سياسة ومحليات

وزير البيئة: لدينا أمل في الحصول على قروض دولية لإنقاذ لبنان إذا ما أصلحنا بيتنا الداخلي

كشف ناصر ياسين، وزير البيئة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، أن بلاده تعيش أزمة مالية واقتصادية حادة، لن تنتهي سوى بانتخاب رئيس جديد للبلاد، وإعادة إرساء مؤسسات الدولة.

وأضاف الوزير، في حوار خاص مع "عربي بوست"، على هامش مؤتمر الشرق الشبابي الدولي السادس، الذي انعقد في إسطنبول يومَي 13 و14 آب/أغسطس 2022، أن الحكومة اللبنانية لديها أمل في مساعدة المؤسسات المالية المانحة.

وتطرَّق الوزير في الحوار نفسه إلى الأزمة السياسية في لبنان، ونتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، بالإضافة إلى الأزمات البيئية التي يعيشها البلد، في ظل إشرافه على قطاع البيئة.


كوزير وعضو في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، هل برأيكم سيتم انتخاب رئيس في المهلة الدستورية المحددة؟

من البديهيات أن ينتخب مجلس النواب الرئيس ضمن المهلة الدستورية، فلا نستطيع أن نكمل دون رئيس لفترات طويلة، نحتاج فعلاً لانتخاب رئيس ضمن هذه الآجال؛ لأن الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية ستتفاقم أكثر إذا دخلنا في فراغ رئاسي، ونحن كحكومة تصريف أعمال لن يكون لدينا كل الأدوات التي تتعلق بالإصلاح وبالمفاوضات مع المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي.

ومن بديهيات الدستور أن يُنتخب رئيس، وأن يكون هناك رئيس جديد لإعادة النقاشات والمفاوضات الموجودة مع الهيئات المانحة، وأن يُفتح حوار مع كل مكونات البلد، والاستمرار في المسار الإصلاحي الذي بدأناه.

كرأي خاص بكم كوزير، هل لديكم تصور وملامح عن الرئيس اللبناني القادم؟

لا أعرف مَن سيكون الرئيس؛ لأنه في النهاية الأمر يتعلق بطريقة المفاوضات بين المكونات اللبنانية والأحزاب والتيارات، فمجلس النواب هو الذي ينتخب وليست الحكومة، ولكن هل سيأتي رئيس مما يُسمى الصف الأول من زعماء الأحزاب والتيارات التي يُمكن أن ترشح بعض أعضائها، أو يمكن ترشيح شخص من خلفية تقنية ومالية أو اقتصادية، للعمل مع الحكومة القادمة فيما يتعلق بخطط التعافي.

ليس لديَّ معرفة، ولا أحد يعرف.

برأيك، ما الذي يحتاجه لبنان الآن؟

نحن بحاجة لرئيس يستطيع أن يجمع ويُحاور كل المكونات اللبنانية، ومن هم في المؤسسات كمجلس النواب، ومن هم في الخارج أيضاً، من أجل بناء خطط التعافي التي بدأتها الحكومة الحالية، وتطويرها؛ لأن القضايا التي يجب مقاربتها هي قضايا كبيرة، فنحن نتكلم عن سياسة نقدية، وكيفية إعادة المصارف اللبنانية للوضع الطبيعي لإعادة ودائع المواطنين، هؤلاء الذين لا يستطيعون الحصول على أموالهم التي وضعوها في البنوك، أيضاً نحتاج إلى بناء إدارة عامة جديدة بالقطاع العام لا تزيد أعباء كثيرة، ولكن تكون جزءاً من خطة التعافي القادمة.

كل هذه القضايا تحتاج لرئيس جامع قادر على فتح باب الحوار بين المكونات، وعنده كل صفات الحوار والانفتاح، وكذلك النزاهة للقيام بهذا المسار، والأهم من ذلك إعادة التوازن في العلاقة مع كل الأطراف الإقليمية والدولية، وتحديداً دول الخليج العربي.

