أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الدولة الخائفة

الأربعاء 21 نيسان , 2010 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 8,415 زائر

الدولة الخائفة

الخطر موجود في ذهن المسؤولين الاسرائيليين اكثر مما هو حاضر في وعي الجمهور الاسرائيلي، المشغول بفضيحة فساد رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت، وخيانة المجندة عنات كام، والذي توقف لدقيقة صمت على ارواح القتلى اليهود في فلسطين منذ العام 1860 وحتى اليوم وعددهم لا يصل الى 23 ألفا، ثم مضى الى الاحتفالات الصاخبة بالذكرى الثانية والستين لقيام الدولة اليهودية التي حلت امس حسب التقويم العبري الفريد.

لكنه ليس احساسا غريبا عن الاسرائيليين الذين بنوا دولتهم على المخاطرة وتحديها، وتضخيمها بين الحين والآخر الى الحد الاقصى ما ساهم في تحويل الكيان الهجين الذي كان يروج لخشيته من ان يرمى سكانه في البحر ثم يرفع قلقه من التهديد بإزالته من الخريطة، ثم يتوسل الاعتراف العربي بحقه في الوجود، الى دولة راسخة اكتسبت مناعتها وهويتها الوطنية في الحروب، ولم ترتكب حتى الآن سوى حماقة تاريخية واحدة هي غزو لبنان في العام 1982، الذي لم تختمه حتى اليوم، لأنه بات يحتاج الى اختبار جديد للقوة العسكرية الاسرائيلية المتفوقة.

في الاحتفالات بالذكرى الـ62، ترددت اكثر من مرة عبارة المعجزة. والقياس يغفل حقيقة ان الدولة قامت بقوة الحلفاء ونصرهم في الحرب العالمية الثانية، وصارت قوة نووية كجزء من حربهم الباردة مع الاتحاد السوفياتي، ولا تزال قاعدة عسكرية متقدمة لوحداتهم المقاتلة. ثمة ما يوحي بأن الاسرائيليين باتوا يقيسون تقدم دولتهم من خارج المقارنة مع دول اوروبا الغربية مثلا، بل بالاعتماد على تردي اوضاع جيرانهم العرب.

وهو قياس دقيق، لكنه لا يخدم مصلحة اسرائيل على المدى البعيد. فالاستنتاج بأن الدولة اليهودية نجحت في تصفية القضية الفلسطينية التي تحدت المهاجرين اليهود الاوائل منذ نزولهم على سواحل فلسطين في مطلع القرن الماضي، صحيح، لكنه ليس نهائيا. وكذا الامر بالنسبة الى بقية الدول العربية التي لا يمكن ان تظل الى الابد محكومة بالحروب الاهلية او بالعصابات المحلية.. كما لا يمكن ان تظل مهجوسة بالخطر الايراني المبالغ به، وتستخدمه لارساء المصالحة مع الدولة العبرية.

وحتى ذلك الحين ستظل اسرائيل، كلما لاح صاروخ في الافق، تصرخ انها تتعرض لـ«خطر وجودي» من اعداء لا يملكون اكثر من وسائل الدفاع الاولية، فتواصل التوسع والتجذر في الجغرافيا السياسية للعالمين العربي والاسلامي، وستظل تجد من يهدد برمي سكانها في البحر او إحراقهم على البر او محو دولتهم من الخريطة..

ليزودها بأدوات ومبررات اضافية للقتال ويوفر لها مجالات واسعة للاستثمار في العقل الغربي الذي يبحث في هذه المرحلة عن وظيفة جديدة للدولة اليهودية وجيشها الذي لا يصمد من دون حروب، ولا يمكن أن يظل في هدنة فيما الجيوش الغربية تقاتل على بقية الجبهات العربية والاسلامية. 

Script executed in 0.19816994667053