستراتيجية إلا كجزء من استراتيجية أشمل، أي كجزء من مواجهة كلية تضم سوريا وايران والمقاومة في فلسطين، والعراق وافغانستان الخ..

اذا اضفنا الضغوط التي تتعرض لها المقاومة في لبنان الى الضغوط التي تتعرض لها سوريا وايران وحماس ندرك أننا ازاء استراتيجية شاملة تتعامل مع وضع كلي، يستهدف التالي:

فرض وضع استراتيجي يتوسل التصعيد الى أقصى الحدود كسبيل للحسم النفسي عن طريق التهديد باستخدام الوسائل العسكرية القصوى والوسائل النفسية كالدعاية وتسميم الاقتصاد والسياسة والضغط الدولي والتفتيت الداخلي، واستخدام القوة العسكرية لغرض الدعاية المسلحة. باختصار، أننا أمام محاولات لتفتيت معنويات محور المقاومة، وتثبيط همته، لردعه، ودفعه الى تقديم ما يلزم من تنازلات.

ـ ان فشل هذا الوضع الاستراتيجي في تحقيق أهدافه قد يدفع الى أحد احتمالين: اما الذهاب بالفعل الى استخدام الوسيلة العسكرية لفتح ممر نحو تسوية الأمور، وإما اقناع المعني بضوررة الالتقاء في منطقة وسط مع خصومه.

ـ التغطية على حقيقة ما يخطط له في المنطقة لا سيما بالنسبة للقضية الفلسطينية.

ـ ايجاد وضع دولي ضاغط يدفع باتجاه التجاوب مع المطالب الاميركية في أكثر من ملف حساس، خصوصاً في ما يتعلق بايران.

ـ السعي لتفكيك عرى التحالف بين حلقات محور المقاومة من خلال توسيع الضغوط، وتحميل التبعات والمسؤوليات.
في هذا السياق يصبح واضحاً اصرار البعض على:

ـ ابقاء الانقسام الداخلي في لبنان حول المقاومة تحديداً.

ـ تبريد العلاقات مع سوريا، وابقاء مسالك لاستمرار توليد الأزمات معها.

فالرهانات لم تنته، والأمور لم تصل الى خواتيمها بعد، وما زال أمامنا مسافة كبيرة قبل تلمس وجهة الأمور، لكن المتأمل في مجمل الاستراتيجية الاميركية ـ الاسرائيلية في تقاطعاتها الأساسية يدرك أنها في العمق تخفي يأساً عميقاً، وهي بمثابة الإجراء الأخير قبل الاستسلام للواقع، ما يقتضي المزيد من الوعي والصبر والثبات. 

Script executed in 0.16728091239929