أخبار بنت جبيل

حفل تأبيني حاشد للشهـ..يد حسين حميّد والمرحوم موسى بزي في مجمّع الإمام الكاظم (ع)

شهد مجمّع الإمام الكاظم (ع)، عصر الجمعة 8/3/2024 حفلاً تأبينياُ حاشداً بمناسبة مرور أسبوع على استشهاد الشهيد حسين علي حميّد الذي قضى إثر غارة جوية إسرائيلية غاشمة استهدفته في مدينة بنت جبيل مساء الإثنين 4/3/2024، ومرور أسبوع على نعي عزيز بنت جبيل المرحوم موسى محمود بزي الذي قضى في بيروت جراء التهجير القسري عن مدينته بنت جبيل.

حضر الحفل لفيف من العلماء تقدمهم الشيخ الدكتور علي جابر، وشخصيات اجتماعية وثقافية وسياسية وحزبية تقدمهم النائب محمد رعد، السيد حسين فضل الله، ورئيس بلدية بنت جبيل المهندس عفيف بزي، وحشد غفير من أهالي بنت جبيل والمناطق المجاورة.

افتتح الحفل بآيات بينات من القرآن الكريم تلاها القارئ حسن علي بيضون، ثم كلمة للطفل حيدر نجل الشهيد حسين حميّد، وممّا جاء فيها: "في ظلام هذا الليل رحل أبي شهيداً خالصاً لله، وفدى بدمائه تراب بنت جبيل التي أبى أن يتركها في حرب تموز 2006، وفي كل هجمةٍ لهذا العدو الغادر.. لقد رحلت يا أبي وما أبهى رحيلك شهيداً في جوار الحسين وأصحابه.. طاب منامك الطويل يا أبي، ونعاهدك أن نكمل المسيرة حتى تحقيق النصر الموعود".

 

ثم كانت كلمة الأديب الأستاذ رفيق شرارة، التي جاء فيها:

"بنت جبيل الأميرة العاملية الجليلة المحروسة بخرزات عيون الشهداء، ترفع شراشف الشمس عن وجه منبرها الوقور، وتعتلي سنام العز، ليتفاخر بضرغام هصور هو الشهيد المقدام حسين علي حميّد على طريق القدس، ونصرةً لغزة، ولأشلاء أطفالها المتناثرة على أسرّة الرمل، لنسائها اللواتي يغزلن خيوط المواويل الحزينة على نول الصبر، ويقرأن في فناجين الوقت الثقيل حُسن الطالع من قبضة مجاهد، وزخة صواريخ ترعب فرائص قطعان المستوطنين.

 الشهيد المجاهد حسين علي حميد عشيق بنت جبيل، وزين شبابها الذي أطعم فطائر الضوء لتلتها وخلتها وساحاتها والحواكير، وفتافيت الخبز لأفراح النجوم الناعسة العاكسة على وجه مرآة بركْتِها، وحساء الفرح والعزم لأفواه الصخور، وطرّز اسمه على قماش الشهادة، وحفر لوحوش العتمة والغيلان المذلة دهاليز القبور.

 حسين علي حميد، يا أجمل الفرسان، ويا أنبل الشجعان، سرّك وبرّك في وشوشات كروم الزيتون في البراري، وهمس جلالي التين المتلفعة بقمصان الضباب في أحضان السفوح العاشقة..

 حسين، يا زين الشهداء، حدثتنا عن نخوتك الحسينية وفرة البيارق، عن لظى حميتك الكربلائية التي أشعلت مصابيح تموز بزيت النصر المبين.

وحدثتنا تمتمات الشقائق عن رحيق الغبار المنبعث من تحت نعليك في الميادين، عن بريق لون اللوز في سلّة عينيك يضاحك لوحة مسافات الهدف، ويغازل شُعيّرة البندقية على الثغور في ليالي الكمين..

حسين علي حميد أيها الكربلائي، لقد ملئت قربة أمنيتك بعد عطش الشوق للشهادة، ونلت الوسام، ليحلو اللقاء مع الشهداء: قاسم أبو طعام وعلي أحمد بزي ومصطفى سعد وعلي سعد شواهين قافلة النور على طريق القدس الساطعة في سماء المقاومة."

