سياسة ومحليات

أهالي الأسرى اللبنانيين سلموا مذكرة رسميّة لرئيسة بعثة الصليب الأحمر الدولي مطالبين بمعرفة مصير أبنائهم.. وقفة في صور تكسر الصمت بالصوت

كتب حسين شعبان في المفكرة القانونية:

 

“بدّنا معلومة… لو صغيرة. أيّ معلومة”. تقول لولو حمود، من أمام مقرّ بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيروت، تتلفّت كأنّها تنتظر خبرًا لن يأتي. إلى جانبها تقول فاطمة كركي بهدوءٍ صلب: “إذا الصليب الأحمر الدولي عاجز، فأين ضغط الدولة اللبنانية؟” وكلتاهما من عائلات الأسرى والرهائن اللبنانيين المخفيّين قسرًا في سجون الاحتلال الإسرائيليّ.

صباح الإثنين 20 تشرين الأول، سلّم وفدٌ من العائلات برفقة الجمعية اللبنانية للأسرى والمحرّرين، مذكرة رسميّة لرئيسة البعثة أنييس دور (Agnès Dhur). مطلبهم بسيط ومباشر: معرفة مصير أبنائهم وضمان التحقّق من أماكن الاحتجاز وظروفه والتواصل معهم، وفق تفويض اللجنة الدولية.

جاء اللقاء بعد كشف أسيرٍ فلسطينيّ محرَّر، عن وجود لبناني مفقود الأثر داخل زنزانة معه، ما رفع حالات الأسر الموثّقة إلى عشرين على الأقلّ وأعاد سؤال المصير إلى الواجهة.

وقبل بيروت، نظّم الأهالي يوم السبت 19 تشرين الأول وقفةً أمام مقرّ الصليب الأحمر في صور، رافعين صور أحبّتهم ولافتاتٍ تطالب بمعلومة واحدة، أيّ معلومة.

الاجتماع مع الصليب الأحمر الدوليّ: حدود التفويض وصوت الأهالي

في الاجتماع الذي جمع الوفد برئيسة البعثة أنييس دور، قدّم ممثلو الجمعية اللبنانية للأسرى والمحرّرين مذكرةً رسمية أعادت التذكير بجملة من الخروقات الإسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي الإنسانيّ. 

المذكرة وثّقت ما يتعرّض له الأسرى اللبنانيون منذ اللحظة الأولى لاحتجازهم: “تعذيب جسدي ونفسي يشمل الضرب والتفتيش العاري والتهديد؛ حرمان من الاحتياجات الأساسية، ولاسيّما الماء والغذاء، مع نقصٍ شديدٍ في مقوّمات الحياة؛ إهمال طبيّ متعمّد وغياب رعاية صحّية كافية؛ عقوبات جماعية تطال الأسرى وعائلاتهم؛ اعتقالات عشوائية من دون تمييز بين مقاومين ومدنيين وفي ظروف غير إنسانية؛ ومنع زيارات الصليب الأحمر الدوليّ وحرمان الأسرى من التواصل مع أهلهم ومحامين يتولّون متابعة أوضاعهم القانونية”. 

وأكّدت المذكرة أنّ ملفات اللجنة الدوليّة نفسها “ملأى بانتهاكات العدو الإسرائيلي”، وأنّ ما يجري يمثّل مخالفات غير مسبوقة لاتفاقية جنيف الثالثة (معاملة أسرى الحرب) والرابعة (حماية المدنيين).

على الطاولة، كرّر الوفد مطلبه المباشر بكشف المصير وضمان الزيارة والتواصل. يقول رئيس الجمعية، أحمد طالب، لـ”المفكّرة”: “نحن نعرف أنّ الصليب الأحمر يلتزم حدوده القانونية والحياد في علاقاته، وأنّ الاحتلال لا يتجاوب، لكننا سنبقى نرفع الصوت حتى نصل إلى نتيجة”. 