كذلك ضرورة تشكيل حكومة تكون أبرز مهامها وضع لبنان على سكة التعافي المالي لإعادة الثقة لدى المواطن، وتحفيز الاستثمارات إما من قِبل رؤوس الأموال اللبنانية في الخارج أو المستثمرين الأجانب.

حالياً، ما أبرز ملامح الأزمة الاقتصادية في لبنان؟

الأزمة الاقتصادية في لبنان ثلاثية الأبعاد، فالأولى تتعلق بالمصارف، ولعلها الأكبر، لأننا عندما نتكلم عن المصارف، فنعني أموال الناس التي أودعوها، والتي سواء خسرت الكثير من قيمتها أو أنها غير متاحة.

فلن نستطيع بناء الاقتصاد أو الاستقرار المجتمعي إذا لم تعد المصارف لعملها الطبيعي، والمواطنون يحصلون على أموالهم.

أما البعد الثاني في الأزمة اللبنانية فهو ما يتعلق بمالية الدولة، هذه الأخيرة التي تعيش مديونية عالية فنحن بحاجة لمنع استدامة هذه المديونية حتى لا تكون ثقيلة على الخزينة العامة وإيرادات الدولة.

أما ثالث بُعد للأزمة الاقتصادية اللبنانية فيتعلق بالمصرف المركزي، فهو أيضاً به عجز مالي كبير؛ لأنه كان يُغطي حاجات الدولة اللبنانية التمويلية، وهو اليوم في عجز. 

وبالتالي نحن نتكلم عن أزمة اقتصادية ثلاثية الأبعاد، فلا يستطيع أي طرف إنقاذ الآخر، ففي الدول التي حصلت فيها أزمات اقتصادية ومالية كانت الدولة تُنقذ المصارف، أو يأتي البنك المركزي لينقذ الدولة، نحن في لبنان خسرنا الثلاثة.

يمكنني القول إن لبنان بحاجة لدعم دولي، وبحاجة للصندوق الدولي ولمؤسسات مالية دولية لمساعدة لبنان في بدء تنفيذ إصلاحات جدية، وهذا يستوجب إصلاحات وتنظيم البيت الداخلي، حتى نصبح جاهزين للمساعدة الدولية.

سأعود لسؤالك بخصوص الرئيس، فالرئيس المقبل للبنان لا بد أن يكون قادراً على إدارة حوارات مجتمعية مع كل مكونات المجتمع اللبناني والسياسية اللبنانية؛ حتى ننطلق في مسار الإصلاح، وإلا سنذهب إلى وقت ضائع آخر.

هل تعتقد أن المؤسسات الدولية المانحة ستستجيب للبنان؟

أنا لمست تجاوباً كبيراً للمؤسسات الدولية والمانحة مع لبنان، لمست ذلك جداً.. لكنْ، هناك شروط واضحة، من بين هذه الشروط أن نُعيد بناء مؤسساتنا الوطنية في لبنان.

مثلا عندما نتحدث عن تنظيم الإيرادات، تنظيم قطاعات مهمة مثل الطاقة والنقل والمياه، ويجب أن نضع أمام هذه المؤسسات الدولية والمانحين الدوليين طرقاً وأسلوباً جديداً للإدارة، وإلا فلن نحصل على مساعدات.

للحصول على مساعدات يجب أن نبرهن للمانحين بأننا قادرون على إدارة هذه الأموال بطريقة شرعية وشفافة، بطريقة خالية من الفساد والهدر أو سوء الإدارة، وبالتالي هناك عمل كبير يجب أن تقوم به الدولة اللبنانية لإعادة بناء المؤسسات التي ترعى شؤون الدولة، حتى نستطيع الحصول على قروض.

أكيد تتشدد الدول المانحة في إعطاء المساعدات، لكنها على حق، فلا بد من إعادة بناء المؤسسات من جديد، وإصلاح جدي لها.

ما أبرز ملامح التعافي التي قدمتها حكومة تصريف الأعمال في لبنان؟

خطة التعافي تنظر إلى الأزمة الثلاثية الأبعاد التي ذكرت، وتم وضع خارطة طريق للبدء في مقاربة هذه الأبعاد الثلاثة، من ناحية إعادة تكوين ودائع المصارف لتأمين 90 في المئة من المواطنين لأموالهم، وهذا يعيد الاقتصاد إلى حركة معينة، ويعيد للناس حقهم، وستعود المصارف للعب دورها في الاستثمارات الحقيقية لتحريك العجلة الاقتصادية.

