عبر البابا فرنسيس، الذي بدأ اليوم زيارة الى قبرص، عن "قلق شديد إزاء استمرار الأزمة السياسية والاقتصادية الحادة في لبنان المجاور"، وقال: "أشعر بمعاناة شعب متعب وممتحن بالعنف والألم وأحمل في صلاتي الرغبة في السلام التي تنبع من قلب ذلك البلد".
ودعا أوروبا إلى "تحطيم جدران الخوف التي تمليها المصالح القومية والانفتاح على الاختلاف والتنوع". كذلك، حضّ على "الحوار من أجل حل الأزمة القبرصية المستمرة منذ عقود إثر اجتياح تركي قسم البلاد إلى شطرين"، بحسب "وكالة الصحافة الفرنسية".
وحطت طائرة الحبر الأعظم (84 عاماً) في مطار لارنكا بعد الظهر، وكان في استقباله ممثلون عن السلطات القبرصية وجوقة من الأطفال التي حمل أفرادها أعلاماً قبرصية وفاتيكانية وأنشدوا هاتفين "البابا فرنسيس، نحبك".
وقال البابا خلال لقائه الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس: "لن تكون جدران الخوف وحقوق النقض التي تمليها المصالح القومية" في أوروبا "هي التي تساعدها على التقدم، ولا الانتعاش الاقتصادي وحده يضمن لها الأمن والاستقرار".
وأعطى قبرص نموذجا ليقول "الروح الرحبة والقدرة على النظر الى ما وراء حدودنا يزيدنا شبابا ويسمح لنا أن نجد من جديد البريق الذي فقدناه".
وقال الرئيس القبرصي من جهته "زيارتكم الى بلادنا هي لحظة تاريخية، تشعرنا بتأثر كبير وفرح حقيقي".
وأعلن أنّ "البابا سينقل إلى إيطاليا خمسين مهاجراً موجودين في قبرص"، شاكراً إياه على "مبادرته".
وقال متوجهاً إلى البابا "مبادرتكم الرمزية، هي قبل كل شيء، إشارة قوية الى ضرورة إعادة النظر في سياسة الاتحاد الأوروبي حول الهجرة، لكي تصبح معالجة المشكلة وتوزيع المهاجرين على الدول الأعضاء أكثر عدالة".
كاتدرائية سيدة النعم المارونية
وكان البابا دعا في المحطة الأولى لزيارته في كاتدرائية سيدة النعم المارونية في العاصمة القبرصية، أوروبا، إلى "التغلب على الانقسامات وتحطيم الجدران والترحيب والاندماج"، في وقت تعاني القارة من تدفق المهاجرين اليها وترفض دول عدة استقبالهم، وقال: "كلكم حول بحر واحد، البحر الأبيض المتوسط: بحر يروي قصصاً مختلفة، وهو مهد حضارات عديدة"، مذكراً أوروبا أنّه "من أجل بناء مستقبل يليق بالإنسان، من الضروري العمل معاً، والتغلب على الانقسامات وتحطيم الجدران وتغذية حلم الوحدة. نحن بحاجة إلى الترحيب والاندماج والسير معاً لنكون جميعاً إخوة وأخوات".
وقبل توجهه إلى قبرص، التقى البابا في روما لاجئين من سوريا والكونغو والصومال وأفغانستان وصلوا إلى إيطاليا عبر جزيرة ليسبوس اليونانية. وسبق للبابا أن نقل معه في العام 2016 من ليسبوس، ثلاث عائلات سورية مسلمة مهاجرة بشكل غير قانوني، إلى الفاتيكان.
القصر الرئاسي
وعن الأزمة القبرصية، قال البابا في القصر الرئاسي: "الجرح الذي تتألم منه هذه الأرض بصورة خاصة، ناتج عن التمزق الرهيب الذي عانت منه في العقود الأخيرة"، مضيفاً "إنّ طريق السلام الذي يشفي النزاعات ويجدد جمال الأخوة، يتميز بكلمة واحدة هي الحوار".
وأضاف: "طريق السلام ليس طريقاً سهلاً، إنّه طويل ومتعرج، ولكن لا توجد بدائل للوصول إلى المصالحة".
واتهم زعيم القبارصة الأتراك ارسين تتار اليوم، "السلطات القبرصية بأنّها تستخدم رحلة البابا لتسجيل اهداف سياسية ضد تركيا وضد جمهورية شمال قبرص التركية" التي لا تعترف بها إلا أنقرة. وأسف لكون البابا "سيزور القبارصة اليونانيين فقط"، مضيفاً "هناك شعبان في قبرص، ليس فقط اليونانيون المسيحيون، إنما أيضاً الأتراك المسلمون".
وقال أناستاسيادس أمام البابا: "للأسف، شعب قبرص، القبارصة اليونانيون والقبارصة الأتراك والموارنة واللاتين والأرمن يعانون منذ 47 عاماً كنتيجة للاجتياح التركي والاحتلال المتواصل لـ 36 في المئة من أرض جمهورية قبرص".
الوضع في لبنان
وتطرق البابا إلى الوضع في لبنان المجاور، وقال في الكنيسة المارونية حيث جلس عن يمينه البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي قدم خصيصاً من لبنان للمشاركة في استقباله، وعن يساره مطران قبرص الماروني سليم صفير، "عندما أفكر في لبنان، أشعر بقلق شديد للأزمة التي يواجهها، وأشعر بمعاناة شعب متعب وممتحن بالعنف والألم".
وأضاف: "إنني أحمل في صلاتي الرغبة في السلام التي تنبع من قلب ذلك البلد".
وفي الشارع المحاذي للكاتدرائية المارونية، اصطف عشرات الأشخاص لالتقاط الصور والمشاهد عبر هواتفهم مع مرور موكب البابا. وصفقوا له وأطلقوا الهتافات بينما كان يلوح هو بيده من سيارته باتجاههم.
ويشكل القبارصة الموارنة الذين قدم أجدادهم من لبنان وسوريا منذ القرن الثامن، أقل من 1 في المئة من سكان قبرص البالغ عددهم حوالى المليون، وقد نزح معظمهم من قراهم في شمال الجزيرة بعد الاجتياح التركي العام 1974.
وقالت المارونية إيليانا مابلتيزو (38 عاما) وهي تحمل ابنها برفقة زوجها وابنتها أمام الكاتدرائية المارونية: "نحن أقلية صغيرة ومن المهم جدا أن نشعر أننا ننتمي إلى عائلة أكبر هي العائلة الكاثوليكية".
القداس
وسيشكل القداس العام الذي يحييه البابا في الملعب البلدي في نيقوسيا صباح الجمعة ذروة الزيارة. وهو الحدث الوحيد الذي سيتمكن فيه كل أتباع الكنيسة الكاثوليكية من كل المذاهب والبالغ عددهم حوالى 25 ألفاً، بين موارنة وكاثوليك معظمهم من المهاجرين الآسيويين، من رؤية البابا ومشاركته في الصلاة.
ومساء الجمعة، يترأس البابا صلاة مسكونية دُعيت إليها مجموعة من المهاجرين.
والبابا فرنسيس هو البابا الثاني الذي يزور قبرص بعد زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر في الـ2010.
ومنذ أصبح رأس الكنيسة الكاثوليكية، يولي البابا فرنسيس الحوار بين الأديان، وبين المذاهب المسيحية المختلفة، أولوية قصوى.
وسيلتقي صباح الجمعة أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية في قبرص في مقر رئيس الأساقفة كريسوستوموس الثاني، في نيقوسيا القديمة.