أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

السنيورة يبكي كاسيزي بدفاعه عن إسرائيليته واستحقاقه جائزة الصهيوني فيزل

الثلاثاء 01 تشرين الثاني , 2011 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 13,944 زائر

السنيورة يبكي كاسيزي بدفاعه عن إسرائيليته واستحقاقه جائزة الصهيوني فيزل

وكرّس جهداً مضنياً لرثاء الرئيس السابق للمحكمة الخاصة بلبنان القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيزي بعد وفاته، فمدحه بما يستحقّه لجهة معرفته الواسعة في القانون، وأغفل الكثير عنه لجهة معارفه وأصحابه وأصدقائه محاولاً أن يدافع عن إسرائيليته التي أُغدقت عليه من الإسرائيليين أنفسهم.


وقد نشر السنيورة بكائيته في صحيفة " النهار" في عددها الصادر يوم الجمعة في 28 تشرين الأوّل/أكتوبر 2011 بعنوان:" رسالة اعتذار من القاضي أنطونيو كاسيزي"، لم تشأ الصحيفة المذكورة أن تنشرها في صفحتها الأولى على ما يملي واجب التعاطي الأخلاقي والصحافي مع الشخصيات السياسية الوازنة ورجالات الدولة الكبار، فمنحتها مساحة في صفحة "منبر" المخصّصة لأقلام القرّاء من شرائح اجتماعية وثقافية ومعرفية متنوّعة، وذلك ليقينها أنّ المقالة وموضوعها وكاتبها لا يستحقّون الصدارة، فجاء النشر خجلاً وليس اعترافاً بأهمّية الكلمات التي كتبها السنيورة باللغة العربية وطعّمها بكلمات أجنبية لغاية في نفسه معروفة، وهو الضنين بقوميته العربية.


ويكثر السنيورة من الاستشهاد بكلام للقاضي كاسيزي لتمرير رسائل سياسية لا تخرج عن نطاق مواظبته على ممارسة الكيدية السياسية.


ويعرف السنيورة وقبله القاضي كاسيزي، أنّه لا يحقّ لرئيس المحكمة، مطلق محكمة، أن يبدي رأياً سياسياً أو قانونياً لا سلباً ولا إيجاباً في ملفّ معروض عليه، أو قد ينظر في مضمونه في يوم من الأيّام، وفي مرحلة من مراحل المحاكمة الشفّافة والعادلة، وهذا ثابت في النصوص القانونية وأعراف المحاكم الوطنية والدولية، ويمكن للسنيورة أن يسأل مستشاريه القانونيين أو القضاة المحسوبين على خطّه السياسي، للتحقّق من هذا الأمر الواضح والمؤكّد والثابت على مدى الحياة ولا يمكن تعديله لأنّه يتعارض ومبدأ إحقاق الحقّ، وبالتالي، فإنّ ما كتبه كاسيزي في صحيفة "نيويورك تايمز" خارج المألوف والمتعارف عليه ويفترض ألاّ يصدر عنه وهو المشهود له، بغضّ النظر عن ميوله السياسية والعقائدية، بخبرته الطويلة والعريقة في الميدان القانوني والتي لا يناقشه في تميّزها أحد.


وقد سبق للقاضي كاسيزي أن ارتكب هفوة بكتابته مقالاً في صحيفة "الحياة" السعودية في 10 آب/أغسطس 2011، وقبض أتعابه عليه مثل أيّ مستكتب آخر، ثمّ أوعز إلى المكتب الإعلامي في المحكمة بتوزيع المقال على شكل بيان صادر عن المحكمة وهو ما حصل فعلاً في اليوم التالي أي في 11 آب/أغسطس 2011، ويمكن للسنيورة أن يعود إلى الموقع الإلكتروني الرسمي للمحكمة ليعثر على هذا البيان، أو أن يفتّش عليه في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة التي نشرته وبثّته وأذاعته كاملاً من دون أن تنقص حرفاً منه، وكأنّه "أمر اليوم"، أو البلاغ رقم واحد لانقلاب في دولة مجمّدة السلطة.