خارطة الطريق هذه اصطدمت بنقاشات مع مجلس النواب، حول ماذا يُمكن أن تفعل وماذا لا يُمكن أن نفعل، كنا في فترة ما قبل الانتخابات النيابية نخوض نقاشاً عاطفياً إن لم نقُل شعبوياً، الآن تم إحياء نقاش ثانٍ حول الأزمة المالية والنقدية في لبنان.

أيضاً، هناك قانون تمت المصادقة عليه في مجلس النواب بخصوص رفع السرية المصرفية عن بعض المشتبه بهم، أو بغرض تكوين هذه الودائع، وبالتالي فيجب أن ترفع هذه السرية المصرفية.

بالإضافة إلى ذلك، هناك قانون يتعلق بالشراء العام، ليكون أي شراء عام تحت المراقبة وأكثر شفافية ووضوحاً، وهناك بعض القوانين التي لا تزال تناقش في المجلس النيابي، من بينها قانون الموازنة، والذي سيعيد بناء طرق جديدة لواردات الدولة اللبنانية ومن ضمنها الجمارك والرسوم..

هذا جزء من الخطة الإصلاحية التي وضعتها الحكومة، لكنها تُحقق ببطء جراء الأزمة السياسية ومواعيد الانتخابات النيابية، والآن يجب أن نعيد النقاش عن هذه الإصلاحات التي هي عبارة عن جزء من خارطة الطريق التي أعلنتها الحكومة.

لبنان خرج من مرحلة الاستحقاق البرلماني، وهو الآن بصدد اختيار رئيس جديد.. هل ترى أن مرحلة الانسداد السياسي انتهت في لبنان؟

لم ينتهِ الانسداد السياسي في لبنان، هناك أزمة سياسية، وهناك انقسامات حادة.

المجلس النيابي أنتج كتلة من الأقليات، ولم ينتج أغلبية مطلقة، وهذه الأقليات، الأربع أو الخمس التي نتكلم عنها بحاجة للتعاون مع بعضها البعض حتى تحقيق خطة التعافي التي ذكرت سابقاً، والمصادقة عليها.

هذا الانقسام الموجود حالياً، الذي أنتج إعادة انقسام المجلس النيابي ضمن مجموعة من الكتل النيابية، بحاجة لحوار جدي حتى تلتقي وتتفق مثلاً على اختيار رئيس، لهذا فأنا لست متفائلاً بكون هذا الانسداد السياسي قد انتهى.

حل الأزمة الاقتصادية مرهون بالتوافق السياسي؟

نعم بكل التأكيد.. الأزمة السياسية بحاجة لقرار سياسي، والقرار السياسي بحاجة لحوارات بين كل مكونات المجتمع اللبناني والسياسة اللبنانية، وبحاجة لرئيس يستطيع البدء بنقاش كهذا وحوار كهذا.

ولاختيار الرئيس يجب على المكونات النيابية أن يلتقي بعضها بعضاً وتختار الرئيس، وإلى سنذهب إلى فترة طويلة من عدم الاستقرار.

بالنسبة للقطاع الذي تُديرونه، ما أبرز الأزمات البيئية التي يعيشها لبنان؟

الأزمات البيئية في لبنان كثيرة، من أزمة النفايات المزمنة، إلى تلوث الهواء والمياه؛ لأننا ورثنا سوء إدارة في الملفات البيئية عمره سنوات، وتفاقم مع الأزمة المالية والاقتصادية.

كل شيء في لبنان مترابط، فالأزمة الاقتصادية تخلق أزمة مالية، وتؤثر حتى على البيئة. فنحن لا نستطيع أن نقدم خدمات بيئية للبنانيين دون وجود توازن مالي على مستوى الدولة، وهذا التوازن لن تستطيع الحصول عليه إذا لم يكن هناك إصلاحات.