وتابع شرارة عن عزيز بنت جبيل موسى بزي، قائلاً:

"تذرف الأميرة الماجدة بنت جبيل الدمع البليغ لفراق عزيزها وقلادة بركتها التي تطوّق جيد شمسها... برحيله الموجع يخرس الحرف، وتغرق الكلمة في لجة التأتأة، ويخرق جدار الصمت هتاف صداح بالصدق والبراءة، من قلب عزيز بنت جبيل، وشهيدها المظلوم: "لا إله إلا الله" وهو الزارع في سماء كل القرى، كما في بنت جبيل: تكبيرة الوداع، وحافظ حداءات أحزاننا، ومراسم عزائنا، وخازن خريطة قبور جبّانتها، في جرّة قلبه الطيب، يدرأ عنها نشوب مخالب النسيان.. موسى: أيها العبد الصالح، أيها الترابي الذي أتقن لغة المحراث في مطالع العمر الطري، وتفقه في بحور شعر الأقلام المقطعة على وزن عشق الفلاحين للأرض.. أيها العبد الصالح: بنت جبيل هي كل دنياك، تقرأ بعين القلب سماءها ودروبها وأحياءها، تهجّي بيوتها المتناثرة بيتاً بيتاُ، نأيت عنها قسراً، وظننت أنّ الضاحية التي حيك ثوبها بأصابع خياط فوضوي هي بلدتك الحبيبة.. وأيقنت أنّ أزرار عجْقِها تحلّ بيسر عن عراوي المفارق المتشبعة... مشيت وحيداً، وتاهت بوصلة عينيك في جهات غامضة.. فلحقت بك عيون وقلوب من أبناء المدينة الأم تقتفي ظلال بركاتك على ناصيات الدروب، فهزمتها بخطوك المتسارع الذي ينهب مدى المسافات الطويلة... حتى يبس عشب الأمل على أدراج اللهفة للقياك، وبتنا نلتمس ولو نجمة لقيطة ترشدنا إليك، وأنت القابض كفنك تحت رصيف الموت المُعرّى من أغطية السلامة والآمان، المنهوبة من سارق صغير وسارق أكبر في وطن شاخت شمس رخائه، وسلبت من كفها عكاز الضوء.

عزيز بنت حبيل: زاده مسبحة وسجادة صلاة، ونِعم الزاد، اقتطع من تراب الوطن جنته وعرج بها إلى السماء، ولصوص الهيكل سيصلون بالنار المستعرة في القعر السحيق من جهنم وبئس المصير... موسى سيبقى الحكاية والرواية حول مواقد الحنين، للأجيال... أجيال لم تولد بعد... بين ضرغام البطولة الشهيد المجاهد حسين علي حميّد والشهيد المظلوم موسى محمود بزي آصرة عشق لبنت جبيل التي تفاخر بفرسانها الأشاوس."             

ثم كانت كلمة النائب السيد حسن فضل الله، وممّا جاء فيها:

"لا تحجبنا أدخنة القذائف والصواريخ عن أن نكون في بنت جبيل، لكن أتينا إلى هنا لنكرّم شهيدًا وفقيدًا، لأننا ضنينين بأهلنا وأعزائنا، وإلا لكان موعدنا كما تعودنا في بنت جبيل التي لم يغادرها حسين حميّد بل بقي ثابتًا حتى الشهادة، وقضى هناك كما سبقه رفاق دربه من المقاومين والمجاهدين، وكما لا يزال هناك أهل صامدون ومقاومون ثابتون، ولبنت جبيل مدينتنا التي نرتقي بها وارتقت بنا جميعًا. لبنت جبيل هذا الدور الطاهر الذي اعتادت أن تقدمه في كل موقعةٍ في مواجهة هذا الكيان الصهيوني، وكان حسين حميّد واحدًا من هؤلاء الذين ربما الكثيرون لم يعرف دوره وتاريخه ونضاله وجهاده في مسيرة هذه المقاومة كما الكثيرين الكثيرين الذين لا يعرفون إلا حين ننعيهم شهداء. لأنهم معروفون لأهل السماء وإن كانوا مجهولين عند أهل الأرض.

