كتب ابراهيم مصطفى العزير:
رحل عن عالمنا اليوم رجل كريم محب لطالما كان سنداً لمن يحتاجه.
محمد مخيبر العزير (أبو سامر) واحد من الندرة الذين يختصرون الحياة بكونها مكاناً للعطاء دون حساب.
هو ابن عمي الذي اعتدت أن أراه في مناسباتنا العائلية الفرحة والحزينة ساعياً دوماً للقيام بما يعتبره واجب في إيفاء المناسبة حقها.
هو الرجل الذي لا يفكر مطولاً قبل أن يقدم العون لمن يحتاجه غريب كان أو قريباً.
أذكر أنني عندما غادرت بلدتي شمسطار قبل سنوات طويلة قاصداً الغربة لأحظى بفرصة بناء مستقبلي المنشود أوصاني الأهل بأمور شتى.. لكن نصائحهم تقاطعت عند أبو سامر: عندما تصل إلى المهجر تواصل معه ستجد لديه ما تحتاجه من عون ومساعدة.
توقفوا مطولاً عند سلوكه الاإجتماعي المتميز. اختصروا الوصف بالمصطلح الريفي المحبب لهم: "الرجل نخوة عحلوا". أي أنه مصنوع من النخوة فقط.
حاولت أن أخبرهم حينها أن المهجر مكان مختلف عن بلدتنا الوادعة، وأن الناس هناك لا يملكون الوقت ولا الدافع لاختبار إنسانيتهم.. هم مشغولون دوماً بمتطلبات الحياة المتخطية لإمكاناتهم.. وإن أبا سامر، كمن سبقه إلى المهجر، وكمن سيلحق به أيضاً، لابد له أن يتغير كي يواكب متطلبات الزمن المختلف. لكنهم لم يتوقفوا مطولاً عند تحليلي للأمور. ابحث عنه وستجده حاضراً كلما احتجت إليه.
عندما وصلت إلى كندا كنت أنوي التواصل معه ، ومع سواه من الأقارب والأهل، بدافع الشوق أساساً. لكن دهشتي كانت كبيرة عندما لم يترك لي الفرصة لذلك. عرف بقدومي فجاء من أميركا إلى كندا، مع زوجته ووالدته للاطمئنان علي. وليقول لي كلامه المعهود: "لا تشغل بالك بشيء. كل ما تحتاجه سنعمل سوياً على تحقيقه".
أدركت حينها أن الناس قد يتغيرون بفعل السفر ومشاغل الحياة الجديدة. لكن أبا سامر يبقى كما هو: سنداً لا يحيد قيد أنملة عن ثوابته ومحبته والتزامه بهموم الآخرين كما لو انها همومه هو نفسه.
عاش أبو سامر حياته وفق مقاييسه الخاصة. لم يسمح لصقيع الغربة ولا لطول المسافات أن تغير من قناعاته، أو أن تخفف من إندفاعه الإنساني. كان نادراً في تمسكه بأخلاقياته التي نشأ عليها.
كان يبدو كما لو أنه قدم من ضيعته الوادعة صباحاً إلى أميركا وسوف يعود اليها في المساء.
في رحاب الله أيها القريب القريب.. صدقني لقد مضى علينا الكثير من الوقت في هذه البلاد الغريبة.. لكننا لا زلنا نحتاج إليك كما كنا نفعل في أيامنا الأولى.
في جنة الخلد أبا سامر.
من موقع بنت جبيل احر التعازي والمواساة لعائلة الفقيد.