تحت عنوان "40% زيادة في طلب العلاج النفسي بعد الحرب" كتبت زينب حمود في الأخبار:
لحظة إعلان وقف إطلاق النار، أطلق الناجون من الحرب العنان لمشاعر الغضب والحزن المكبوتة، وسمحوا لأنفسهم بـ«فلاش باك»، لفهم ما الذي مرّوا به من فقدان وخسائر في الأرواح والممتلكات وقلق دائم، بعدما ضبطوا أعصابهم طوال 66 يوماً من أجل الحفاظ على القوة للاستمرار. ومعها بدأت تظهر آثار الحرب النفسية، من نوم متقطع، وكوابيس، ومشاكل في الأكل، وقلق، وتوتر، وموجات ذعر، وأفكار كارثية، واستعادة ما حصل بطريقة ضاغطة. وانعكست الآثار النفسية أوجاعاً في الجسد، مثل آلام في المعدة وتقرحات، ومشاكل ضغط وسكري وغيرها. فلجأوا إلى المعالجين النفسيين للاستشارة إن كان ما يحصل معهم أمراً طبيعياً، أو قرروا البدء بالعلاج من خلال المهدئات وأدوية الأمراض العصبية. ويتحدث أحد الصيادلة عن «زيادة في استخدام أدوية الاكتئاب بعد الحرب، تصل إلى حدّ الإدمان عند البعض وخاصة أنّ وزارة الصحة لا تفرض وصفات طبية لبيعها».
يقدّر الطبيب النفسي باسكال رعد الزيادة في طلب العلاج النفسي جراء الحرب الهمجية على لبنان «بنسبة 40% بالحد الأدنى، ولا تنحصر بين أبناء المناطق التي تعرضت للقصف، بل تطاول الجميع على امتداد الأراضي اللبنانية ممّن تأثروا بأصوات المسيّرات والقصف، والأخبار التي شاهدوها، وبتداعيات الحرب، والقلق من توسعها وامتدادها لفترة زمنية طويلة، وخاصة أنها كانت حرباً مفتوحة الأمد، ما يعني التحضّر الدائم للكارثة، وهذا يهري الأعصاب». ويشرح معاناة كثيرين من «التوتر ما بعد الصدمة PTSD حيث ترجع الصور والذكريات والمشاعر ثانية، عدا التوتر الدائم، والاكتئاب».
وما يؤكّد زيادة الاضطرابات النفسية أيضاً هو «ارتفاع الطلب على المهدّئات وأدوية الأمراض العصبية»، بحسب نقيب الصيادلة جو سلوم. إلا أنّ زيادة الطلب لم تقابلها زيادة في الصرف والبيع، «بسبب انقطاع عدد كبير من الأدوية، وصعوبة الوصول إلى العيادات وتحمّل الأعباء المادية للاستحصال على وصفة طبية خلال الحرب»، على أن تعالج هذه الأزمة بعد وقف إطلاق النار لجهة سهولة الوصول إلى العيادات وسلاسل التوريد، علما أنّ «البدائل من هذه الأدوية كانت متوفرة في الحرب، وعدد من الصيادلة باعوها من دون وصفات طبية بحجّة الظروف الاستثنائية والطلب الكبير على المهدئات مثل Xanax وLexotanil»، كما يقول أحد الصيادلة.
طوال فترة الحرب، ورغم حصول البعض على خدمات نفسية وجلسات علاجية بشكل محدود، ظلّت «القطبة النفسية» مخفية لعدم القدرة على الوصول إلى المعالجين النفسيين وتحمّل أعباء مادية إضافية، عدا عن أولويات أخرى تقدّمت على الصحة النفسية مثل تأمين مأوى آمن والحاجات الغذائية، ولم يكن العلاج عن بعد فعّالاً ومتاحاً للجميع. اليوم، تبرز الحاجة الكبيرة إلى «إغاثة» نفسية، بحسب المعالجين النفسيين والأطباء والجمعيات المعنية. و«ستنطلق ورشة العلاج بعدما كنا نقدم جلسات دعم نفسي جماعية وفردية مجانية للنازحين في مراكز الإيواء، ذلك أنه في ظلّ الحرب، ليس أمامنا سوى توفير الدعم اللازم للتعامل مع المخاوف والتعبير عن المشاعر»، كما تقول مديرة البرامج في جمعية «مفتاح الحياة» غنوى يونس. وفيما «ارتفع عدد الخدمات النفسية التي تقدمها الجمعية خلال الحرب وبعدها بنسبة 35%»، تتوقع يونس «المزيد من اضطرابات ما بعد الصدمة ستظهر خلال الأشهر الثلاثة والستة المقبلة».
كانت الحرب إذاً القشّة التي قصمت ظهر البعير، بعد سلسلة «نكسات» نفسية متعاقبة خلال فترة زمنية قصيرة، بدأت من انتشار جائحة كورونا، مروراً بانفجار مرفأ بيروت، وليس آخرها الانهيار الاقتصادي. «هذا كلّه سيحفر عميقاً في الذاكرة الجماعية وستتوارثه الأجيال مهما حاولنا الترميم». على أنّ الثابت هو حاجة الجميع إلى هذا الترميم لأن الحرب لم تُعفِ أحداً من الندوب، لكن بدرجات متفاوتة بين من يتغلب بنفسه على ما حصل، أو بدعم من المحيط، أو يحتاج إلى معالج نفسي. وتعيد رئيسة قسم علم النفس التربوي في مركز «نفسانيون» نانسي قاروط هذا التفاوت إلى «درجة الوعي الذاتي والمرونة النفسية، والتاريخ النفسي للفرد. فإذا كان مليئاً بالصدمات قد يكون أكثر قوة أو هشاشة، إلى جانب العوامل الوراثية، وما عاشه كل واحد في الحرب والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، ودرجة التعرض للخطر والأذى، وظروف النزوح».