وتوصيف كاسيزي لصدور قرار الاتهام عن المدعي العام القاضي دانيال بيلمار بأنّه" وقت مصيري بالنسبة إلى الشعب اللبناني ودولته وبالنسبة إلى العدالة الدولية" غير صحيح على الإطلاق، فقرار الاتهام جاء مخيّباً لآمال اللبنانيين لما انطوى عليه من مغالطات وافتراءات واتهامات جعلت وقعه بارداً وعادياً جدّاً، ولم يزلزل الأرض كما كان يروّج فريق السنيورة السياسي مستبقاً نتائج التحقيق ومؤكّداً انخراطه في لعبة التسريب التي ضربت مصداقية التحقيق ونزاهة المحكمة برمّتها.


كما أنّ هذا القرار الاتهامي ضلّ طريقه لأسباب سياسية يعرفها السنيورة أكثر من سواه، بهدف النيل من سمعة المقاومة والتشهير بها ووصمها بالإرهابية وتنفيذ الاغتيالات، ولكن يبدو أنّه لكثرة وضوح الصورة وسطوع شمسها لا يراها السنيورة، ولا يريد أن يراها حتّى ولو سلّمت له باليد.


أمّا نعت كاسيزي توقيت صدور قرار الاتهام بالوقت المصيري بالنسبة إلى العدالة الدولية، فهو كلام إنشائي يراد منه دغدغة هذه العدالة التي سقطت معاييرها العالية على ما اعتادت المحكمة ومسؤولوها على التحدّث والتغنّي في مناسبات مختلفة، وذلك عندما قامت المحكمة بتعديل بعض قواعد الإجراءات والإثبات المعمول بها فيها بما يتلاءم والتوجّهات السياسية ولا سيّما لجهة التملّص من محاكمة الشهود الذين توافدوا زرافات ووحداناً في عهد لجنة التحقيق الدولية وأدلوا بإفادات جرى على أساسها اعتقال الضبّاط الأربعة ليتضح مع مرور الأيّام وبشكل مؤكّد وحازم، أنّها شهادات مزوّرة حملت في طيّاتها الكثير من ذخيرة الافتراءات والتشهير وهي تستوجب الملاحقة القضائية والاقتصاص من هؤلاء الشهود ومن رعاتهم ومشغّليهم ومموّليهم اللبنانيين والأجانب على حدّ سواء، وإلاّ السماح بإعطاء إفاداتهم المزيّفة إلى أصحاب العلاقة ممثّلين باللواء الركن جميل السيّد بغية مقاضاتهم أمام المحاكم الوطنية المختصة بحسب جنسية كلّ واحد منهم. ولا يزال مدعي عام المحكمة القاضي دانيال بيلمار يرفض تنفيذ ما ألزمته به المحكمة ممثّلة بقاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، لجهة تسليم اللواء السيّد تلك الإفادات موجّهاً إهانة كبيرة للمحكمة بهذا التصرّف غير المعتاد عليه في كلّ محاكم العالم.


وقد ظلّ القاضي كاسيزي صامتاً لا يحرك ساكناً إزاء سلوك بيلمار المريب، فأين هي العدالة الدولية وهي تلقى هذه المعاملة غير القانونية من المنادين بها والمؤتمنين عليها والمتخفّين خلفها؟.


وبالنسبة إلى مدح السنيورة لنزاهة كاسيزي وتجرّده، فهو يعرف أنّهما انزلقا إلى الملعب السياسي عندما تعمّدت المحكمة وتحديداً غرفة الاستئناف التي كان كاسيزي نفسه يرأسها، عن سابق إصرار وترصّد، إدخال المحاكمة الغيابية إلى قواعدها في 30 تشرين الأوّل/أكتوبر 2009، استباقاً لنتائج القرار الاتهامي ولكي تتوافق معه مضموناً ومتطلبات، بعدما أدركت خطّة العدالة الدولية المسيّسة أنّ الاتهام يفترض أن يوجّه إلى حزب الله للاقتصاص منه على مقاومته للاحتلال الإسرائيلي لأرضه.


ثمّ أين كانت نزاهة كاسيزي وتجرّده إزاء تحوّل الاتهام من سوريا والضبّاط الأربعة إلى حزب الله، فلم يدل برأيه بهذا الخصوص، ولكنّه كان يفتعل كتابة المقالات وإطلاق التصريحات المؤيّدة لمسار المحكمة، والتهويل بأنّه "لا رجوع عن مسيرة العدالة"، علماً أنّ التعبير في كلتا الحالتين مخالف للقانون؟.


