أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

العقيق اليمني...حجر السعد

الثلاثاء 04 آب , 2015 10:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 41,693 زائر

العقيق اليمني...حجر السعد

مـا أحسن السكرَ مـن خمـرة الفمْ والشِّفـا فـي شِفـاه الغواني

كل خمـرٍ عـلـيـنـا محرّمْ غـيرَ خمـرِ العقـيـق الـيـمـاني

والـذي عـندنـا طاب للشمْ مـا زهـا مـن رُبـا ورد غاني

(جابر أحمد رزق)

يحتلّ العقيق اليمني، منذ القدم، قائمة أشهر المنتجات التي ساهمت في أن تجلب لليمن شهرته، إلى جانب البن والعسل. قيمة العقيق لا تنبع فقط من مكانته كمعدن ثمين، ولكن من التراث الأسطوري والإسلامي الذي عزَّز مكانته بين الشعوب العربية والعالمية.

في الطريق إلى اكتشاف أسرار هذا المعدن، لا بدَّ من أن نمرّ على صنعاء القديمة، مدينة سام بن نوح الأثرية. من بوَّابتها العظيمة مروراً بالحوانيت المنتشرة في كل أزقتها - حوانيت تعرض مختلف المجوهرات من فضة وفيروز ومرجان وعقيق - وصولاً إلى سمسرة النحاس، ذلك المبنى الأثري الذي يضمّ أمهر الحرفيين العاملين في تشكيل العقيق، ومنحه الهيئة النهائية الفاتنة، قادماً إليهم مباشرة من جبال قرية آنس الواقعة في مدينة ذمار.

بدأ اهتمام اليمنيين بالعقيق قديماً إلى الحدّ الذي يقول فيه المؤرخون، إنَّ شداد بن عاد «بنى قصره من حجارة الجزع»، وهي أحد أنواع العقيق اليماني المرتبطة بالأساطير التي آمن بها الناس، معتقدين أنَّه حجر «يورث» سوء الحظ.

لكنَّ ذلك الاعتقاد قد تبدَّل لاحقاً، حتى أنَّ الناس باتوا يقتنونه للتبرك وطلب الرزق لما في ذلك من ارتباط بالموروث الديني الإسلامي الذي نادى كما ـ يعتقدون - إلى التختم بالعقيق لطلب الرزق ودفع الفقر والأمن من البلاء. وهناك أساطير تحكي أنَّ العرب القدماء الوثنيون شكَّلوا الصنم الأكبر «هُبل» من العقيق اليمني، لما له من جودة وصلابة وبهاء.

يقول أحد الحرفيين ويدعى عماد البريهي: بدأت كفنيّ متدرِّب في سمسرة النحاس، وذلك منذ عامي العاشر، إذ أتيت لأتدرَّب في حانوت عمي. ساهمت «اليونسكو» في تأهيلنا وتوفير مختلف الأجهزة والأدوات التي ساعدتنا على التعلم، وإيصال العقيق إلى الهيئة الأخيرة الجاهزة للبيع والتجارة. أفضل أنواع العقيق اليمني هو ما يأتي باللون الخمري، الذي يباع بأسعار عالية تصل إلى الألفي دولار، ومعظم من يشترونه بهذا السعر الباهظ، هم السيَّاح الخليجيون، خصوصاً القطريين الذين يأتون مباشرة إلينا، وعلى استعداد لشراء أغلى أنواع العقيق اليمني.

ويضيف: طوال السنة نجمع هنا في سمسرة النحاس أغلى وأندر أنواع العقيق، وهو العقيق المصور الذي يأتي في أشكال مصورة طبيعياً، كشكل الكعبة المشرفة أو اسم الله أو أشكال أخرى جميلة، من حيوانات وأزهار وغيرها، نجمعها لنبيعها كل عام في معرض القرية العالمية في الإمارات.

يشكو الحرفيون في سمسرة النحاس تخلِّي «اليونسكو» عنهم، وعن تأهيلهم، خصوصاً بعد توقيع الاتفاقية مع الحكومة، وتولي الأخيرة مهام العناية بالسمسرة على حدّ وصف الحرفيين. هذا بالإضافة إلى شكواهم المريرة المتعلقة بانحدار مستوى حركة سوق العقيق، بسبب الحرب والظروف التي تعيشها البلاد، خصوصاً في ما يتعلَّق بانقطاع الكهرباء لأيام عديدة ومتتالية، ما يؤدِّي إلى ضعف القدرة على نحت العقيق وتصفيته، بالرغم من توفر الحجر الخام. وهناك أيضاً المعامل الخاصة التي تشتهر بها مدينة صنعاء القديمة، حيث أنَّه لا بدّ من أن تجد معملاً في كل بيت صنعاني.

العقيق اليمني يستخدم في كل أنواع وأشكال الحلي وتزيين قبضات الأسلحة القديمة لتمازج ألوانه وجماله، وينتشر في اليمن، مشكلاً بذلك إحدى هوياته العميقة في التاريخ البشري وثقافته.

يخشي عليه سكان صنعاء القديمة من استمرار الحرب والنزاعات، ومن إمكانية قصف بيوتهم وحوانيتهم، ما يهدد بزوال واحدة من أقدم الحرف وأجملها في اليمن والعالم.

ميسون الإرياني

السفير بتاريخ 2015-08-04 على الصفحة رقم 16 – الأخيرة

Script executed in 0.19210195541382