أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

بلدات الجنوب الأمامية تنتظر التعويضات وتواجه خطر تغيير خصائصها العمرانية إذا هدمت منازل عيتا الشعب تصبح مستوطنة زرعيت هي الأقدم

الخميس 02 تشرين الثاني , 2006 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 6,009 زائر

بلدات الجنوب الأمامية تنتظر التعويضات وتواجه خطر تغيير خصائصها العمرانية إذا هدمت منازل عيتا الشعب تصبح مستوطنة زرعيت هي الأقدم
تواجه البلدات والقرى المدمرة منها بشكل خاص، إرباكا في المسوحات، ناتجة عن حجم الدمار الكبير من جهة، والتباين في تصنيف المنازل المتضررة من جهة ثانية، بين أن تكون خاضعة للهدم وبين أن تكون صالحة للترميم. يطال الارباك بشكل خاص الأحياء والمنازل التي كانت أصل البلدة، وهي منازل مبنية ومسورة بالحجارة الصخرية أو الكلسية. الهدم وبناء الجديد أهون الحلول، لكنه يمحو خصائص المكان العمرانية والاجتماعية، أما الترميم فيحتاج الى مهندسين خبراء وجراحات صعبة للجدران والسقوف، كان غائبا عن بال المعنيين بالمسوحات الاستعانة بالمهندسين في عمليات التصنيف.
شكل المسح الذي أجراه مجلس الجنوب باسم الحكومة مستندا للدول المانحة من أجل تقدير قيمة التعويضات، لكن تبين بعد الدخول الى تلك القرى، أن المسوحات تحتاج الى تدقيق، هناك منازل تضررت كثيرا صنفت للهدم ويمكن ترميمها، وهناك منازل متضررة يريد اصحابها هدمها لبناء الجديد مكانها، وهناك منازل أزالتها فعلا جرافات شركة ورد التي يتعاقد معها مجلس الجنوب لإزالة الردم وكان يمكن بقاؤها.
تعرف عدد من المهندسين المتطوعين وبعض الأهالي إلى الخطأ الذي يجري اقترافه تباعا، أحدث حجم الدمار في البداية صدمة في الوعي الفردي والجماعي، كان الأهالي يريدون التخلص من آثاره في أسرع وقت ممكن، مجلس الجنوب محكوم بهاجس الاسراع في إعداد الجداول لتقديمها الى الجهات المعنية، البلديات لا تملك الخبراء الذين يمكن لهم وقف عمليات الهدم بانتظار البحث عن مقترحات هندسية لاعادة الاعمار.
كانت النتيجة أن جرفت الأحياء القديمة في بلدة القليلة، وبدأ جرف الأحياء في عيتا الشعب، لولا وجود المهندسين المتطوعين، ووضع مخطط حديث لبنت جبيل يتباين مع خصائصها العمرانية، وأعيد المسح في بلدة مارون الراس مرة ثانية ويقال إن منازل صديقين سوف تبنى على طريقة المساكن الشعبية.
<السفير> تفتح ملف هذه القرى والبلدات بدءا من عيتا الشعب:
تشكل عيتا الشعب نموذجا للبلبلة والإرباك في المسوحات وفي طريقة دفع التعويضات، تحولت في عرف الصحافيين الأجانب الى ما يشبه الموقع العسكري، بعد خطف الجنديين الاسرائيليين من أرضها. قاتلت جنود الاحتلال الذين حاولوا اقتحامها من أربعة مواقع، استشهد فيها تسعة مقاومين من ابنائها وثلاثة من غير أبنائها.
لكنها بلدة تقع على تلة صغيرة من تلال الجنوب الملاصقة للحدود، يسبق الدخول اليها لافتة تنبه القادمين إلى بوابة طربيخا المحتلة لكي لا يسيروا في الطريق الخطأ، الى ذلك الحد قريبة طريق عيتا الشعب من المواقع الاسرائيلية. دمرت الجرافات والصواريخ الاسرائيلية تسعين بالمئة من المنازل في الأحياء القديمة، توزع سكانها بين مدينة صور وبلدتي رميش وحانين ومنازل الأقارب داخل البلدة.
تبين استنادا الى المسوحات المتوافرة في مقر البلدية أن هناك سبعمئة وعشرين وحدة سكنية دمرت في عيتا بشكل كلي، وأربعمئة وحدة دمرت بشكل جزئي، من اصل ألف وثلاثمئة وعشرين منزلا تضمها البلدة، يضاف اليها ستون محلا مدمرا وخمسون متضررا. يتردد في البلدة أن سعر بيع الحجر الصخري الواحد يتراوح بين أربعة وخمسة دولارات.
