أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

زهازين دباجه سعد...1911-1998 سيرة لم تكتمل

الأربعاء 29 تشرين الأول , 2008 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,598 زائر

زهازين دباجه سعد...1911-1998 سيرة لم تكتمل

- زهازين ولدت في الرمثا «الأردن» تزوجت من بنت جبيل «لبنان»،

- كانت عوناً لجرحى المقاومة، وواجهت عملاء «إسرائيل» بالموقف والكلمة

القادم الى بنت جبيل من بيت ياحون يرى في البعيد منظراً محبباً الى النفس، في خلفية الصورة تبدو مارون الراس جالسة على ما يشبه الجبل شكلاً وارتفاعاً (945م)، الى اليسار منازل من عيناتا تسلقت جبل فريز شمالاً بشرق والى اليمين تلة مسعود (847م) تنافس جبل مارون روعةً وبهاءً! صف الهوا «مدخل بنت جبيل الشمالي» يتوسط الصورة، إنه مفترق طرق بنت جبيل-كونين وعين ابل-عيناتا.


في الطريق من صف الهوا الى عين ابل غرباً وعلى بعد عشرات الامتار، ثمّة بقعة خضراء، كرم من التين والعنب والزيتون، كرم على درب. كان ومايزال يعاند كل ظروف الاهمال والتخريب، إنه كرم زهازين، هكذا عرفه اهالي بنت جبيل والجوار. والحقيقة انه كرم العبد الحاج علي سعد غرسه في العام 1947 مزارعةً مع شريك له ثم تركه عهداً في ذمةِ ارملته «توفي عام 1949 في الاردن».

زهازين

 زهازين دباجة سعد

ولادة في الرمثا

ولقد تحوّل العهد الى تحدٍّ وصمود وتضحية إذ عاشت زهازين دباجة مع كرمها وعلى مدى اكثر من نصف قرن ملحمة إنسانية رائعة.

ولدت زهازين دباجة في الرمثا-الاردن عام 1911 لأبوين من أصل لبناني كانا قد هاجرا الى الاردن في اواخر القرن التاسع عشر.

ذهبت في صغرها الى الكتّاب وحفظت القرآن وعملت به حتى نهاية حياتها بصمت المؤمن وقوّته، فلطالما كانت تسخر من الذين يحتاطون في الامور الصغيرة ولا يتّقون في الامور الكبيرة!

ولو اتيح لها ان تكمّل تعليمها لكان لها في مسألة الحق والباطل شان عظيم.

في نهاية العشرينات تزوجت من العبد الحاج علي سعد الذي كان يتردد بين جنوب لبنان وشمال الاردن عبر فلسطين بقصد التجارة وانجبت منه اربعة اولاد «اصغرهم والد كاتب هذا المقال ومصدر معلوماته».

بنت جبيل لأول مرّة

زارت جدتي بنت جبيل لاول مرة عام 1944. وعلى تلة صف الهوا-بئر النور اقنعت زوجها ببناء منزل حجري متواضع تقيم فيه مع اولادها ويكون محطة استراحة لزوجها في سفراته عبر فلسطين الى الاردن.

عام 1948 كانت جدتي في بنت جبيل تسارعت الاحداث و كانت معركة المالكية وتحوّل منزل عبد الحميد شامي في بنت جبيل الى مركزٍ لاسعاف الجرحى. كانوا خليطاً من العرب واليوغسلاف واندفعت المرأة الشابة للقيام بواجبها وقد استأذنت مع رفيقات لها المغفور له السيد هاشم الحكيم ليسمح لهنّ بمداواة الجرحى.

جيش الإنقاذ

وعندما وضعت المعركة اوزارها انتقل الجيش اللبناني من تخوم عيترون الى التلة (847) بين عين ابل وبنت جبيل «عرفت هذه التلة فيما بعد بتلة مسعود». ويبدو ان مجموعة من جيش الانقاذ توخت الحماية قرب الجيش اللبناني فاتجهت صوب التلة (810) تلة صف الهوا-بئر النور حيث كانت جدتي تسكن مع اولادها.

