اليوم، يفترض أن يصدر قرار تحويل دعم استيراد البنزين من 1500 ليرة للدولار إلى 3900 ليرة. تلك بداية رسمية لمرحلة إنهاء الدعم، التي ستعني دخول البلاد مرحلة الانهيار الأكبر، ومزيداً من المآسي على الناس، وتحديداً الفقراء ومتوسطي الدخل منهم، ربطاً بانفلات سعر صرف الدولار ومعه وقبله أسعار معظم السلع والخدمات. لا أحد في السلطة يملك الإجابة عن اليوم التالي. الكل يشتري الوقت غير آبه بتداعيات هذا الانتظار على المجتمع، الذي يزداد بؤساً وسط لامبالاة كاملة من المتحكّمين بالبلد، والذين لا يزالون يوحون بأن ما يعطّل كل الحلول الممكنة ليس سوى خلاف على وزيرين (تردد الحديث عن تسوية تسمح بتسمية كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف أحدهما). تلك تفاصيل لم تعد تعني الذين ينامون أمام محطات البنزين للحصول على بضعة ليترات، أو الذين يبحثون ليل نهار عن حليب لأطفالهم أو دواء لذويهم
ما تفعله السلطة بما تبقّى من مؤسّسات، ليس حفلة جنون، ولو بدت كذلك. لا أحد يحرّك ساكناً لوقف الانهيار. فقط استمرار في شراء الوقت، من دون أن يعرف متى ينفد هذا الوقت. المنظومة بعدما ضمنت حماية نفسها ومكتسباتها، توحي بأنها تعمل لحماية الناس من الارتطام في نهاية السقوط. لم يجترح عقلها أكثر من بطاقة تمويلية مخصصة لمنح جزء من الناس مبالغ قليلة لن تقيهم شر نتائج الانهيار الكبير الذي سيبدأ بعد رفع الدعم. ولذلك، صُوّر إقرارها بحد ذاته على أنه الإنجاز الذي سيُنقذ الناس من المصير الأسود. أقرّت اللجان النيابية المشتركة مشروع قانون البطاقة، من دون أن يتّضح مصير تمويلها. ما اتفق عليه أنه سيستفيد من هذه البطاقة 500 ألف عائلة تضاف إلى العائلات المستفيدة من مشروع الأسر الأكثر فقراً ومن مشروع شبكة الأمان الاجتماعي، ما يجعل مجموع المستفيدين نحو 750 ألفاً. وقد قدرت كلفة تمويل هذه البطاقة بنحو 556 مليون دولار، ستؤمن من خلال فتح اعتماد استثنائي في الموازنة، يفترض أن يموّل مؤقتاً عبر الاقتراض من مصرف لبنان، على أن يسدد القرض حين الحصول على قروض البنك الدولي التي لم تصرف (تقدر بنحو 500 مليون دولار)، بعد الاتفاق معه على تغيير وجهتها، أو عبر مساعدات مالية قد تحصل عليها الحكومة.
لكن ذلك لم يحلّ مسألة آلية تحديد الأسر المستفيدة. النواب لا يزالون يتعاملون مع البطاقة من خلفية التعامل مع الأسر الشديدة الفقر، وبالتالي لم تعد الغاية من البطاقة هي تأمين مقوّمات الصمود للأسر المتوسطة الدخل، التي انهارت قيمة مداخيلها بفعل انهيار سعر صرف الليرة. ولذلك، جاء في النص النهائي للمشروع أن الأسر اللبنانية المحتاجة يمكن أن تسجل على منصة إلكترونية تخصص لهذه الغاية، وفقاً لمعايير تحدد بقرار مشترك من وزارات المالية والاقتصاد والشؤون الاجتماعية بالتشاور مع الجهات المعنية.
وفيما كانت مصادر الاجتماع تشير إلى أن النقاش كان يجري بخلفية شمول البطاقة الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، كان التركيز على الاستثناءات. وعلى سبيل المثال، من يملك حساباً مصرفياً يفوق بضع مئات من الدولارات أو من يقبض راتباً يفوق الثلاتة ملايين ليرة، لن يكون مخوّلاً الحصول على البطاقة…
لكن فيما كان النواب يبحثون في البطاقة، ويقررون عدم الخوض بمسألة رفع الدعم، كانت بعض الكتل، ولا سيما «المستقبل» و«القوات»، وبشكل أقل «التيار الوطني الحر»، تُصرّ على ضرورة أن ترسل الحكومة مشروعها لرفع الدعم قبل عرض مشروع البطاقة على الهيئة العامة، مهددة بعدم التصويت مع القانون إذا لم تقدم الحكومة تصورها لترشيد الدعم.
ولذلك، وبعدما حُدّدت قيمة البطاقة بـ 93 دولاراً، عادت اللجان لتعطي الحكومة صلاحية تحديد هذه القيمة، على أن يكون الحد الأقصى 137 دولاراً (المبلغ الذي ورد في مشروع الحكومة قبل تعديله في اللجان). كذلك طلبت اللجان من الحكومة أن ترسل إلى المجلس النيابي، في غضون أسبوع، مشروع قانون معجلاً «يتعلق بأسلوب ومصادر الدعم وكيفية الدعم المالي، وأيضاً بقضايا إجرائية أخرى هي من صلاحية الحكومة، وتتعلّق بالسلع التي سيشملها رفع الدعم، والتي أصبحت مشمولة اليوم»، بحسب ما أعلن نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي بعد الجلسة. لكن نتيجة النقاشات التي تبعت الجلسة، تبيّن أن لا حاجة إلى مشروع جديد، طالما أن المشروع الذي أقرّ يتضمن طلب فتح اعتماد استثنائي، وبالتالي فإن كل المطلوب هو تعديل قيمة الاعتماد الذي كان بقيمة 1.2 مليار دولار، وتخفيضه إلى ما اتفق عليه في اللجان (556 مليون دولار). وبناء عليه، تقرر أن يتم الاكتفاء بإرسال رئاسة الحكومة رسالة إلى المجلس النيابي تبلغه فيها بتوجّهها إلى «ترشيد الدعم» وفق الآلية التي سبق أن اطلعت عليها اللجان، والتي تشير إلى تخفيض الدعم من 5 مليارات دولار إلى 2.5 مليار دولار (تخفيض الدعم على الخبز 15 في المئة، وعلى الأدوية 54 في المئة، وعلى السلة الغذائية مئة في المئة، وعلى المحروقات بين 30 و40 في المئة)، علماً بأن هذه النسب ليست ثابتة بعد، وتثبيتها ينتظر موافقة مصرف لبنان عليها. وهو ما يبدو بعيد المنال بالنظر إلى الأجواء الراهنة، وإلى تمسّك مصرف لبنان بإلغاء الدعم بعد إقرار البطاقة التمويلية.
لكن بصرف النظر عن الوجهة النهائية لتخفيض الدعم، فإن النواب الذين ناقشوا مطوّلاً المسألة رفضوا الخوض في الملف، لسببين: أولاً، لأن أحداً لا يريد تجرّع كأس رفع الدعم نيابة عن الحكومة، وثانياً لأن السلطة التشريعية لا تملك المعطيات المطلوبة لتُقرّر. وحتى عندما عرض النائب حسن فضل الله إشكالية أن المجلس لا يعرف ماذا يوجد في مصرف لبنان من أموال، كان جواب الفرزلي: «ليش بدنا نعرف».
لقراءة المقال كاملاً: الاخبار