ورأى السنيورة في حديث كاسيزي عن بطء العدالة وطول الإجراءات وتأخّرها تواضعاً، بينما هو في حقيقة الأمر اعتراف مهمّ بأنّ ما حدث في التحقيق منذ لجنة التحقيق الدولية من تلاعب وتحايل، حَرَفَ الأمور عن نصابها وسهّل إبعاد الأنظار عن الجناة الفعليين تمهيداً لإلباس التهمة إلى آخرين لغايات سياسية باتت معروفة ومكشوفة لم يشأ السنيورة أن يراها، لأنّها لا تتوافق ورؤية فريقه السياسي الذي يفترض أن يكون حريصاً أكثر من سواه على دماء الرئيس رفيق الحريري لا متاجراً بها ومستغلاً لها في "سوق الأمم".


على أنّ الطامة الكبرى في مقالة السنيورة هي انتقاده "من أراد تشويه صورة كاسيزي والقول عن غير وجه حقّ أنّه إسرائيلي الهوى". ويعرف السنيورة أنّ هذه التهمة لم تكن اعتباطية، أو مجرّد كلام للاستثارة الإعلامية، بل استقاها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله من مصادرها وبلسانها حيث عرض في إطلالاته الإعلامية عبر قناة "المنار" في 2 تموز/يوليو 2011، شريط فيديو لمؤتمر هارتزيليا العاشر الذي أقيم في 3 شباط/فبراير 2010 بحضور كبار القادة والمسؤولين الإسرائيليين، فعرّف البروفسور الأميركي جورج فليتشر بالقاضي كاسيزي على أنّه "صديق كبير لإسرائيل".


وقال فليتشر بعد انتهائه من تقديم محاضرته ونزوله عن المنبر وعودته مجدّداً لاعتلائه للتعريف فقط بكاسيزي: "لديّ شيء أريد أن أضيفه، أحد الأبطال العظماء في مجالنا، لم يتمكّن من الحضور اليوم، اسمه أنطونيو كاسيزي، أنطونيو كاسيزي هو أستاذ في القانون الدولي في جامعة ميلانو، وأوّل رئيس لمحكمة يوغوسلافيا السابقة، وهو صاحب عدّة كتب في القانون الجنائي الدولي، وهو صديق كبير لإسرائيل، كما وأنّه صديق كبير لنا جميعاً".

ولكن يبدو أنّ السنيورة لم يسمع هذا الكلام مباشرة، أو أنّه لم يرغب في سماعه فأصمّ أذنيه، أو أنّه كان على دراية مسبقة به، فاستاء من التذكير به وإظهاره إلى العلن، وكأنّه من خبراء إبقاء الأمور غامضة وطيّ الكتمان.


وليس موقف السنيورة جديداً، فهو يمالئ أصدقاء إسرائيل ويعادي المقاومة، ومواقفه في حرب تموز 2006 أصدق إنباء وتصريحاً، وما كشفته "وثائق ويكيليكس" أكبر دليل، وبالتالي، فإنّ محاولته نزع صفة الصداقة لإسرائيل عن كاسيزي غير مجدية على الإطلاق، كما أنّ كاسيزي نفسه لم ينزعج من هذا التوصيف الذي ألصقه به صديقه فليتشر، والدليل أنّه لم يردّ، ولم يعلّق، ولم ينف، ولم يكذّب، فلماذا يريد السنيورة أن يكون ملكاً أكثر من الملك؟.

ويبدو أنّ السنيورة انزعج أكثر من كاسيزي، لأنّ صفة صديق إسرائيل تنزع عن الأخير تجرّده ونزاهته وموضوعيته وحياديته، وتعني سقوطاً مدوّياً لمحكمة يرأسها قاض هو موضع شبهة حتّى ولو كان يتمتّع بثقافة قانونية لا يضاهيه بها أحد.


وبهدف نفي صفة صداقة إسرائيل عن كاسيزي، يستشهد السنيورة بكلام لكاسيزي نفسه عن أنّ " احتلال إسرائيل للقدس لا يمنح إسرائيل سنداً قانونياً لتملّك هذه الأراضي استناداً إلى القانون الدولي الذي يمنع في شكل عام الحصول على مكاسب سياسية أو سيادية من خلال احتلال عسكري".