كما أبلغ الوفد اللجنة بأنّه أدرج اسم حسن يوسف قشقوش ضمن لائحة الأسرى لدى الاحتلال الإسرائيليّ، بناء على إفادة أسير فلسطينيّ محرّر كان معه في زنازين سجني عوفر ونفحة. وبذلك يرتفع عدد الأسرى والرهائن الموثّقين إلى 20 شخصًا.

وبحسب ما يفيد طالب، أكّدت رئيسة البعثة بأنّ الجانب الإسرائيلي يرفض حتى اليوم تزويد اللجنة بأيّ معلومة عن الأسرى اللبنانيين أو أماكن احتجازهم، ما يعطّل الزيارات ويشلّ المتابعة الطبية والإنسانية. وبرغم ذلك، أكّدت البعثة أنّها تتابع “حتى النهاية”، مع الاستمرار في إرسال الطلبات والضغط للحصول على الأسماء والمعلومات. هذا الواقع، كما يراه الأهالي، يضع مسؤولياتٍ أكبر على الدولة اللبنانية، حيث لا يكفي انتظار مراسلاتٍ لا تُجاب، بل يلزم تحرّكٌ رسميّ واضح يوازي فداحة الجريمة.

مسيّرة فوق المبنى وصوتٌ يطلب عدالة

كان المشهد أمام مقرّ الصليب الأحمر في بيروت مفارقًا وثقيلًا. جدارٌ ملوّن بلوحات الإغاثة والإسعاف، أمامه أهالي الأسرى والرهائن بملامح صلبةٍ يغلّفها القلق. وفي الجو يعلو طنين مسيّرةٍ إسرائيلية. تحلّق فوق المبنى مباشرة، وتشوّش حتى على أحاديثهم القصيرة. يرفع الجميع رؤوسهم. تقول فاطمة كركي، شقيقة حسين كركي: “حتى هنا، في بيروت، تلحقنا المسيّرات. من الجنوب إلى العاصمة، لا يفارقنا صوتها”.

وحسين كركي لا يزال مجهولَ المصير. اختطفته قوّةٌ إسرائيلية صباح 26 كانون الثاني 2025، يوم بدأ الأهالي العودة إلى قراهم بعد انتهاء مهلة الانسحاب وفق إعلان وقف الأعمال العدائية. فتح الجنود الإسرائيليّون النار على حسين الذي كان برفقة شقيقته فاطمة وأمّه تمارا الشحيمي، ومعهم ربيع زراقط وطفلاه. أُصيب حسين في يده، ثم تكرّر إطلاق النار فاستُشهدت والدته وأصيب حسين في ظهره، أمام عيني شقيقته التي أدلت بشهادتها لـ”المفكّرة”. قتلت القوّاتُ الإسرائيلية ربيع زراقط أيضًا، ومنعت إسعاف حسين، لتقوم بعدها باختطافه، كما اختطفت الطفلين قبل الإفراج عنهما وبقي حسين مجهول المصير.

تتقدّم فاطمة نحو جهاز التسجيل، تُثبّت نبرتها وتقول: “في الاجتماع لا يلوح أيّ أفق لنتيجة. اللجنة ترسل مطالباتها عبر مكتبها لدى الاحتلال، لكن الاحتلال لا يجيب. فأين مسؤولية الدولة التي أعلنت أنّ الملف في عهدتها؟ وعليها أن تضغط وأن تتحرّك، وإن لم ترغب في ذلك، فلتُصرّح، وليعلم الناس فيتحرّكوا”.

ثم تُضيف: “لم يتواصل معنا أيّ مسؤول في الدولة، ولم يطلب أحدٌ لقاءنا”.

تتفاعل لولو حمود، شقيقة حسن حمود، وتقول بنبرةٍ متماسكة: “مضت تسعة أشهر وأخونا لا نعرف عنه شيئًا. وإن كانت اللجنة عاجزة، فماذا تفعل الدولة اللبنانية؟ ليقولوا إنّهم لا يريديون أو لا يقدرون، ولكن لا يتركونا نفتّش عن الحقيقة وحدنا”.

لقراءة المقال كاملاً من المصدر: اضغط هنا

 حسين شعبان - المفكرة القانونية