أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

البـركـان

الثلاثاء 20 نيسان , 2010 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 6,203 زائر

البـركـان

فيطلق حممه في السماء ثم تسقط في ما بعد على الارض وتحول مساحات شاسعة من بيئة جغرافية معتدلة المناخ تغطيها الغابات والسهول الى صحارى او براري جرداء قاحلة، وتجبر البشر عل الترحال من قارة الى أخرى، وتنقل مراكز القوة من مدينة الى أخرى.

هكذا توالت العصور من الجليد الى الاحتباس، وهكذا توالدت الحضارات الإنسانية وتعاقبت، وهكذا ولدت الامبراطوريات الكبرى التي عمرت مئات السنين ثم اندثرت مثل الرماد.

لم يكن انفجار بركان آيسلندا الضخم بحجم البراكين التي ساهمت مثلاً في إنتاج الحضارات اليونانية والرومانية والإسلامية، وفي تحول أثينا وروما ومكة على سبيل المثال الى عواصم عالمية كبرى... لكن التغييرات التي ادخلها طوال الاسبوع الماضي على الطبيعة كما على البشر في المجال الاوروبي وفي جواره المتوسطي القريب، أعاد التذكير بتلك النظرية القديمة التي لم تعتمد على الصدف التاريخية وحدها، كما لم تبن على الأوهام الجغرافية، بل كان لها أساس وإن لم يكن لها تفسير علمي يحدد سبب تفجر باطن الأرض على هذا النحو وفي مواعيد يستحيل تقديرها او التنبؤ بها.

لا يقع انفجار بركان آيسلندا في هذا الباب، لأنه وقع في بلد صغير لا يصل عدد سكانه إلى نصف مليون نسمة يتوزعون على مساحة تزيد على مئة الف كيلومتر مربع، أشهر إفلاسه الرسمي العام الماضي نتيجة الأزمة المالية العالمية وما زالت مصارفه مدينة للكثيرين من المتمولين الأوروبيين الذين كانوا يفرون من الضرائب المرتفعة في بلدانهم لكنهم اضاعوا معظم مدّخراتهم.. هو ليس مركزاً مؤهلاً لصنع حضارة خاصة، برغم انه كان من اكثر بلدان العالم تقدماً، وأقربها الى المعايير الاسكندنافية المرتفعة. إنه مجرد بيئة بركانية ومناخية مضطربة غير صالحة للسكن، وغير جاذبة للهجرة.

فوران البركان الآيسلندي تخطى بسرعة تلك البيئة، وفرض نفسه حدثاً عالمياً مثيراً، دفع العلماء الى التأكيد اولاً على أن الظاهرة ليست استثنائية ولا توضع في سياق التحركات الزلزالية الناشطة في أكثر من مكان في العالم، وهي تحركات عادية أيضاً، وأخرج من جعبتهم سراً علمياً مفاده أن الحمم البركانية تساهم في خفض ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال إحراق ثاني اوكسيد الكربون، وتضاف الى الظاهرة المفاجئة التي شهدتها القارة الأوروبية عندما سجلت هذا العام واحداً من أشد فصول الشتاء برودة خلال نصف قرن، بينما كانت التوقعات تشير الى العكس تماماً.

الغرائب والطرائف التي نجمت عن فوران البركان الآيسلندي كثيرة، وهي دلت على أن الأوروبيين ليسوا مختلفين عن بقية البشر، لا بوعيهم ولا بسلوكهم، ولا حتى بقدرتهم على الصمود امام ظاهرة عادية جداً، وإيجابية جداً، أهم ما فيها أنها تؤكد أن الطبيعة قادرة على تنظيم نفسها واستعادة توازنها... من دون الاعتماد على علماء الجيولوجيا او المناخ، ولا حتى المؤرخين. 

Script executed in 0.18557691574097