ويعرف السنيورة أنّ هذا المنطق هو للقانون الدولي، ولا يستطيع كاسيزي أو أيّ قاض دولي يعرف بالقانون الدولي تغييره، لأنّه قانون عام وشامل ويطال كلّ الدول، وبالتالي، فإنّه لا يمكن لا لكاسيزي ولا للسنيورة "تربيح جميلة" للفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين الحريصين على القدس، ولا يمكن للقاضي كاسيزي أن يجتهد في معرض النصّ، وما دام النصّ القانوني واضحاً ولا لبس فيه، فلا أثر ولا مكان لأيّ اجتهاد. ومن يدري فلو كان بمقدور كاسيزي أو سواه أن يغيّر هذا النصّ لما تأخّر قيد أنملة ولأزاله من الوجود!.


وبما أنّ السنيورة ينتقي ما يناسبه من كلام للقاضي كاسيزي ليدعم فكرته، فما هو موقفه من قول كاسيزي في رسالة وجّهها في 21 نيسان/أبريل 2006، إلى الإسرائيليين على خلفية دعوى مقامة أمام إحدى المحاكم الأميركية ضدّ المسؤول السابق للاستخبارات ووزير الأمن الإسرائيلي إبراهام دختر، فاستخدم مصطلح الاحتلال في حديثه عن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزّة الفلسطيني، وهذا جيّد، معترفاً بأنّ إسرائيل تحتل أرض غيرها، واعتبر أنّ هذا الاحتلال أدّى إلى لجوء الفلسطينيين إلى أعمال إرهابية، نازعاً صفة المقاومة عمن يدافع عن أرضه وملصقاً به وصمة الإرهاب؟.


ويستعرض السنيورة مؤلّفات كاسيزي والمناصب القضائية التي شغلها وتولاّها على مدى سنوات، وهي معروفة وموجودة على موقعه الإلكتروني الخاص به، ليخلص إلى القول إنّه " اعترافاً بدوره وعطاءاته منح عام 2002 جائزة المساهمة المميّزة في حماية حقوق الإنسان في أوروبا والعالم"، ذاكراً بأحرف لاتينية اسم الجهة المانحة ورئيسها، ظنّاً منه أنّ هذه الطريقة لا تسترعي الاهتمام ولا تلفت الأنظار ولا تستدعي التوقّف عندها، في محاولة بائسة لإخفاء الصورة الحقيقية لرئيس هذه الجمعية وهو الكاتب الصهيوني إيلي فيزل (ELIE WIESEL) الذي رشّحه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في العام 2006، لمنصب رئيس "دولة إسرائيل" لأمرين اثنين كافيين برأيه، وهما: استبساله الكبير في الدفاع عن هذه الدولة، ونجاته من مذبحة "الهولوكوست" الشهيرة.


وأراد السنيورة أن يتذاكى كعادته في المواقف الحرجة، فوقع في المحظور بدفاعه عن كاسيزي وصديقه فيزل، وهو في الأساس لم يقل ما هي صفة فيزل وعقيدته السياسية وجنسيته، ولا بأس من تذكيره لعلّ الذكرى تنفع قبل فوات الأوان، بأنّ فيزل الروماني الجذور وحامل الجنسية الأميركية، نال جائزة "حارس صهيون" المخصّصة لداعمي دولة إسرائيل في العام 1997، كما أنّ فيزل فقد صوابه عند سقوط طائرة حربية إسرائيلية فوق مدينة بيروت التي يسكن السنيورة فيها ونقل الرئيس رفيق الحريري نفوسه الشخصية من صيدا إليها، واعتقال طيّارها، وامتعض من معاملة هذا الطيّار بطريقة منافية لحقوق الإنسان برأيه، متناسياً أنّه قتل الآلاف بصواريخه وهديرها المرعب.


ويبدو أنّ الرئيس السنيورة لا يبالي بمقتل المواطنين اللبنانيين نتيجة القصف الإسرائيلي، وهو الذي لم يهتزّ ضميره خلال مجازر الإسرائيليين في كلّ حروبهم بحقّ اللبنانيين والعرب، وأوجعها في حرب تموز 2006، ولذلك وجد في نيل كاسيزي جائزة فيزل إنجازاً، فمتى يزيل السنيورة آثار قبلات رايس عن خدّه حتّى يتحسّس آلام شعبه؟.

Script executed in 0.19127917289734