لم يمل الموتُ من دقِ أبوابِ البيوتِ الآمنة وسرقة أعزِ من فيها. أمس كان دورُ غادة، وماذا عسانا أن نحكي عن تلك الأمِ الطبيبةِ الهادئة.
يقولون أن "سيماهم في وجوههِم"، وهكذا بالفعل كانت الشابة غادة مصطفى، صاحبةُ الوجهِ البريءِ اللطيف الذي لا يملُ الابتسامة. لم تعرف أنّ سنواتَ الدراسةِ والتعب، ولحظات الأمومةِ الثلاثة، والحلم سينتهون بحادث سير مروّع.
ففي شوارع ديربورن حيث عاشت ابنة بنت جبيل كانت النهاية. ورحلت واحدة من أمهر الأطباء وأكثرهم إنسانية. لم تكن تعرف السائقة المتهورة أنّها ستحرم ثلاثة أطفال كانوا يجلسون مطمئنين منتظرين عودة أمهم في نهاية اليوم.
مفجعٌ وقع الخبر على الأهل والأحبة والجالية اللبنانية في ديربورن. فآمال غادة وأحلامها كانت أبعد بكثير، فهي المعروفة بتفوقها ونبوغها العلمي، كانت تطمح أن تصل حيث لم يكن أحد.
وضبت غادة اليوم سلة أحلامها ونثرت ذكرياتها الكثيرة على درب رحيلها، أما أطفالها فأهدوها القبلة الأخيرة على مثواها.
وبالورود والكثير من الألم الذي سينضج في الأيام الآتية ودعوا الراحلة في المركز الاسلامي بحضور حاشد يليق برحيلها ثم الى مثواها الاخير.
مشت غادة كثيرة الإيمان والاجتهاد وحرست الطيبة أينما حلت، وخلفها كثر لم يتعلموا رغم كل الآلام التي سبقت كيف يمشون على طرقات لها قوانين ومبادئ، وعليها أحلام وعيون كعيون الاطفال يوسف ومريم وحسن تترقب عودة أحد ما آخر اليوم.