انتقلت أم نعمة سرور مع ابنتها من الحارة الفوقا بعد دمار منزلهما الى الحارة التحتا، سكنت في طابق سفلي لدى أحد الأقارب وهو منزل يضم غرفتين غير مسكونتين، نظفتهما ابنتها ومدت اليها المياه ووضعت مجلى ومغسلة وجهزت حماما صغيرا، ثم فرشت المنزل الصغير. دفعت الكلفة من النقود التي تقاضتها من مؤسسة جهاد البناء (حزب الله)، لكن أم نعمة غير مرتاحة، تشتاق وهي في الخامسة والسبعين من العمر الى جارتها الحاجة بدرية التي أخذها أولادها الى بيروت. ابنتها مدرسة في إحدى مدارس عيتا، تنتظرها بعد ظهر كل يوم لكي تعود: <يا ريت بترجع أيام الحارة، قضيت فيها حياتي، كنت قبل الحرب اقعد أنا ورفقاتي كل يوم على الكراسي المرتبة ونتحدث، هون ما بشوف بوجي إلا الوادي>.
تجلس أم نعمة على شرفة منزلها الجديد، مشرقة الوجه، تستقبل الضيوف، تجيد التحدث اليهم والضحك معهم، لكنها تبدي قلقها تجاه خبر وصلها أن منزلها الصغير في الحارة الفوقا قد يذهب فرق مساحات لتوسيع المدى بين المنازل: <ما بدي اسكن إلا فوق، عم يقولوا المطرح ما بقى يساع البيت لأنه مبني بين مجموعة بيوت>.
كانت مجموعة من الرجال تتفقد منازل حجرية متصدعة عند طرف القرية المواجه لخلة وردة. يقول أحدهم إن إبنه الشاب يريد ابقاء المنزل وترميمه، لأنه بيت حجر وهو محتار في أمره. حجارة مخلخلة لكنها لا تزال مرصوفة جدرانا فوق بعضها يمكن إعادة ترميمها بالباطون. يشير جاره بيده الى منازل الحارة قائلا: <لقد صمدت لأنها حجارة صخرية، لو كانت باطوناً لسوتها الصواريخ بالأرض>.
يسكن احمد حب الله في الحارة الفوقا، نصف منزله حجر والنصف الآخر باطون، جزء الباطون شبه مهدم، يريد جرفه، لكن القرار يبقى بيد القطريين: <عم يقولوا بدهم يعطوا الأهالي مهلة لفترة من الزمن لتقرير مصير المنازل>. جاره رمم غرفة من منزله وسكن فيها، لكن سقفها المتشقق بدأ يدلف مع بداية هطول المطر.
تولت شركة <ورد> التي يتعاقد معها مجلس الجنوب عملية إزالة الردم، لكنها جرفت في طريقها منازل كان يمكن بقاؤها، ثم توقفت عمليات الجرف بسبب الاشكالات التي حصلت، لكن الكلام جرى سريعا، حالة تخوف بين الأهالي، لم يتم الاتفاق على التصنيف، لم تدفع التعويضات بعد. طرقات عيتا مليئة بحطام الحجارة وما تبقى من أغراض المنازل وملابس العائلات. لا تدري البلدية من اين تبدأ بالتنظيف، كل محاولة تنظيف تذهب هباء، لأن الدمار في كل مكان.
تبلغ رئيس البلدية تيسير سرور من المهندس موسى شمس الدين المكلف من قبل المكتب الاستشاري القطري بإجراء المسوحات، أنه سيعاد مسح الأضرار في البلدة، وقدر شمس الدين استمرار عملية المسح وانجاز الدراسة الخاصة بها فترة ثلاثة أسابيع. سعى لطمأنه سرور أن الهدف من المسح هو إنقاذ منازل البلدة التي يمكن ترميمها وإعطاء التعويضات المحقة لأصحابها، ثم تلقى سرور اتصالا من الاستشاري القطري المهندس كريستيان قمير ابلغه فيه قرار دولة قطر البدء بدفع تعويضات الترميم البسيط، لطمئنة الأهالي.
يقول قمير إن دفع التعويضات سيبدأ خلال اثنتين وسبعين ساعة. سوف تدفع لكل مواطن تبلغ قيمة اضراره خمسة آلاف دولار وما دون. يؤكد التزام قطر باللوائح التي قدمها اليها مجلس الجنوب لأنه الجهة الرسمية التي يجب التعامل معها، ويشير الى تعاون مهندسي المجلس مع الممثلين القطريين.
