أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الصهيونية تتجدد بالحرب

الثلاثاء 20 نيسان , 2010 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,920 زائر

الصهيونية تتجدد بالحرب

السيادة والأمن على كل الأراضي المحتلة بيد إسرائيل، وإدارة الشؤون الإنسانية والاجتماعية بيد «السلطة». يطبّق بنيامين نتنياهو برنامجه السياسي والإيديولوجي بحرفيته كاملاً.

نحن أمام زعيم إسرائيلي وضع نصب عينيه منذ عقدين «تجديد الصهيونية». قامت سمعته أصلاً على نقده المنتظم لسياسة أسلافه الذين خاضوا في غمار التسويات. هو يتحسّر للتنازل عن سيناء وطابا لمصر.

على مشارف مفاوضات مدريد وما تبعها وقبيل اتفاق «أوسلو» وضع نتنياهو كتاباً لتأصيل العقيدة الصهيونية وانطلق منها لصياغة برنامجه السياسي. فكره السياسي يتركز على استعادة مشروع إسرائيل الكبرى. لا تفريط بأي جزء من القدس والضفة الغربية (يهودا والسامرة) ولا غزة.

يريد أن يتعامل مع الفلسطينيين كجماعة بشرية لها حاجاتها الاجتماعية بلا هوية وطنية وبلا سيادة على الأرض. لديه عقيدة أمنية تعتبر الجغرافيا مهمة كمدى حيوي وكفاصل زمني وحاجز تحتاجه إسرائيل في حروبها حتى لا تبدأ الحرب على حدودها. هو يرفض التنازل عن الجولان كما الضفة وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا لأسباب أمنية ولأسباب مائية. يتوسّع في الاستيطان ويعتقد أنه قادر على استجلاب المزيد من الديموغرافيا اليهودية. لا يهمّه ما تدعيه «السلطة» عن نفسها من ألقاب، هي بالنسبة له إدارة ذاتية كروابط ولجان القرى في الثمانينيات. هاجسه الأكبر أن لا تنشأ في محيط إسرائيل أوضاع تجمع بين التشدد العقائدي (التطرف) العروبي أو الإسلامي إلى مصادر القوة. يركّز على التحدي الإيراني ويقلقه تسليح أميركا لدول الخليج!

هذا «الزعيم» الذي يملك القرار الإسرائيلي مع حلفاء يشبهونه، ويقود مجتمعاً تتعاظم عنصريته، وتنهار أحزابه السياسية التقليدية، ولا سيما ذات العقيدة الاجتماعية المتناغمة مع العقيدة القومية (حزب العمل..) لا يعتقد أبداً أن «السلام» يجلب الأمن، بل «القوة» هي التي ستجلب «السلام».

إزاء ذلك ليس مهماً ما نتمناه كعرب، أو ما نراهن عليه من آفاق لتسوية سياسية تستعيد «بعض الحقوق» الوطنية الفلسطينية. المسألة الآن في المنظور الإسرائيلي هي اعتراف العرب بالكيان الكامل النهائي الواسع للدولة اليهودية «المحرّرة» بعد ألف وأربعمئة سنة من «الفتح العربي»... وأن من حق هذه الدولة أن تبحث عن شروط أمنها القومي كما الدول الجدية في بيئة إقليمية سوية. نلاحظ هنا بوضوح التزامن بين «مشاريع السلام» في المنطقة وبين فكرة إقامة نظام إقليمي تحت اسم «الشرق الأوسط الجديد».

في أساس هذا النظام هناك الدور المحوري المهيمن لإسرائيل، وهناك الهوية العربية المبدّدة المفكّكة المتداخلة بجميع الهويات المستولدة حديثاً، أكانت هذه دولاً أو كانت دويلات أثنية وعرقية وطائفية ومذهبية. وليس من قبيل المصادفة أن نتنياهو لا يريد أن يكرّر اليهود تجربة «الموارنة» في دولة التنوّع، ولا هو طبعاً يرتجي النموذج المدني الأوروبي (المواطن) الذي خرجت المسألة اليهودية من رحمه إلى العزلة.

بل هو يستحضر نبذات من التاريخ العربي والإسلامي (المعاصر) عن الأحداث الطائفية والتعصب والعنف ليبرّر استحالة المشروع المدني في المنطقة.
«الشرق الأوسط» المنشود جمعية أمم تتعاون في الاقتصاد، تتشارك في الثروات من النفط إلى المياه، ولكن السيادة العليا فيها لأولئك الذين يملكون القوة (إسرائيل والغرب) والديموقراطية (إسرائيل والغرب).

قبل ثلاثة عقود دمّرت إسرائيل مفاعل تموز النووي العراقي، قبل عشرين سنة استشرفت إسرائيل احتمالات اكتساب إيران التكنولوجيا النووية.

منذ ذاك التاريخ تتعاون إسرائيل والغرب على محاصرة أي تقدم عسكري أو اقتصادي أو علمي في محيطها. هناك مطلب إسرائيلي أولي من أميركا والغرب، العقوبات القاسية الفعالة لتغيير توجّه النظام الإيراني وإلا الحرب. في جميع الأحوال هذه هي الحرب التي يسيطر شبحها على المنطقة كلها ولا أحد يعرف مسالكها ومن أين تبدأ وعلى أي أرض تتقدّم. إنه «الأمن القومي» الصهيوني المركّب من اعتبارات استراتيجية عدة، ومن دوائر تتسع كل يوم مع ترابط مشكلات المنطقة، ومع العولمة، ومع تبلور مصالح دول إقليمية أخرى.

حين نفكر بلبنان، بل حين نفكر بالفلسطينيين وحدهم، أو بمستقبل أي بلد في هذه المنطقة نقع في مصيدة الأمن القومي الصهيوني.

إذا كان الرئيس الأميركي (أوباما) لم يستطع بعد أن يجذب نتنياهو إلى مشروع «السلام» فلا ندري إذا كان (أبو الجواهر) اللبناني سيجذبه في هيئة الحوار!؟ 

Script executed in 0.19678688049316