ولبنت جبيل دائمًا لها هذا المسار التاريخي قبل مقاومتنا الإسلامية منذ عام 1948 وهذه المدينة على الخط الأمامي للمقاومة في مواجهة هذا العدو، وهي التي كانت تأوي الفدائيين واللاجئين، وتفتح بيوتها وتفتح عيونها وتفتح قلوبها وتقدم دماً تلوى دم إلى أن جاء الإمام المغيب السيد موسى الصدر وأخرجها كمجتمع من حالة الركود ومن التهميش على ضفاف الحياة السياسية إلى المقاومة التي تأسست من تلال شلعبون والطيبة ورب ثلاثين، والتي قاوم فيها المقاومون الأوائل، والراية لا تسقط أبداً من جيل إلى جيل، ومن زمن إلى زمن، إلى أن رفعت المقاومة الإسلامية عام 82 لواء الدفاع والتحرير والمواجهة، وبدأت من هنا من الضاحية الجنوبية ومن خلدة ومن شوارع بيروت،  ومن محطة إلى محطة وصولًا إلى التحرير في عام 2000. وكانت دائمًا بنت جبيل شريكة بدماء مجاهديها، يعرفهم حي ماضي، ويعرفهم بئر العبد، وتعرفهم الغبيري، وتعرفهم كل هذه الشوارع منذ البدايات، وقدمت دماء عزيزة أعز الرجال وأغلى الرجال، وكثير منهم لا نتحدث عنهم نرى صورهم، بعد عشنا معهم هنا، وكنا رفاق درب، منذ البدايات نعرف آمالهم وتطلعاتهم، ونشعر بأحاسيسهم كما في هذه المواجهة وأغلب هؤلاء الشهداء إما رفاق درب كلنا نعرف عائلاتهم، آبائهم وتضحياتهم... وكثيرون منهم من الذين واكبوا هذه المقاومة وصولاً بعد التحرير إلى 2006، وكانت بنت جبيل بحق عاصمة المقاومة والتحرير في عام 2000 ورفع فيها شعار أوهن من بيت العنكبوت لأن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، وفي 2006 أثبت المقاومون سواءً كانوا من المدينة أو من كل مكان ذهبوا إلى بنت جبيل وإلى مربع التحرير؛ أثبتوا هذه النظرية بدمائهم، واليوم بعد كل هذا الزمن نأتي إلى هذه المعركة، وأنا دائمًا عندما أقف على منبر هؤلاء الشهداء استعيد هذا التاريخ، لأن هذا التاريخ يجب أن يبقى محفوراً في قلوبنا ووجداننا وعقولنا، وأن لا ننسى في يوم من الأيام أننا كنا دائمًا نحن الذين نُهجر، ونحن الذين نُقتل، ونحن الذين تدمر بيوتنا، ونحن الذين نعيش بين الكروم، وكثير من أهلنا الأعزاء الموجودين هنا لأنهم عاشوا هذه التجربة، وأنا ممن عاشوا هذه التجربة، وعندما نتحدث عن الألم اليوم، عن التضحية اليوم، عن اللحظة اليوم، علينا ألا ننسى في أي مرحلة من المراحل أننا كنا نعيش القهر والاحتلال والتهجير والقتل ولم يكن آنذاك بإمكاننا أن نرد على العدو.

إننا عندما خضنا هذه المواجهة، وضعنا في نصب أعيننا المصلحة الوطنية اللبنانية، وقلنا إن من مصلحة بلدنا أن لا تتحقق أهداف العد. و في غزة، وأن لا نترك هذا العد. و يستبيح هذه المنطقة، وأن من مصلحة الجنوب وأهله أن لا ينتصر العدو في هذه لحرب، وأن نفهّمه أننا حاضرون وجاهزون ومستعدون لكل الخيارات والاحتمالات، وخضنا هذه المعركة ضمن أطر ومعايير وأسلحة وجغرافيا محددة، وحتى لو على حساب دماء شهدائنا."

وختم الحفل بمجلس عزاء حسيني تلاه الشيخ قاسم بعلبكي.