نعى الشاعر شوقي بزيع العلامة السيد محمد حسن الأمين وكتب عبر صفحته على فايسبوك:
لا ليس ما حدث لك هو الموت العادي الذي طالما ألفناه يا صديقي وسيدي محمد حسن الأمين ، بل هو ضربٌ من الاحتجاج على الحياة ،بعد أن تحولت هي نفسها الى جثة . ولم يكن الكورونا سوى الوباء المخلص الذي وفر لك الذريعة الملائمة للإشاحة بوجهك عما دخل من أشلاء البلاد في طور التعفن النهائي . بلى لقد قضيت اختناقاً يا سيد الكلمات النبيل ، ولكن الكورونا ليس وحده مسؤولاً عما أصابك ، لأنه لم يقطف منك سوى زفرة الروح الأخيرة ، ولأن التضييق عليك بدأ منذ عقود .إذ بقدر ما شكّل فكرك التنويري الوجه الأكثر نصاعة للمقاومة الحقة ، بدا في الوقت ذاته نوعاً من الانحراف المحرج عن الامتثال القطيعي و " استقامة" الانغلاق .
لم ينفعك بشيء أن تكون عدواً شرساً للعدو الذي أبعدك عن صيدا ، قلعة نضالك الصلب ، باتجاه بيروت في ثمانينيات القرن الفائت ، ذلك لأن جمع سالبين في لبنان ليس سوى سالب ثالث ، حيث يمكن لعدو العدو أن يكون عدواً شديد الخطورة بمعايير الطوائف الهائجة والتطهير العقائدي .
كنت ، يا سيد ، تدرك تمام الادراك معنى أن يكون الانسان غريباً وسط قومه وبني جلدته ، وتحفظ عن رسول الله قولته الشهيرة " ولد الاسلام غريباً ويعود غريباً " ، كما أنك زرت غير مرة مقام الامام الرضا الملقب بالغريب ، ومع ذلك فإن من كانت لديه عفة نفسك وشفافيتك المفرطة لم يستطع ، وأنى له ان يستطيع احتمال كل ذلك القدر من الغربة القسرية والتهميش غير المبرر ، وصولاً الى التخوين والتسديد اللئيم الى مكان القلب .
منذ ألف عام على وجه التقريب " يا سيد ، رأى جدك المتنبي بأن " بعض الموت ضرب من القتل " ، بما يشبه تماماً ما حدث لك . وإذ أعلنت من جهتك ، ذات قصيدة من بواكيرك " والعصر / إن الشعراء لفي خسر " ، كنت تحدس بتقهقر القيم النبيلة التي تمثلها ، أمام غيتوات الفتاوى المقفلة وجهنمات المذاهب " الصافية " . ولعل أكثر ما آلمك وأوهن قدرتك على الصمود ، هو الرحيل المبكر والمباغت للسيد هاني فحص ، رفيقك الأمثل على طريق أنسنة الغيب والمغامرة التنويرية ، في خيانة موصوفة ،لم تكن لتملك القدرة على استساغتها.
ثمة مقام آخر ، يا سيد ، للحديث عن صداقتنا الطويلة الراسخة ، وعن ثقافتك الواسعة ، وإصغائك المرهف الى ما يتفتح في العمق من موسيقى الأكوان وجذرها الينبوعي ، وعن افتتانك المفرط بالتجليات المتباينة لجمال العالم . أما ما تبقى ، فسأتركه للصورة المنشورة أدناه ، حيث تتبدى في محياك وملامح وجهك القمري ، كل أمارات الطهارة والرقة ، والتأمل الحزين في علاقة الجمال بالموت .
نم إذن حيث تتحد أجفانك بالأعشاب وعيناك بالبرك الموسمية الصغيرة وقلبك بحصى القيعان ، يا ابا علي . " نم يا إمام الانتظار الصعب فوق تراب ذاك التل / فلسوف تنهض من عظامكَ سكّةٌ / وتشقّ هذا الانهيار بنصلها الأجملْ / وتقاوم المحتل / وتقاوم المحتل " .