كان والدي في الثالثة من العمر ومع ذلك بقيت صورة هؤلاء محفورة في ذاكرته بثيابهم العربية وبنادقهم الطويلة واحزمة الرصاص تتدلى من اكتافهم. وفي بضع ساعات اخذت جدتي قرارها فتركت لهم المنزل وتوجهت الى دار شاكر العشي عند بيادر صف الهوا حيث انتقلت في اليوم التالي الى بيروت فالاردن والتحقت بزوجها. مات جدي في الاردن عام 1949 تاركاً عائلة مهاجرة وزوجة تتنازلها هموم تربية الاولاد و تعليمهم من ناحية والحنين الى بنت جبيل «فالغرس والارض ينتظرانها» من ناحية اخرى.

في الخمسينات ترددت جدتي الى بنت جبيل الى ان استقرت نهائياً في ارض الآباء والأجداد في بداية السيتينات مع والدي الذي اصبح شاباً.

كان على الجنوبيين ان يدفعوا من استقرارهم تداعيات نكبة فلسطين لسنين طويلة، وهذا ما كان ينتظر جدتي ووالدي.

 

بدأت في العام 1969

وكانت احداث 1969 وما تلاها  من  انتشار المقاومة الفلسطينية في الجنوب ثم عمليات الكرّ والفر مع الاسرائيليين. ففي صباح السادس عشر من ايلول عام 1972 اندفعت الجحافل الاسرائيلية من محورين عيترون-عيناتا من الشرق وعين ابل- صف الهوا من الغرب وفرّ المقاتلون امام الهجمة، اثنان منهم كانا يقطعان الطريق نزولاً الى خلة المزرعة شمال صف الهوا فاجأتهما الدبابات القادمة من الغرب، سقط احدهم في حقل التبغ. قررت جدتي ان تسعفه «وكانت قد تجاوزت الستين» وعلى مرمى حجر من الدبابات! في ضحى ذلك اليوم ذهبت اليه اسعفته وطمأنته بأنها ستعود اليه لاحقاً. في صباح اليوم التالي كان الجيش الاسرائيلي ما يزال متمركزاً في صف الهوا ومفرق الطيري، ذهبت تفتش عن الجريح، لم تجده كان قد انسحب ليلاً، وجدت ثيابه العسكرية ملقاة في حفرة! لم يقع اسيراً؟!

 

الجرح المفتوح

ولقد عاد هذا الجريح الى الجنوب مقاتلاً مع حركة فتح عام 1977 وتسنى له شكر جدتي!

وفي ليلة الرابع عشر من آذار 1978، ليلة الاجتياح الاول الكبير للجنوب ورغم جحيم القذائف وقصف الطائرات لم تترك جدتي بنت جبيل ظلت راسخة في ارضها كما السنديانة  التي زرعتها والزيتون الذي ترعرع على يديها وبقيت تنتظر عودة ابنها «والدي» الذي هُجرّ قسراً مرتين.

هدّموا بيتها امام عينيها فلم تتزعزع «ولجبنهم كانوا قد اخرجوها من البيت بخديعة». واستمرت تسطّر المواقف المشرفة لقد كانت من القلائل الذين استطاعوا منع الاسرائيليين من تجريف اراضيهم، وهي التي في لحظة عنفوان رفضت تقديم قهوتها العربية للعملاء عندما كان الرفض مكلفاً.

 

ما تبقّى من زهازين

في التسعينات عندما كان المقاومون يغيرون على تخوم بنت جبيل المحتلة آنذاك كانت ما تزال تعيش وحيدة في بيتها (الثاني) وعلى بعد امتار من موقع ال17 الشهير في صف الهوا. وفي احدى الليالي أطلق العملاء من موقعهم قذيفة هاون 60 خوفاً وتحسباً. سقطت القذيفة على سطح منزلها ولم تجزع وقد تجاوزت الثمانين. في الصباح حضر كبير العملاء وسألها بخبث: برأيك من اين اتت القذيفة. اجابته وبسخرية انا من يجب ان اسأل ولم ينبس كبير العملاء ببنت الشفة ومن سخرية الاقدار ان البعض ممن لم يكونوا ينبسون امامه ببنت الشفة! حشروا انفسهم بعد التحرير مع المناضلين!؟

في فجر الثالث والعشرين من نيسان عام 1998 اغمضت زهازين دباجة سعد عينيها الى الابد قبل ان ترى ابنها يعود الى وطنه وارضه عام 2000.

بعد عشر سنوات اكاد اجزم ان صفاتي الإيجابية مكتسبة من زهازين وهي التي قامت بتربيتي من سن الثالثة حتى السابعة من عمري

Script executed in 0.18974900245667