قدّمت منظمة أطباء بلا حدود عرضاً مسرحياً مؤثراً بعنوان «غزة - عيتا الشعب - غزة»، من إخراج لينا أبيض، على خشبة مسرح مونو في بيروت مساء الاثنين 3 تشرين الثاني. وثّق هذا العمل شهادات حيّة لنساءٍ نجَينَ من الحرب الإسرائيلية في فلسطين ولبنان، جمعتها فرق أطباء بلا حدود من أفراد طواقمها ومرضاها، وقدّمتها للجمهور، في عرضٍ مجاني باللغة العربية مترجم إلى اللغة الإنكليزية.
إفتُتح العرض بكلمة ألقاها المدير التنفيذي لأطباء بلا حدود في لبنان، سيباستيان غيه، إلى جانب مديرة المكتب الإعلامي الإقليمي في بيروت، جنان سعد، وشدّدا على أهمية الفنّ كوسيلة لتوثيق التجربة الإنسانية وإبقاء الذاكرة الجماعية حيّة، مؤكّدَين أنّ العمل المسرحي جاء استمراراً لرسالة المنظمة وأحد أركان عملها المتمثل في الإدلاء بالشهادة على المعاناة الإنسانية.
نقل العرض الجمهور في رحلة إنسانية مؤثرة من قلب الميدان إلى خشبة المسرح، ورفع أصوات النساء اللواتي تحدّين الدمار بعملهنّ وصلابتهنّ وارتباطهنّ بأرضهنّ، من خلال مواهب دارين شمس الدين وميرا صيداوي في التمثيل، وكارول أوهير في التأليف الموسيقي، والغناء بصوت كوزيت شديد، والإضاءة من تصميم طارق مجذوب.
على هامش العرض، لفتت المخرجة لينا أبيض إلى أنّ «هذا العمل ينقل شهادات مؤثرة لنساءٍ واجهن الحرب، ويُشعر المشاهدين بالقوّة والإلهام». وجاء هذا العمل ليُجسّد التزام منظمة أطباء بلا حدود بإيصال أصوات المتضرّرين من الحروب والنزاعات، وبوسائط جديدة هذه المرّة. فكما توصل فرق المنظمة رسائلها الطبية والإنسانية عبر الميدان، جاءت هذه المسرحية لتفتح نافذة مختلفة، تُعبّر عن معاناة النساء وصمودهنّ من خلال الفن.
عن فكرة العنوان
يحمل عنوان المسرحية «غزة – عيتا الشعب – غزة» رمزية عميقة، تربط بين غزة في فلسطين وبلدة عيتا الشعب في جنوب لبنان. منطقتان تفصل بينهما الحدود، لكن توحّدهما التجربة الإنسانية عينها: الحرب والفقدان وصلابة النساء في وجه القصف والتهجير، ورفض اختزال قصصهنّ بالألم والمأساة.
تنقل المسرحية قصص نور من فلسطين، وهي شابة تعمل مسؤولة عن التواصل في منظمة أطباء بلا حدود في غزة، ونهلة من لبنان، وهي سيدة هجّرتها الحرب من عيتا الشعب في جنوب لبنان. ترويان للجمهور يوميات الإبادة والحرب والتهجير، ويتحاوران من دون أن يتقابلا، ليرسما صورة نساء رفضن الاستسلام والصمت، وأصرَرن على رفع أصواتهنّ.
قدّمت المسرحية برهاناً على قدرة النساء في تحويل الألم إلى قوّة، وقدرة المسرح على تقديم مساحة للتضامن والتعافي.
ونقلت الممثلات شهادات حيّة من تجارب النساء خلال الحرب، الأولى في غزة، حيث واجهت نور الاحتلال وتهديداته بالقصف وأصوات المسيّرات والرصاص، وصولاً إلى تهديدها بالاغتصاب لحماية طفلة كانت تحملها، وتمسّكت بها كأنّهما «شخص واحد». أمّا نهلة، فرُوِيَت قصة صمودها بوجه قصف منزلها وتدمير بلدتها لمنع المهجّرين من العودة إلى أرضهم والتعلّق بقصص منازلهم والأغراض التي يحبّونها، وكأنّ يومياتهم تمحى أمام أعينهم. وتتشابه قصة نور ونهلة في دهشتهما من أنّ بشراً قد يصلون إلى هذه الدرجة من اللاإنسانية وتجريد مَن في وجههم من حقوقهم بالحياة والأمان والغذاء.
ولفت غيه إلى أنّ «أثناء تقديم الدعم الإنساني والطبي لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة، لمسنا ألم موظفينا ومرضانا. سمعنا صرخاتهم. أعلينا أصواتهم، وناشدنا أصحاب القرار أن يتحرّكوا ويوقفوا الإبادة. لكنّنا سمعنا كذلك أصواتاً كلّها قوّة. وتعكس المسرحية قصص الصمود والألم والإنسانية التي ترفض أن تزول. من خلال الفن، نكرّم الأشخاص خلف الأرقام - نكرّم شجاعتهم وفقدهم وأملهم».