يوضح أن عمليات إعادة المسح سوف تطال البلدات الأربع التي تبنتها قطر وهي كل من بنت جبيل والخيام وعيتا الشعب وعيناتا، وسوف يفتح ممثلوها في البلدات الأربع الباب أمام المراجعات من أجل أن يأخذ كل مواطن حقه.
يعلن قمير أنه يوجد أربعة وثمانون منزلا حجريا ضمن مشروع الترميم والباقي تم جرفه، وتعلن البلدية أنه يوجد مئة منزل، بينما تعلن جمعية <صامدون> وتضم مهندسين من طلاب الجامعة الأميركية أنه يوجد مئة وخمسون منزلا، مئة منها في قلب البلدة والباقي في أحيائها الأخرى.
يتحدث المهندس شمس الدين من جهته عن عملية إعادة المسح، بوصفه خبيرا. فهو مهندس مدني معماري، وأجرى دورات خاصة بالترميم، يملك مكتبا هندسيا في بنت جبيل، يقول إن امتصاص آثار العدوان الاسرائيلي مسألة كبيرة، لا يمكن لأي مسح أولي مهما كان متأنيا أن يفي بالغرض، هناك المسح التفصيلي في المرحلة الثانية وصولا الى تقدير الكلفة بشكل كامل.
يعتبر أن فترة الشهرين ونصف الشهر فترة طبيعية لتقدير الأضرار. في المقابل من الطبيعي أن يخاف الناس على مصير منازلهم، يعدهم بأنه سيكون متفهما لأوضاعهم، حريصا على كل منزل لم تهدمه اسرائيل، لأنه يعرف قيمته العمرانية والوجدانية بالنسبة لأهله وللمنطقة.
يؤكد على عدم ثقة الناس بالمرجعيات الرسمية، وذلك من حقهم لأن الحكومة لم تزرهم، يضاف الى ذلك قدوم الشتاء وتراجع الوضع الاقتصادي والارباك السياسي الحاصل في البلد.
سوف يعمل ضمن الوقت المتاح له لأنه مسؤول عن مسح البلدات الأربع، وسيقيم صلاته مع الناس لطمأنتهم.
رممت قطر حتى الآن مدارس البلدة الأربع، وهي بصدد ترميم وبناء مراكز المؤسسات المشتركة، مقر البلدية المهدم، ومدرسة للمعوقين ومستوصفين وبئر ارتوازي وخزان مياه وشبكة المياه ومجاري الصرف الصحي، بالاضافة الى تصليح الأعطال الهاتفية. كما ستوزع صوبيات ومازوت للتدفئة.
يسعى مهندسو جمعية <صامدون> الذين انتقلوا الى البلدة لاقناع البلدية والجهات القطرية بضرورة ترميم المنازل التي يمكن ترميمها. يقول اسماعيل إن الحرب مسحت جزءا من ذاكرة المكان، وكل جديد في الاعمار سوف يغير من شكله، يعطي مثلا على ذلك بلدة حانين التي دمرها العدوان الاسرائيلي عام 1996 وأعادت الكويت بناءها، تغير فيها النسيج العمراني كليا وأصبحت اشبه بمركز سياحي.
كان يمكن حصول الأمر نفسه لعيتا الشعب لولا توقف عملية الجرف. كل بلدة هي في النهاية عبارة عن طبقات إعمارية اجتماعية لديها خصائصها المعينة. من تلك الخصائص منازل الحجر ثم منازل الباطون، ومنها أن الناس كانوا يسكنون قرب بعضهم، الضيعة القديمة هي منبع البلدة كيف يمكن هدمها؟ يشرح اسماعيل أن الترميم لا يعني تجميد المنزل كما هو، يمكن رفع سقفه وفتح شبابيك فيه من أجل زيادة التهوئة، اي الاستجابة للحاجات الجديدة في البناء.
يوضح أن طريقة البناء في عيتا هي بنية مقاومة، ساعدت المقاومين كثيرا في الانتقال من مكان الى آخر من دون أن يراهم الجنود الاسرائيليون، يصل الى حد القول: <إذا جرفت تلك المنازل وبنيت مكانها منازل جديدة تصبح منازل مستوطنة زرعيت المجاورة هي الأقدم>.
  

Script executed in 0.1896550655365